استراتيجية المقاومة ضد مشاريع التضليل وتفتيت الشعب
العلاقة بين “الانتخابات” و “الديمقراطية” تمثل جانبا من اهتمام المقاومة المدنية البحرانية ضد الحكم الخليفي الاستبدادي. فبرغم حملات التسويق العملاقة التي انتهجتها العائلة الحاكمة في البحرين لتسويق صورتها لدى الخارج، والانفاق الضخم على شركات العلاقات العامة ووسائل الاعلام الاجنبية، ما يزال المواطن البحراني واعيا لما حوله، رافضا لمقولات الاصلاح التي تطلقها ابواق الدعاية السلطوية.
وما الافتتاحيات والاعمدة اليومية التي تهاجم المقاومة بشكل يكاد يكون يوميا بسبب مواقفها الرافضة للاستبداد الا مؤشر لعمق الازمة وشعور العائلة الحاكمة بانها خسرت الصراع على القلوب، وانها تقترب تدريجيا من أزمة قد لا يكون لها حل الا بسقوط الحكم التوارثي من جذوره. والواضح ان الحكم الخليفي يشعر بتعمق ازمة الشرعية التي يعاني منها منذ الغاء الوثيقة الوحيدة التي كانت مصدر تلك الشرعية، وبالتالي فقد اصبح حساسا جدا ازاء التشكيك في شرعيته والحديث المتواصل عن احتمالات تلاشيه كنظام سياسي بعد ان فقد مقومات البقاء خصوصا القبول الشعبي. وتعكس الكتابات التي تملأ صفحات الابواق السلطوية يوميا هذا الشعور،كما تؤكده الرسائل الالكترونية التي تبعثها جهات تختفي وراء اسماء وهمية، لايصال رسالة العائلة الحاكمة للرأي العام. وما التهديدات المتواصلة ضد رموز المقاومة في الداخل والخارج الا واحد من مظاهر ازمة الحكم الخليفي وتراجع حظوظه من البقاء. صحيح ان استهداف النشطاء في الداخل والخارج من شأنه التأثير على قدرتهم على التحرك، ولكن هؤلاء النشطاء يتكاثرون وفقا للقوانين الطبيعية، ويتحدون سلطة القمع، ويضيفون الى نصيف المقاومة. انه مسلسل من التوسع الطبيعي الناجم عن عدالة القضية واستقامتها مع القوانين الاجتماعية النافذة في المجتمعات والامم، بعيدا عن المكابرة وتحدي تلك القوانين.
وقد سبق ان طرحت المقاومة مفاهيم الحرية والديمقراطية للتدليل على ضرورة تطوير الاوضاع في المنطقة الى مستوى يليق بشعوبها. وما تزال المقاومة البحرانية تدرك اهمية وضوح تلك المفاهيم، لكي لا يكون هناك سقوط في مستنقع السطحية. وتؤكد المقاومة والمرجعيات الفكرية السياسية امرا جوهريا مفاده ان الديمقراطية ليست الانتخابات الصورية بل ثقافة عميقة تحفظ الانسان من وحل السقوط تحت سياط الاستبداد والقمع. وقد وقفت ضد تحويل الانتخابات الى سلعة تشترى بها ضمائر الناس وتكمم الافواه وتستعمل لاسكات الاحرار بذريعة انها تمثل “ديمقراطية تضاهي اعرق الديمقراطيات في العالم”. فأية ديمقراطية هذه التي تكرس السلطات في يد شخص واحد يتحكم في مصائر البشر؟ اية ديمقراطية تعطي لذلك الشخص سلطة إبادة شعب البلاد الاصلي (سنة وشيعة) خارج اطار القانون؟ ان الانتخابات لا تساوي الديمقراطية، مهما كانت نزاهتها، بل قد تتحول، كما هو الحال في البحرين، الى اداة قمع واستبداد وتقنين لارهاب الدولة. لو كان هناك ديمقراطية لما استطاع المعذبون والجلادون ان يستلموا ارقى المناصب، بينما ضحاياهم يعانون العذاب ويعيشون مع جراحهم الى الابد.الديمقراطية لا تسمح للحاكم باصدار قانون يناقض دستوره الذي فرضه نقسه على البلاد والعباد، ومع القوانين والاعراف الدولية، خصوصا قانون مكافحة التعذيب الذي وقعت عليه حكومته بالقلم وترفض تنفيذه. هناك الآلاف من ضحايا القمع السلطوي والتعذيب، سالت دماؤهم من اجل الكرامة والحرية والحق، وستظل تلك الدماء تلاحق جلاديهم حتى يقتص الله لهم في الدنيا قبل الآخرة. الديمقراطية تعني حكم القانون، فاذا تم تغييب القانون واصبحت قرار الطاغية بديلا له، لم يعد ثمة مجال للحديث عن الديمقراطية أيا كان شكلها. وان الاستمررار في الحديث عن وجود “نظام ديمقراطي” في البحرين برغم بقاء رئيس الوزراء في منصبه قرابة العقود الاربعة وسيطرة رموز العائلة الخليفية المحتلة على ثلثي المناصب الوزارية ادعاء زائف وعدوان على الديمقراطية واستخساف لعقول البشر.
ان الديمقراطية لا تستقيم الا بقانون ينظمها، ويرسم اطرها، وما دام حكم القانون مغيبا، فلا وجود لشيء من ذلك الادعاء. واذا عجز الشعب عن التقنين لنفسه، واستمرت حماية الوزراء والسارقين تحولت البلاد الى سجن كبير يديره المجرمون واعداء الانسانية ومصاصو دماء الشعوب. واذا كان الاحتلال الخليفي قد حقق شيئا من الخداع والتشويش في بداية عهد الحاكم الحالي، وأقنع البعض بما اسماه “مشروعا اصلاحيا” فقد انتهى ذلك الآن، وظهرت الحقيقة واتضح لأهل البحرين خطر الكابوس الخليفي الجاثم على صدورهم. وقد جاء اطلاق سراح السجناء من أبناء كرزكان الشهر الماضي ليؤكد امورا خمسة: اولها بشاعة الوجه الخليفي الذي مارس من التعذيب بحق الابرياء ما يندى له الجبين. ثانيها: ان رفضه التحقيق في جرائم تعذيب هؤلاء الفتية برغم تأكيد قاضي المحكمة الخليفية تعرض البحرانيين للتعذيب على ايدي الخليفيين، يؤكد ازدراء العائلة الخليفية للقوانين المحلية والدولية وعدم ايمانها بمباديء حقوق الانسان. ثالثها: تعمق شعور المواطنين بضرورة مواجهة هذا النظام الذي يصر ليس على حماية المعذبين فحسب، بل يرقيهم ويكافئهم خيرا لما ارتكبوه من تلك الجرائم. رابعها: ان الحراك الشعبي والضغط الدولي هو الذي أرغم هؤلاء الطغاة على التراجع بعد ان ادرك كبار رموزهم ان يد العدالة الدولية سوف تطالهم يوما بعون الله تعالى. خامسها: ان الحراك الشعبي سوف يستمر لتحقيق المطالب العادلة التي في مقدمتها انهاء الاحتلال الخليفي بواحد من امرين: اما ان يغيروا عقليتهم القائمة على اساس الاحتلال، او السقوط الابدي لحكمهم، وذلك ليس مستحيلا وفقا لسنن الله في الخلق.
ان النضال من اجل الحرية والاستقلال مستمر بعون الله ولن يستطيع الخليفيون اطفاء شعلة النور المتقدة في نفوس الاحرار من البحرانيين الاصليين (شيعة وسنة)، وان العمل سوف يتواصل على محورين: داخلي وخارجي. كما ان دماء الشهداء وجراح السجناء سوف تطارد رموز هذا الحكم الارهابي واحدا واحدا، ولن يهدأ لهم بال ما دامت تلك الجراح نازفة.
الديمقراطية الزائفة قد ولى زمانها،والانتخابات التي يفرضها آل خليفة على المواطنين لاختيار نصف اعضاء مجلس الشورى الصوري لا علاقة لها بالديمقراطية ولا تعكس شيئا من التطور، بل تؤكد عقلية الخداع واساليب التضليل والتشويش. اما الاعلام الخليفي الذي تنفق عليه اموال الشعب فقد فشل في تمرير المشروع الخليفي الاستئصالي الذي يهدف للقضاء على اهل البحرين كهوية ومطالب وتطلعات. هذا الفشل هو الذي دفع طغاة الاحتلال الخليفي للامعان في انتهاك حقوق البحرانيين والسعي المتواصل لاستبدالهم بغيرهم من الحثالات والمرتزقة المستوردين من اصقاع العالم. ولكن يد الله فوق ايديهم، ولن يحيق المكر السيء الا بأهله، فهذه سنن الهية، ولن تجد لسنة الله ت بديلا. اننا واثقون بالنصر الالهي للمستضعفين مهما كان طغيان المستكبرين والمتجبرين والطغاة. فطريق الايمان والشهادة والاباء متواصل بعون الله وقوافل الاحرار لن تحيد عن الطريق الذي يؤدي بها الى الحرية والاستقلال واستعادة الاراضي المسلوبة والحقوق المنهوبة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.
حركة احرار البحرين الاسلامية
30 أكتوبر 2009