اللهم اجعلنا “بدريين”، وأبعدنا عن مواقف بعض “الأحديين”
من المسؤول عن تخدير الشعب؟ ومن الذي يسعى لتطبيع علاقات اهل البحرين بالمحتلين والظالمين بأبخس الاثمان؟ ومن الذي سلب من شعبنا الذي اعتاد مقارعة الطغاة عقودا إرادة الصمود والتحدي؟ وما قيمة اي شعب او امة اذا فقدت إرادة التصدي للظلم والاحتلال والاستبداد والديكتاتورية؟ في هذه الايام الرمضانية، مطلوب منا جميعا أداء فريضة الصوم بكامل شروطها، وليس مقبولا ان نحقق أدنى درجات الأداء.
فصوم العامة قد يكون مجزيا ولكنه لا يؤدي الى تغير في الحال. والمطلوب من الصوم، كما من سائر العبادات، ان تكون وسائل تغييرية، لكي يتخلص الافراد والجماعات من آفات الانحراف والضعف امام مغريات الشيطان “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فليمسح بها سبلته”. هذا الترابط بين العبادة والممارسة الحياتية ليس محصورا على الصلاة فحسب، بل ان كافة العبادات انما هي وسائل لتحرير الانسان من كل ما يشده الى الارض ويعوق حركته نحو التكامل والحرية. فما عقيدة التوحيد الا السلم الذي يصعد المرء عليه الى أعلى عليين، بانعتاقه من شهوات الدنيا، والعبودية لغير الله سبحانه وتعالى. هناك اذن رسالة من الصائمين الى الطغاة: اننا لا نخشى التجويع، ولا نرضى بالاذلال او الاستعباد، فعبوديتنا لله وحده، ولن تستطيع ايها الطاغية ان تفرض مشروعك التخريبي علينا. رسالة الصلاة لا تختلف عن ذلك، فالمصلي الذي يرفع يديه أزاء أذنية مكبرا انما يعلن موقفا شريفا يقول: لا شيء أكبر من الله، ولن يستطيع متجبر ان يستعبدني بعد اليوم لان عبوديتي لله سبحانه أعتقتني من العبودية لغيره. ومن يمتنع عن الأكل والشرب امتثالا لأوامر الله سبحانه، قادر على ان يتحمل أذى الجوع والعطش اذا كانا ثمنا لحريته وانعتاقه من مسايرة الطغاة.
ان الحاكم الذي يمارس كافة المنكرات لا يستحق مصافحة من مؤمن امتحن الله قلبه للايمان. فمن يسوم المؤمنين العذاب، ويسوقهم الى غرف التعذيب، ويغيب شباب كرزكان والمعامير في غياهب السجون خلال هذه الايام المباركة، لهو مجرم من الدرجة الاولى، يستحق المثول امام المحاكم الدولية كمجرم ضد الانسانية. وان حاكما يسلط الاجانب على أبناء البلاد الاصليين (سنة وشيعة) لهو محتل آثم لا يليق بالاحرار تطبيع العلاقات معه بأية ذريعة. وان مسؤولا يصافح الصهاينة، ويحث الحكام الآخرين على الاحتذاء به، ويستسخف عقول المواطنين عندما يبعث رسله لمقابلة المسؤولين الصهاينة في خطوة تطبيعية فاضحة مدعيا انهم “في مهمة انسانية” يفترض ان تقوم بها المنظمات الدولية وفي مقدمتها الصليب الاحمر الدولي. ان الحاكم الذي يستورد شعبا آخر ليحله محل الشعب الاصلي لهو متفوق على اقرانه في الاجرام لان القليلين من الحكام هم الذين ينتهجون سياسة كهذه. وليس هناك مبرر قانوني او أخلاقي لمضايقة اهل البلاد في معيشتهم بهذه السياسة الا اذا كان حاقدا على المواطنين مستهدفا القضاء على وجودهم. ان أضعف الايمان يقتضي العبوس بوجه طاغية كهذا، لتكون رسالة قلبية تعبر عن السخط ازاء سياساته الاجرامية. وان حاكما ينفق اموال الشعب لدفن المساحات البحرية ويقدم الوعود في البداية بتوزيع الاراضي المستصلحة على المواطنين، ثم ينهب تلك الاراض ويحولها الى ملك شخصي او يعطي جزءا منها للمقربين اليه، او يستورد لها الاجانب لتذويب هوية المنطقة والقضاء عليها، لهو يمارس ابادة ثقافية من نوع قلما يمارسه حاكم آخر. وان حاكما يحارب أهل البلاد الاصليين (سنة وشيعة) بازاحتهم عن السواحل وإبعادهم عن البحر الذي ورثوا مهنة ركوبه عن آبائهم وأجدادهم، لهو طاغية يهدف لاقتلاع المواطنين من جذورهم ويمعن في التنكيل بهم بدون رأفة او انسانية.
نعيش أياما سوداء كالحة في ظل هذا الحكم الأسود الذي حول أيام شعبنا الى مآتم، فكم من الأمهات محرومات من فلذات أكبادهن في هذه الايام الرمضانية الفاضلة لان اولئك الابناء رفضوا إقرار العبيد للحكم اليزيدي المقيت؟ وكم من هؤلاء الامهات يعشن حالة الفجيعة في كل مرة يزرن أبناءهن ويسمعن بعض قصص التنكيل الذي حل بهم، وبعضها يتحدث عن اعتداءات جنسية وكي بالمكاوي وصعق بالكهرباء وتمزيق للاوصال باستعمال الفلقة؟ وفوق ذلك: ما أكثر الذين تتقطع قلوبهم وهم يقرأون في وسائل أعلام الاحتلال الخليفي انباء تنصيب كبار المعذبين والقتلة في مواقع متقدمة بدلا من إخضاعهم للتحقيق في ما ارتكبوه من الجرائم ضد الانسانية بحق المواطنين؟ كم حاكم آخر أصدر مرسوما يحمي المعذبين علنا وبصلافة غير محدودة؟ وكم من الحاكمين العرب، برغم سوئهم، بلغ سوء معاملته لمواطنيه، سواء في توزيع ا لمال العام او الاراضي او الوظائف، ما بلغته معاملة الخليفيين لأهل البحرين؟ وكم حاكم عربي آخر استقدم خبرات القمع الصهيونية لمساعدته على قمع مواطنيه لانهم يرفضون إقرار الاحتلال وعقليته المدمرة وسياساته التي تمارس الإبادى بشكل منهجي بوقاحة وصلافة واستهجان للقيم والاخلاق؟
أيحق لنا ان نسكت على جرائم هؤلاء بعد اليوم؟ هل من المنطقي ان نطبع العلاقات معهم ونحن نعلم ان ذلك التطبيع مخالف للقيم والاخلاق والحقوق؟ ان اية كلمة ايجابية تنطلق لتبجيل اي من هؤلاء الطغاة المجرمين وتعظيمه لهي كلمة لا ترضي الله ورسوله ولا تقبلها الامهات الثاكلات. فلنتق الله ونحن صائمون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً). ولقد أمرنا أئمة أهل البيت عليهم السلام ان “لا نقار على كظة ظالم ولا سغب مظلوم“. وعلمنا اولئك العظماء دروسا في الدبلوماسية المبدئية التي مارسوها مع طغاة عصورهم، ومنها ان “الساكت عن الحق شيطان آخرس” و “إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله”، وعلمنا الامام زين العابدين (ع) ان مقايضة الموقف معهم خاسرة “فما أقل ما اعطوك في قدر ما اخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك، في جنب ما خربوا عليك”. وقال الصادق (ع): “لا تعنهم على بناء مسجد» . ودخل عليه رجل فقال: جعلت فداك إنّه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟ قال: ما أحب انّي عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءاً وأن لي ما بين لابيتها ولا مدة بقلم، إن اعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه بين العباد». وقال الامام الكاظم الذي قضى في السجن 14 عاما لأحد أصحابه: “يا صفوان كل شيء منك حسن ما خلا واحداً. قال: ما هو؟ قال: كراؤك جمالك من هذا الرجل. قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا لصيد ولا للهو ولكن أكريته لطريق مكة ولا أتولاه بنفسي ولكن يتولاه غلماني. فقال الإمام: أيقع كراؤك عليهم؟ قال: نعم. قال: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قال: نعم. قال: من أحب بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم فإن وروده إلى النار. هذه بعض دروس أئمة أهل البيت عليهم السلام في التعامل مع حكام الجور، الذين يمثل آل خليفة أبشع أشكالهم. ألم يحن الوقت للقطيعة معهم ولو بالقلب؟ ان لم نفعل ذلك فلن نستحق النصر الالهي الذي وعده الله للمؤمنين الصابرين المتحسبين. ونحن نستذكر غزوة بدر الكبرى هذه الايام، لماذا لا نكون بدريين فنهزم العدو برغم قلة العدد والعدة؟ ولنحذر ان نكون أحديين، فنتهافت على الغنائم الدنيوية فنسقط في أحضان العدو.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الاسلامية
4 سبتمبر 2009