فريدوم هاوس قالت كلمتها الفاصلة: البحرين بلد لا تتوفر فيه الحرية
ما دلالات تقرير “بيت الحرية Freedom House” الاخير الذي صنف البحرين ضمن “البلدان التي لا تتوفر فيها الحرية”؟ فبعد عقد كامل من التطبيل الاعلامي السلطوي تخرج هذه المؤسسة الدولية المرموقة لتؤكد مجددا ان النظام الجاثم على الصدور في البحرين لم يوفر الحرية للمواطنين البحرانيين، وان ادعاءات ابواقه الاعلامية خرقاء جوفاء. هذه المؤسسة تعمل باستقلال ضمن ضوابط علمية ولا تخضع لتأثير الجهات المعارضة للانظمة. وليس لديها مصلحة في استهداف هذا النظام ام ذاك، لانها تسعى لابراز حالة الحرية في دول العالم واعطاء مؤشر لمدى تقدم الدول او تأخرها في مضمار الحرية واحترام الشعوب وحقوقها في تقرير مصائرها.
وهنا يبرز السؤال عن طبيعة الاجهزة التي أنشئت في البحرين بعد اعلان الحاكم مشروعه السياسي في 2001: فهل هي ديمقراطية ام دعائية؟ وماذا عن الانتخابات التي تكرر اجراؤها، أليست مؤشرا ديمقراطيا؟ ما الذي يمكن عمله لارغام الحكم الخليفي على التخلي عن اساليب التضليل والتشويش بعد ان انكشفت اباطيله ودعاياته الخاوية؟ كيف يستطيع اهل البحرين استرجاع الحرية المسلوبة منهم وكسر شوكة الحكم الاستعبادي الذي يمارس ابشع وسائل التنكيل بهم؟ ألم يحن الوقت لمن يدعم هذا الحكم المتخلف لاعادة النظر في مواقفهم ويدعموا نضال الشعب البحراني من اجل الاستقلال والحرية؟
المؤسسة المذكورة لا بد انها اخذت في اعتبارها عددا من الامور وهي تصنف البحرين ضمن مؤشر الحرية الذي تعمل به والذي يضع في حسبانه عددا من الامور. واذا كانت الابواق السلطوية ستسعى جاهدة لتهميش قرار “بيت الحرية” فانها لن تستطيع اخفاء الحقائق زمنا اطول بعد سنوات من التضليل والتشويش. فقد اثبتت الاقلام الماجورة التي ما فتئت تشن الهجوم ضد الاحرار وتتقرب لرموز الحكم بالنفاق والجدل، انها غير ذات شأن امام المؤسسات الدولية المستقلة، وانها أقل شأنا من تغيير الحقائق مهما توفر لديها من امكانات مادية. وثمة مقولة مفادها ان “الحقيقة دأبت على اظهار نفسها دائما”. فالنظام الخليفي يعرف حقيقته، وانه لم يعترف يوما بالشراكة السياسية مع اهل البحرين الذين اعتبرهم “أعداء” منذ اليوم الاول لاحتلال البلاد، ولم يغير نظرته لهم يوما. وقد سعى بشكل متواصل لاستبدالهم بشعب آخر يستقدم افراده من اصقاع الارض ليحلوا محل السكان الاصليين (شيعة وسنة) ليكونوا اكثر طوعا له وقبولا باذلاله واستعباده. فالقرارات التي فرضها الحكم الخليفي على اهل البحرين طوال العقد الماضي أصرت على التعامل مع السكان الاصليين بروح الثأر والانتقام والتهميش، ولم تقم على اساس السماح لهم بتقرير المصير او الشراكة السياسية او التمتع بحقوق المواطنة، او الشعور بالامن. واعتقد النظام ورموزه ان بامكانه تمرير مشروعه من خلال اجهزته الاعلامية التي انفق عليها اموال الشعب المنهوبة، ووظف فيها ذوي النفوس الرخيصة والضمائر الميتة المستعدين لبيع اقلامهم على حساب الحقيقة.
ان من يدرس تطورات الوضع البحراني في العقد الاخير لا يمكن ان يتجاوز الحقائق التالية: الاولى ان الحكم الخليفي اعتمد سياستين متوازيتين ازاء العلاقة مع اهل البحرين: السعي لاستمالتهم بالكلام المعسول وان كان خاليا من اي مضمون، وممارسة القمع كوسيلة لردع النشطاء منهم ومنع تعمق الشعور بالحرية لديهم. الثانية: انه في الوقت الذي اعلن فيه عن عزمه على الاصلاح وا لتخلص من اوزار الماضي فانه لم ينفصل عمليا او نفسيا عن ذلك الماضي. فقد ا ستمر في الاساليب نفسها في القمع من جهة وحماية المعذبين من جهة اخرى. الفرق ان الحكم الخليفي قبل مجيء الحاكم الحالي كان يمارس القمع خارج القانون، بعد ان فشل في محاولة تقنين القمع المتمثل بقانون امن الدولة امام برلمان 1973، بينما الحاكم الحالي استطاع تمرير قوانين القمع من خلال مجالسه الصورية. وليس مستبعدا ان يمرر القانون السيء الصيت رقم 56 عبر مجلس الشورى الذي يعين الحاكم نصف اعضائه ويسمح بانتخاب النصف الآخر. ومن المؤكد ان مؤسسة بيت الحرية “فريدوم هاوس” قد اطلعت على ذلك القانون وادركت بعده الحقيقي. فكيف يستقيم الادعاء بوجود ديمقراطية وحرية اذا كان المعذبون يتمتعون بحصانة رسمية؟ الثالثة: ان الحكم الخليفي مستمر في استصدار ما يحتاجه من قوانين قمعية عن طريق “ديمقراطيته” التي فشل في اقناع الآخرين بها. فها هو مجلس الشورى يصدر قراره الجديد باعدام من يوصل اخبار القمع والاضطهاد الخليفي للجهات الدولية، واعتبار ذلك “إفشاء لاسرار الدولة”. ويهدف من ذلك لامرين: اولهما تخويف نشطاء حقوق الانسان من التواصل مع المنظمات الحقوقية الدولية التي اصدرت في السنوات الاخيرة بيانات قوية ضد الحكم الخليفي واتهمته بانتهاكات فظيعة لحقوق الانسان. وثانيهما ردع ضحايا التعذيب من تقديم افادات ضد رموز الحكم الخليفي كالسفير الخليفي في بريطانيا ووزير الامن الوطني الحالي الذي سمح بتعذيب ابناء البحرين في الزنزانات بدون رحمة او شفقة.
لا شك ان مؤسسة “فريدوم هاوس” قد اطلعت على هذه الحقائق وتوصلت لاستنتاجها الذي ستكون له انعكاسات كبيرة على الحكم الخليفي. فقد اعتمد الحاكم الحالي على الدعاية لترويج حكمه ومشروعه، وهذه الدعاية قامت على اساس وجود تغير سياسي كبير وانفتاح في مجال الحريات العامة وحكم القانون، وانه احدث قطيعة مع الماضي الاسود الذي تميز بقمع المواطنين وممارسة الاستبداد في ابشع صوره. وقد جاء تقرير المؤسسة الدولية ليفند بشكل قاطع تلك الادعاءات جملة وتفصيلا. فالبحرين، وفق تقرير “فريدوم هاوس” اصبحت من الدول التي لا تتوفر فيها الحرية. فما هي الانجازات التي يتشدق بها الحاكم ونجله وابواقه الاعلامية؟ كان النظام يعتقد ان اجراء الانتخابات يكفي لاقناع الآخرين بوجود ديمقراطية، ولو كان الامر كذلك لتم إفراغ الديمقراطية من محتواها. فما جدوى انتخابات لا تقنن الحريات العامة؟ ولا تحمي المواطنين بالقانون؟ وما هذه الديمقراطية التي لا يستطيع الاعضاء المنتخبون اصدار القوانين المزمة لنظام الحكم، بل ان كل ما يصدرونه انما هو “توصية”؟ قد يدعي الحكم وابواقه ان الامر ليس كذلك وان بامكان مجلس الشورى اصدار القوانين، ولكن يمكن الاشارة الى قرار هذا المجلس الصوري برفض غلق مكتب مقاطعة “اسرائيل”. فهذا القرار لم تقبله العائلة الخليفية ولم تنفذه، وبقي المكتب مغلقا. وكذلك الامر بالنسبة للتطبيع مع الصهاينة، فقد اتخذ هذا المجلس الصوري قرار عدم التطبيع، ولكن العائلة الخليفية ردت على ذلك بان ذلك ليس من حق المجلس لانه تدخل في صلاحياتها. ان لدى آل خليفة ديمقراطية من نوع خاص، تحصر مهمة مجلس الشورى باقرار ما تريده العائلة الخليفية من قوانين وقرارات ولا تبادل لاستصدار قرارات منفصلة عن الرغبة الخليفية. ولذلك حاولت الابواق الرسمية لترويج مقولة وجود ديمقراطية “تضاهي أعرق الديمقراطيات في العالم”. فما الدليل على وجود تلك الديمقراطية؟ الدليل الوحيد الذي يقدمه الاعلام السلطوي وجود انتخابات للمجالس الصورية التي لم يستطع اي منها اتخاذ قرار جوهري واحد مخالف لما يريده الخليفيون المحتلون.
وأدركت منظمة “فريدوم هاوس” من جهة ثانية حقيقة اخرى، وهي ان العائلة الخليفية تحكم البلاد بعقلية المحتل، فرفضت ان تعترف بشراكة سياسية حقيقية لأهل البحرين، وسعت لتقنين دورهم بدستور كتبه المحتلون ولم يسمح للمواطنين بالمشاركة في كتابته على الاطلاق. هذه الحقيقة وحدها كانت كافية لاثبات ما توصلت اليه المؤسسة المذكورة بعدم وجود حرية في البحرين. ان الاحتلال لا يمكن ان يؤسس لديمقراطية حقيقية في اي بلد. وقد اثبتت التجارب الاخيرة في العراق وافغانستان ان الخيار الشعبي لا يكون له مفعول الا بغياب الاحتلال. والخليفيون يدعون انهم ليسوا محتلين، و لكنهم يمارسون الاساليب نفسها. فقد فرضوا دستورهم الخاص على اهل البحرين كما حاول الامريكيون ان يفعلوا بعد احتلال العراق لولا تصدي آية الله السيد السيستاني حفظه الله لتلك الخطوة وافشالها واستبدالها بخطوة اخرى مهدت الطريق لكتابة دستور عراقي بأيد عراقية. لقد قالت منظمة “فريدوم هاوس” ما قاله البحرانيون منذ عشرة اعوام، وهو القول الفصل ولا مجال للاحتلال بعد اليوم لتمرير مخططاته الشيطانية، مهما سعى للتضليل والتشويش بأساليب النفاق والكذب. ولم يعد هناك مجال لانقاذ الحكم الخليفي من حتمية السقوط الا بالتخلي عن عقلية الاحتلال والسماح للشعب بكتابة دستوره، والغاء مشروع الابادة من خلال التجنيس السياسي المقيت.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
29 يناير 2010