سينتهون، بعد ان ولغوا في دماء الابرياء
لو كان في هذا البلد عدل لما اكتفي باقالة المعذبين الذين مزقوا أشلاء الشاب البحراني، علي ابراهيم أحمد، بل لاعتقلوهم وسجنوهم بارتكاب جرائم ضد الانسانية. ولو كانت البحرين محكومة بقانون عادل لما اكتفي بإعفاء الضابط الذي أمر جلاوزته بالاعتداء على منازل المواطنين بمنطقة الدير (تماما كما فعل ابن سعد يوم عاشوراء عندما امر باقتحام خيم الامام الحسين عليه السلام) بل لحوكم بتهمة الاعتداء على الابرياء واصابة بعضهم باصابات بليغة.
لو كان بلدنا محكوما بنظام مدني حديث لما أمر مرتزقته بالتصدي للمواطنين الاصليين (شيعة وسنة) والتصدي لمعتقداتهم وإزالة السواد من اغلب مناطقهم. لو كانت البحرين محكومة بالقانون لما سمح لرموز العائلة الخليفية المحتلة بالاستيلاء على جزرها وسواحلها بالقوة وحرم ابناؤها ليس من حق السكن فحسب، بل من حق العيش على سواحل البلاد، كما فعل أسلافهم. لو كانت اوال دولة عصرية لما بقي وزيرا الداخلية والامن الوطني في موقعيهما بعد ان فشلا في اداء مهمتهما وغطيا على ذلك الفشل بالانتقام من اهل البحرين، وما ادى اليه ذلك من تعمق الكراهية للحكم الخليفي الذي تحول رموزه الى قطاع طرق يمارسون السلب والنهب والقتل والتعذيب، وينتقمون ممن يعارضهم بالتعذيب الوحشي او الحرمان من حق الوظيفة، او الحصول على مسكن ملائم. لو كانت البحرين كسائر دول مجلس التعاون لكان هناك تعاون بين الحكومة والشعب، ولحل الحب محل الكراهية والبغضاء التي تتعمق يوميا. ولعل من أهم ما انجزته المعارضة في السنوات الخمس الاخيرة غرس بذرة المفاصلة بين اهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة) والخليفيين الذين تحولوا في عهد الحاكم الحالي الى محتلين حقيقيين، بعد ان الغوا الدستور الذي كان الوثيقة الوحيدة التي الغت عنهم سمة الاحتلال واستبدلتها بالمواطنة المشروطة والمقبولة من قبل الشعب. لقد خسر هذا الحاكم ثقة البحرانيين قاطبة. هذه حقيقة لا يقلل من شأنها قدرته على توظيف عدد محدود من البحرانيين للدفاع عنه في المحافل الدولية بتقديم شهادات الزور من نوع “لا يوجد تمييز ضد الاغلبية” او “ليس هناك سجناء سياسيون” او “البحرين دولة ديمقراطية”.
اذا كان الخليفيون يعتقدون ان نزع السواد الذي يعلقه المواطنون في موسم عاشوراء سوف يكمل مشروع الابادة الثقافية لهذا الشعب، فانهم مخطئون جدا. ربما انطلقوا في موقفهم من الشعور بان وجود المجالس الصورية سوف يغطي عوراتهم وجرائمهم امام العالم لانها اصبحت “شهادة” على “ديمقراطيتهم” ولكن فاتهم ان اهل البحرين قد ازدادوا في السنوات الاربع الاخيرة وعيا وبصيرة واستيعابا لحقيقة المشروع الخليفي البائس. البحرانيون اليوم يختلفون عما كانوا عليه آنذاك. فالشارع البحراني ازداد حراكا، اذ لا يمضي يوم بدون وجود اعتصام هنا ومسيرة هناك. ولا يمر اسبوع بدون صدور بيان من منظمة حقوقية دولية تدين ا لانتهاكات، ولا يمر شهر بدون سوق وجبة من الابطال الى زنزانات التعذيب، ولا تمر ساعة بدون نشر مقال على واحد من المنتديات الالكترونية تفصح عن حقيقة موقف البحرانيين ازاء هذه الطغمة المجرمة التي ولغت في دمائهم ونهبت اموالهم وهتكت اعراضهم. وما العدوان الاخير قبل بضعة ايام على المسيرة النسائية التي خرجت احتجاجا على التصدي للشعارات الحسينية الا تأكيد لحالة التوتر السياسي في البلاد والرفض الشعبي المتصاعد لكل ما هو خليفي، بعد ان تعمق ايمانهم بان آل خليفة ليسوا الا محتلين. لقد نجحت المعارضة ا لبحرانية في تحويل الغاء ا لدستور الشرعي الوحيد الى دليل ثابت على عقلية الاحتلال التي اصبحت اكثر تعمقا في اذهان الحاكم وابنائه الذين يزدادون تحكما في الامور بشكل سيئ واساليب خاسرة بعون الله تعالى. انه نجاح باهر يسجل للمعارضة، ولا يقلل منه ما تشيعه ابواق الاحتلال من مصطلحات خاوية تهدف لتفريغ القيم المعاصرة كالديمقراطية وحقوق الانسان من محتوياتها الواقعية.
لقد اتصلت دماء الشاب علي ابراهيم أحمد، بدماء الشهداء الذين سبقوه، وآخرهم علي جاسم، وهذه الدماء جميعا اصبحت تدعو على هذه الزمرة الطاغية التي تجاوزت كل الحدود واعلنت الحرب الشعواء ضد البحرانيين. فهل يمكن اعتبار استهداف السواد الحسيني في اغلب مناطق البحرين الا عدوانا لا يقل اجراما عما يقترفه الصهاينة المحتلون بحق الفلسطينيين والمقدسات الاسلامية في الاراضي المحتلة؟ ومع هذا التقدم الذي حققته المعارضة، هناك مستقبل أسود ينتظر رموز النظام الخليفي الارهابي، امام المحاكم الدولية بتهم الابادة وارتكاب جرائم ضد الانسانية. فكلما ازداد الطاغية بقانونه المشؤوم رقم 56 الذي يحمي مرتكبي جرائم التعذيب، ازداد غوصا في الوحل، وازداد منطق المعارضين وضوحا وقبولا لدى الجهات الدولية. وثمن من يتساءل: هل انكم حقا تسعون لتدويل القضية؟ فنقول بثقة عالية بالنفس والموقف: وهل بقي طريق غير ذلك؟ هل هناك مجال للتعايش مع حفنة تتفنن في التعذيب والاعتداء على الحرمات والسلب والنهب؟ فبعد ان استهدف الامام الحسين في شعائره، فما الذي بقي مما يستحق العيش من اجله؟ ان الحسينيين لا يستسيغون اللحم الذي يوزعه قصر الحاكم على المآتم، ويدفع اثمانه باهضة من اموال الشعب المنهوبة. فالحسين عنوان لقضية جوهرية لدى اهل البحرين تتلخص في وجوب مواجهة الحاكم الطاغية في كل زمان ومكان، ولذلك قيل: “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء”. لقد تحولت البحرين الى “كربلاء” جديدة استبدل فيها يزيد بالطاغية الذي اصبح يستهدف كل من هو حسيني من بين المواطنين، وما هو حسيني من الشعارات والطقوس، وما هو فكري وايديولوجي من الاطروحات، ومن هو حسيني حقا من الخطباء. وهكذا يعيش البحرانيون موسما آخر من مواسم الشهادة، يتمنى كل منهم ان يكون عنصرا فاعلا فيه، سائرا على درب الحسين، لا يتراجع عنه خطوة ولا يساوم عليه بأي ثمن.
هذه الحقائق تستبطن حقائق اخرى، اهمها تعمق الايمان بشكل مضطرد بحتمية انتصار الدم على السيف. انها حقيقة لم يستوعبها الاحتلال الخليفي حتى الآن، بالطاغية لا يعتقد ان عهده سوف ينتهي على ايدي ضحاياه، والجلاد يتظاهر بالاستمتاع بما بين يديه سواء كان متاعا ماديا ام أشلاء بشرية يمزقها جلادوه ويقدمونها على اطباق من فضة وذهب. هذا الجلاد يفقد عقله وانسانيته، فيكفر عمليا بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويعتقد انه مخلد الى الأبد، وينسى ان الطغاة الى زوال، طال الزمن ام قصر وان دماء الشهداء تستمر في مطاردتهم حتى تقضي عليهم وعلى حكمهم الى الأبد. هذا ما تعلمناه من ملحمة عاشوراء، وما عرفناه من كفاح الشعوب، وتاريخ الامم، ولذلك فنحن واثقون بان الله يمهل الظالمين ولا يهملهم، وان كل من تعرض للحسين بسوء لم يمهله الله طويلا. ولن يكون الخليفيون بمنآى عن هذه الحقيقة، فسوف ينتهون بعون الله الذي سيظهر الحق وينصر عباده المظلومين، وينصر دينه وعباده وينتقم للمستضعفين، ويقصم الجبارين، انه غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
8 يناير 2009