من يعيد للكلمة قداستها بعد ان وطأها المحتلون؟
عندما تفرغ الكلمة من محتواها يصبح اللغو عنوان الموقف ولغة الخطاب، ويغيب الصدق عن السجال الاجتماعي، وتستبدل أخلاق االاحترام ومنطق الحق بلغة التملق والتقديس للطغاة. فمن يريد اقامة حكم القانون لا يستطعف المستكبرين والديكتاتوريين، ومن يسعى للاصلاح لا يرضى بحكم الفرد واستبداد نظام القبيلة.
من يرفع شعار “الله أكبر” يصغر في عينيه كل متجب، ومن صام شهر رمضان ايمانا واحتسابا، بوعي وبصيرة، لا تستطيع الدنيا ومباهجها ولذائذاها ان تؤثر على حياته ومواقفه. ومن عاش حياته مبدئيا ورساليا لا يستبدل ذلك بمقولات “الواقعية” و “البراجماتية” ويرفض التعايش مع الباطل في اي ظرف وتحت أي مسمى. ومن صمد في غرف التعذيب يفترض فيه ان يصبر على أساليب الاغراء والوعود الكاذبة من معذبيه. وما قيمة حياة الانسان سواء كان مؤمنا رساليا ام مناضلا من اجل الانسانية، اذا أقر عين الطغاة بمسايرتهم واسترضائهم واستعطافهم؟ قال عبد الله بن العباس دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله فقال لي ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها ، فقال عليه السلام : والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا “.
وكما تعلمنا من الأحاديث المقدسة “لا يطاع الله من حيث يعصى”. فلا يجوز للمرء ان يسرق المال ثم يتبرع بجزء منه، فالمال المسروق حرام ولا يتزكى بانفاق جزء منه في اعمال الخير. ومداراة الطغاة وتقديسهم وتبجيلهم والتعايش معهم وحضور موائدهم ممارسات لا تستقيم مع تعليمات أهل البيت عليهم السلام. ومن المخاطر الكبيرة على قيم الامة ومعنوياتها تشجيعها على التطبيع مع المجرمين والقتلة والسفاحين، وهل أبقى آل خليفة شيئا من الاجرام والنهب والسلب والاحتلال لغيرهم؟ لقد أفرغوا الكلمات من محتواها حتى اختلطت الامور، واصبح المناضلون الصامدون في نظر البعض “متطرفين” و “غير واقعيين”، الامر الذي سهل مهمة الظالمين، وخفف من مقاومتهم، فكان ذلك بمثابة التمكين لهم. وما لم تحدث مراجعة شاملة للغة التي تستعمل في الخطاب العام، فسوف تستبدل لغة الكرامة والحرية بلغة الاستسلام والخنوع وشرعنة التعايش مع المجرمين والمحتلين. وما لم يتحرك ذوو العلم والثقافة لاعادة صياغة المواقف الدينية والانسانية من منطلق رفض الظلم والاستسلام للظالمين، على اسس دينية وانسانية وتفكيك لغة الخطاب الرسمي التي اختطفت لغة المعارضين، وبدأت بافراغ مصطلحاتها من محتواها، فسوف تستمر الحالة المزرية التي أدت الى حالة اللامبالاة على نطاق واسع. ان من الخطأ الكبير ازالة الحواجز النفسية والفكرية والثقافية بين الظالمين والمظلومين، والأخطر من ذلك اساليب التطبيع بينهما، وهي اساليب ادت الى اختراقات واسعة النطاق استطاع الاحتلال الخليفي بها تمييع المواقف وسلب ارادة المقاومة، وكسر الحواجز النفسية التي بقيت عقودا من الزمن، حائلا دون تحقيق مآربه. لقد بقي الخليفيون مرفوضين اجتماعيا وثقافيا ودينيا وسياسيا طوال الحقب الماضية، ومن الضروري ان تستمر القطيعة الكاملة مع اولئك الظالمين الذين سحقوا كرامة الانسان ويسعون لاذلال اهل البحرين بعد احتلال اراضيهم وثرواتهم. فمن المسؤول عن حالة التردي النفسي والقيمي هذه؟
فما الفرق بين الاحتلال الخليفي والاحتلال الصهيوني؟ سوى ان الفلسطييين أصروا على تسمية الامور باسمائها ورفضوا التطبيع مع المحتلين، فبقي المصطلح عنوانا للقضية، وفشل الاسرائيليون في تغيير ثقافة المسلمين او النيل من معنى كلمة “الاحتلال”. بينما يرفض البعض وصف الحكم الخليفي بـ “الاحتلال” في الوقت الذي لا يختلف سلوك الخليفيين وسياساتهم تجاه اهل البحرين عما يمارسه الاسرائيليون، ابتداء بالاستيلاء على اراضي الغير بالقوة، مرورا برفض الاعتراف بشعب البحرين، من خلال رفض مشاركته في صياغة دستوره، والسعي الحثيث لاستبداله بشعب آخر مستورد، وصولا الى سياسة الابادة بكافة اشكالها. هذه الابادة تمارس باساليب الاعتقال والتعذيب والاغتيال واستهداف العناصر الفاعلة في الداخل والخارج، وتهدف لتحريف تاريخ البلاد وطمس المعالم التاريخية، الادبية والتراثية والمعمارية، للقضاء على هوية اهل البلاد الاصليين (سنة وشيعة)، وتصل الى التمييز الفاقع على اساس الانتماء المذهبي والعرقي في التعيينات الادارية والسياسية. أليس هذا هو الاحتلال بعقليته واساليبه؟ فلماذا التردد في وصف الحكم الخليفي بالاحتلال؟ وما معنى استمرار الحديث عن “المشروع الاصلاحي” برغم وجود قناعة راسخة واسعة النطاق بان المشروع السياسي الذي فرض على البلاد منذ اعتلاء الحاكم الحالي سدة الحكم بعد وفاة والده قبل عشرة اعوام، انما كان “مشروعا تخريبيا”؟ أين الاصلاح؟ هل استعاد المواطنون حقوقهم؟ هل اصبح البحراني أقدر على ادارة شؤون نفسه وبلده؟ هل اصبح أقدر على تملك المنزل والحصوص على الوظيفة؟ هل أصبح شريكا حقيقيا في صياغة دستوره؟ هل أصبحت حقوقه متساوية مع حقوق المستوطنين والمجنسين؟
ويتواصل مسلسل التشويش والتضليل الخليفي في غياب مشاريع التوعية، وسيادة منطق الاستسلام والمسايرة. فيجد الطاغية نفسه قادرا على الاستمرار في اطلاق الكلمات الجوفاء، طالما كان هناك من يروجها. فيردد في تصريح بمناسبة اليوم العالمي للسلام عبارات جوفاء لا يصدقها الا المرتزقة والمستفيون والانتهازيون مثل “التدرج في المسيرة الاصلاحية” و “وترسيخ أسس ومقومات الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات ونبذ روح الكراهية والعنصرية بكافة أشكالها”. فمن الذي يغرس مشاعر الكراهية ضد اهل البحرين الاصليين (سنة وشيعة)؟ ومن الذي روج الاحتقان الطائفي بسياسات التمييز التهميش؟ من الذي يصر على استثناء غالبية المواطنين من العمل في وزارات محددة؟ من الذي يقوم بترقية المعذبين والجلادين ويتجاهل حقوق ضحاياهم؟ من الذي يصدر القوانين بشكل متواصل عبر مجالسه الصورية، لقمع السكان الاصليين؟ من الذي يواصل نهج الاحتلال بسياسات التوطين والتجنيس السياسي التي لم تتوقف منذ ان قرر فرضها على البحرين؟ في مملكة الصمت الخليفية لم يعد هناك قداسة للكلمة، بعد ان سقطت تحت اقدام الغزو والاحتلال والنهب والسلب. في مملكة الصمت قتلت الكلمة، كما قتل الشباب والنساء، وانتهكت انسانية المواطنين، كما اغتصبت الارض والسواحل. فها نحن نعيش، بوعي او بدونه، تحت رحمة الجلادين والقتلة والسفاحين واللصوص والانتهازيين، ألم يحن الوقت لنهضة جادة وصحوة بعد الغفلة الطويلة؟ أليس من واجب العلماء اعادة الروح الى حديث رسول الله: “ان من اعظم الجهاد عند الله كلمة حق امام سلطان جائر”؟
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
25 سبتمبر 2009