كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا
لو خرج الصائمون من شهر رمضان مؤمنين عمليا بهذا المبدأ وحده لكان ذلك حصيلة إيمانية رائعة. فأيا كان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام يمثل لك، إماما أم خليفة، أم عبدا صالحا من عباد الله، فان توجيهه هذا لابنيه الحسن وا لحسين عليهما السلام، وهو يحتضر على فراش الشهادة، يلخص الصراع الدائم بين الظالمين والمظلومين. انه صراع يتجاوز الزمان والمكان، ويفرض نفسه على الاجيال.
فمن اهتدى لتوجيه علي بين أبي طالب، أول الناس إسلاما، والمؤمن برسالات السماء، وفق هذا المبدأ، لا يحق له ان يكون محايدا في هذا الصراع، بل هو طرف مباشر فيه، يقف فيه بقوة وارادة وتصميم بجانب المظلوم في مواجهة الظالم. ولنتصور وضع المسلمين والبشرية لو عملت الأغلبية بهذا المبدأ، هل سيكون للظلم موطيء قدم في المجتمعات والامم؟ لو عرف الظالم ان الامة ستواجهه عندما يرتكب جريمة الظلم بحق المواطنين لربما كان ذلك كافيا لردعه. فالطغاة انما يستأسدون بصمت الأغلبية وتقاعس الرموز السياسية والدينية، وقدرتهم على استمالة البعض اليهم بعناوين شتى، ليصبح اولئاك شركاء في الظلم. وحيث ان الاسلام جاء أساسا بهدف إقامة العدل على الارض (من خلال تحرير الانسان من عبادة العباد وتوجيهه لعبادة رب العباد) فقد تواترت التوجيهات الدينية لمحاربة الظلم بكافة الوسائل المتاحة. والامام علي، وهو حامل الرسالة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من أشد أعداء الظلم، ولذلك عندما سعى لممارسة العدل بين الولاة والرعية، عارضه طلاب المناصب والوجاهات ودعاة العصبيات الجاهلية وذوي العقليات القبلية، وشنوا الحروب ضده. فكيف يساوي بين الغني والفقير؟ وكيف يوجه عماله على الأمصار للاهتمام بالعامة، وعدم التفريط بهم من اجل كسب رضا الخاصة، واغلبهم من الجشعين والطامعين في المال والجاه والمنصب؟
الظلم عنوان خطايا هذا العالم، وما اوضح هذا الظلم في بلدنا الصغير الذي ابتلي منذ عشرات السنين بنظام حكم قائم في أساسه على الظلم والاجحاف واللنهب! وهل ظلم أكبر من هيمنة عقلية الاحتلال التي تمارس كافة أشكال التمييز بحق سكان الارض الاصليين (سنة وشيعة) وتكرس السلطة بأيدي حفنة من أحفاد المحتلين والقراصنة والمستوطنين؟ هل ظلم أكبر من ان يكبل أسود البلاد بالسلاسل والاصفاد في السجون الخليفية، حتى ان بعض البحرانيين المتهمين ظلما بقتل مرتزق يقادون من زنزانات التعذيب الى المحاكم التي يتربع عليها المجرمون وهم مقيدون بالسلاسل؟ هل ثمة ظلم أشد من التمييز على اساس الانتماء المذهبي، فتحرم الاغلبية من الوظائف في قطاعات عديدة محصورة على العصابة الخليفية وعملائها؟ وهل هناك ظلم أشد من حرمان اهل البلاد الاصليين (سنة وشيعة) من حق تملك الارض والسكن، وتوزيع الاراضي المستصلحة من البحر على المستوطنين والعملاء؟ أوليس ظلما واضحا ان تسند اكثر من صف الحقائب الوزارية لأفراد العائلة الخليفية المحتلة؟ أليس من الظلم الشديد استمرار ارتهان الشباب وحرمان امهاتهم من الاستمتاع بصحبة فذات أكبادهن في هذا الشهر الكريم، لا لشيء الا لان المعذبين قرروا تركيع احرار البلاد لمنعهم من التفكير في تحرير بلادهم من هذا الاحتلال الخليفي الغاشم؟ أليس من الظلم هذا الصمت الرهيب على هذه الجريمة، والانشغال بموائد الافطار الباذخة والغبقات فيما يقبع شبابنا في سجون الظالمين؟
أين توجيهات علي؟ ماذا تعني كلماته التي لا تحتاج لجهد كبير لتفسيرها لانها لا تحتوي على طلاسم او الغاز؟ ماذا يعني الامام عندما يطلب من الحسن والحسين (وهما إمامان لا يحتاجان لتوجيه، بل الخطاب موجه لكافة المسلمين) بان يكونا خصما للظالم وعونا للمظلوم؟ وبالتحدي ماذا تعني الخصومة للظالم؟ ألا تعني مقاطعته جملة وتفصيلا؟ ألا تعني عدم ارتباد مجالسه وعدم الاستجابة لحضور موائده التي ينفق عليها من المال الحرام لانه مختلس من حقوق الفقراء والمحرومين؟ فاذا كان كلام الامام علي عليه السلام غامضا، ألا يوضحه كلام الامام الصادق عليه السلام في الرواية التالية: (كتب المنصور إلى الصادق (ع) : لمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟.. فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنّئك ، ولا تراها نقمة فنعزّيك بها ، فما نصنع عندك ؟!.. فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا .. فأجابه : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك ، فقال المنصور : والله لقد ميّز عندي منازل الناس ، مَن يريد الدنيا ممن يريد الآخرة ، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا). هل يحق لنا ان كنا نسير على خط علي والصادق عليهما السلام ان تخالف الثقافة التي بذلا جهديهما لترويجها بين المؤمنين؟ هل يعتقد أحد ان مجاملة هؤلاء الظالمين والطغاة سوف تصلح سلوكهم وتغير نهج الظلم لديهم؟ وماذا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ان من أعظم الجهاد عند الله كلمة حق أمام سلطان جائر؟” وهل هناك كلمة حق أهم في هذه المرحلة من مطالب الشعب العادلة وفي مقدمتها اطلاق سراح الرهائن الذين اختطفهم القتلة الخليفيون واحتفظوا بهم لمساومة الشعب والأحرار على مواقفهم إزاء حكمهم الظالم؟ أليست المجاملة هي التي تشجع هؤلاء القتلة على الامعان في ظلم المواطنين والسعي المتواصل لإذلال رموزهم الدينية والسياسية؟ والا فما معنى الحوادث التي وقعت قبل يومين بمطار البحرين لدى عودة بعض أعضاء مجلس الشورى الخليفي من العراق؟ أهو تكريم لمن قرر مجاملة النظام ام إهانة لهم؟ وكيف نفهم اعتداء مجرم خليفي على السيد فاضل عباس، عضو المجلس البلدي؟ أليس ذلك إمعنا في الإذلال والعدوان؟ وماذا يعني قرار رأس العصابة الخليفية عندما طلب من كبار العلماء العودة لشخص ثانوي للتحاور حول القضايا الدينية ولمجلس الشورى لمناقشة جريمة الإبادة والتجنيس؟ هل أصبح حالنا مصداقا لقول الشاعر:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
ونحن نعيش الثلث المتبقي من شهر رمضان المبارك، انها لفرصة مناسبة لاعادة النظر في مواقفنا جميعا، وهي مواقف يجب ان تكون مصداقا للآية الكريمة التي تصف المؤمنين السائرين على خط محمد بن عبد الله (ص) بانهم “أشداء على الكفار رحماء بينهم”، اننا مطالبون بمساءلة النفس مجددا لتقوية ايمانها بخط الايمان ومنازلة الطغاة والظالمين لا هوادة. هذه رسالة رمضانية اخرى، لنستوعبها جميعا، ولنتذكر بطل شهر الصوم، علي بن أبي طالب عليه السلام، ووصيته للمؤمنين، فلنكن للظالم خصما، وللمظلوم عونا.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
11 سبتمبر 2009