موعد آخر مع موسم الشهادة، لدحر الخليفيين
الشعب ينتظر المحنة السوية خلال التي اعتاد وقوعها كلما حل ديسمبر. السبب بسيط جدا: انه لم يعترف يوما بعيد جلوس اي من حكامه الخليفيين، فيما يصر الخليفيون على فرض مناسباتهم على اهل البحرين. انها اشكالية نابعة عن أزمة الشرعية التي يشعر الخليفيون بافتقاد حكمهم لها.
هذا من جهتهم. اما من جهة البحرانيين فانهم ييشعرون بانهم يتعرضون لحرب شرسة شاملة ضدهم كشعب ووطن وتاريخ وثقافة. وبالتالي فما فتئوا يقاومون المحاولات السلطوية لتفعيل مشروع المسخ الشامل للبحرين. ومن يقارن الخطاب العام للنظام ورموزه وابواقه خلال الاعوام الاخيرة يجد بوضوح انهم يعتقدون انهم أكملوا المرحلة الاولى من مراحل الإبادة وذلك بتحقيق تغيير التوازن السكاني، وبدأوا المرحلة الثانية وهي “تطبيع” الوجدان الشعبي لقبول هذا التغيير. ويلاحظ على الخطاب الرسمي هذه الايام عدد من الامور: اولها تكرار مقولة “اننا جميعا مجنسون” يأتي ذلك على لسان الحاكم وعلى ألسنة مسؤوليه، وهذا يتضمن الغاءحقيقة تاريخية بان هناك سكانا اصليين (سنة وشيعة) سبق وجودهم الاحتلال الخليفي آلاف السنين. فالبحرانيون ليسوا مجنسين، لانهم اهل البلد الاصليون سواء كانوا سنة ام شيعة. ثانيها البدء بطرح نسب جديدة غير مألوفة حول التركيبة السكانية في هذا البلد. فهم يقولون الآن، على السنة بعض مسؤوليهم او ابواقههم ان الشيعة كانوا أقلية، على امل تكريس تلك المقولة في النفوس، ومن اجل غرس بذور المذهبية والطائفية التي طالما تجاوزها المناضلون البحرانيون، الشيعة و السنة. ثالثها ان الخطاب الرسمي تحول بشكل مقلق جدا نحو الطائفية، فلم يعد المسؤولون الخليفيون يخجلون من الاعتداء على قيم المواطنين الشيعة ونعتهم بالنعوت التي لا تليق. انهم يسعون لتهميش السكان الاصليين، ويضعون مشروع الابادة موضع والتنفيذ. خامسها ان الحاكم الحالي، حمد بن عيسى آل خليفة، وضع المشروع الطائفي في جوهر مشروعه السياسي. وبتعيينه خالد بن أحمد آل خليفة، وزيرا لديوانه، فانه أقر اطروحات هذا الطائفي التي بثها في التسعينات، لتكون جوهر المشروع السياسي الذي طرحه، وسعى لتغليفه بلغة الاصلاح والديمقراطية.
الشعب البحراني استهل شهر ديسمبر بنشاطه المقاوم المعهود. فقد شهدت مناطق كثيرة تحركات شبابية مناهضة للحكم الخليفي البغيض الذي يعتبر عدوا لدودا لأهل البحرين، منذ ان طرح الحاكم الحالي مشروعه السياسي الاستئصالي. فمن كرزكان الى سترة والدراز وبني جمرة و المالكية والديه والسنابس والدير والمعامير وغيرها لا تكاد تختفي مشاهد التوتر الامني من خلال الحرائق المشتعلة في الشوارع العامة والشعارات التي تزين الجدران، والكتابات في المواقع الالكترونية. حتى ليخيل لمن يزور البلاد انه يعيش في اكثر الدول العربية توترا. والواضح ان الخليفييون قد فقدا المبادرة السياسية تماما، وان حماسهم الذي اظهروه قبل عشرة اعوام قد تلاشى تدريجيا. وقد ادركوا اخيرا ان مجالسهم الصورية التي فرضوها على البلاد وصاغوا قوانينهم ودستورهم لدعمها، لم تكن مفيدة ولم تحل المشكلة في جوهرها. ومما يقلق الحكم الخليفي ان الجيل الجديد اصبح اشد كراهية لنظامهم، واكثر استيعابا لحقيقة مشاريعهم التي تستهدف القضاء عليه وعلى هويته وتاريخه وثقافته. هذا الجيل رأى كيف سعى الخليفيون للسيطرة على العاصمة بافراغها من سكانها الاصليين، اذ لا يستطيع نظام ان يحكم بلدا ما دامت العاصمة بأيدي غيره. ورآى كيف عمل الخليفيون على قتل كافة المواهب والحرف الوطنية كالنجارةوالحدادة والبناء وغيرها، وحولت البحرانيين الى مواطنين استهلاكيين يعتمدون على العمالة الاجنبية لتوفير تلك المهن. وهل تقوم الحضارات و المجتمعات الحديثة الا على سوعاد ابنائها؟ رآى هؤلاء ايضا كيف ان الخليفيين قاموا باجراءين خطيرين: اولهما السيطرة على اكثر من 90 بالمائة من السواحل لمنع المواطنين الاصليين (شيعة وسنة) من السيطرة على المنافذ البحرية. والثاني تحويل القرى الساحلية الى قرى داخلية، وذلك بمشاريع دفن الاراضي الساحلية وتمليكها لعملاء النظام او المستوطنين الاجانب الذين جاء بهم ليحمي بهم نفسه. انها واحدة من اخبث المؤامرات في “هندسة التكوينات الاجتماعية” الهادفة لتغيير الحقائق البشرية في البحرين.
الحكم الخليفي كان يأمل ان تؤدي سياساته تلك لحالة من ال استسلام الجماعي من قبل البحرانيين اما جهلا بحقيقة المشروع الخليفي الحاقد، ام طمعا في الحظوة بشيء من المال والجاه، ام خشية من انتقام الخليفيين منه. ولكنه فوجيء بعدد من الامور: اولها ان الذين انساقوا وراء مشروعه كانت قلة قليلة من البحرانيين الذين اصبح بعضهم “شركاء في الفساد” وليسوا “شركاء في القرار”. ثانيها: ان اعلامه الموجه بشكل رهيب لدعم احتلال اراضي البحرانيين، فشل في التأثير على الرأي العام المحلي، الذي أصبح ادراكا لما يجري، وأقل استعدادا لبيعض المواقف والضمائر لفئة مجرمة ما فتئت تمارس الاجرام بحقهم. ثالثها: ان استمرار النشاط المقاوم في خارج الحدود لم يتوقف، وان سياسات استدراج الاحرار الى الداخل لم تحقق النتائج المطلوبة، اذ ما تزال هناك مجموعات خارج سيطرته تعمل بحرية لنقل ظلامة شعبها الى الخارج. يضاف الى ذلك تصاعد عدد طالبي اللجوء السياسي في البلدان الغربية، الامر الذي اربك حساباته بشكل جوهرية. وكان الخليفيون يعتقدون انهم قد حققوا مكاسب كبيرة بتوظيف عدد من ضعاف النفوس للعمل معهم ضد بقية ابناء الشعب، وعدد آخر من المرتزقة الاجانب من برلمانيين واعلاميين ونشطاء حقوقيين. وقد ثبت ان جهوده تلك لم تحقق الثمار التي يرجوها، فما يزال بضعة نفر من اهل البحرين المظلومين قادين على نقل ظلامة اهلهم للآخرين بشكل فاعل. وبرغم قدرة “فريق المهمات الصعبة” المكون من بعض الرموز الخليفية والعملاء المحليين والمرتزقة الاجانب، في شراء بعض العناصر في مؤسسات اعلامية وحقوقية، ولكنهم فشلوا في التأثير على مؤسسات اخرى رفضت بيع نفسها، وأصرت على الدفاع عن شعب البحرين المعرض للابادة. وثمة تقارير عديدة تدين الظلم الخليفي صدر بعضها وسوف يصدر البعض الآخر قريبا، وجميعها ينطق بظلامة البحرانيين على ايدي الطغاة الخليفيين. ولذلك جاءت ردة الفعل الغاضبة من رموز الحكم الخليفي وعلى السنة ابواقهم في الايام القليلة الماضية، وجميعها يسعى للضغط على الحكومة البريطانية التي منحت بعض البحرانيين حق اللجوء السياسي بعد ان ثبت لها حالة الاضطهاد والظلم التي يتعرضون لها. ومن يقرأ وسائل الاعلام الخليفية يعتقد ان بريطانيا قد آوت الآلاف من البحرانيين، مع ان عدد الذين منحوا حق اللجوء السياسي في الاعوام الاربعة الماضية لم يتجاوز عدد اصابع اليد. مع ذلك فنظرا لشعور الحكم الخليفي بانه يمارس ظلما واجراما قل نظيره، فقد اصبح اكثر قلقا من نشاط معارضيه خارج الحدود، وراح يسعى بكافة الوسائل لمواجهتهم. وقد أدى فشله المتكرر الى تعمق شعوره بالتوتر، الامر الذي اثار استغرب اصدقاء آل خليفة ودفع بعضهم الى الاعتقاد بان عهد ظلمه لن يدوم طويلا.
شهر ديسمبر يطل، ومعه احتمالات عدة، في مقدمتها ان تشهد البلاد حملة قمع واسعة جديدة، متزامنة مع عيد الشهداء العظيم المزمع احياؤه في 17 ديسمبر، تخليدا لذكريات ابناء البحرين الذين قتلوا على ايدي الوحوش الخليفيين. ان الشعب على موعد مع صفحة اخرى من صفحات القمع والاضطهاد في هذا الشهر، ولكنه اصبح اكثر استعدادا وإصرارا وايمانا بانتصار قضيته، فما على شباب المولوتوف الا الصبر والاحتساب والايمان والاصرار، لان الحقوق لا تنال الا بالتضحيات الجسام، والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
4 ديسمبر 2009