إرادة الفعل حين تغيب، يتمادى الطغاة وتضيع الاوطان
ثمة ظاهرة مقلقة تتعمق تدريجيا وتؤثر على مستقبل الحراك السياسي في البلاد والقدرة على تحقيق التغيير المنشود. تتمثل هذه الظاهرة بالسلبية المهيمنة على الكثيرين وعزوفهم عن الاهتمام بالشأن العام، والتخلي عن دورهم في الصراع مع قوى الاستبداد والظلم والباطل. ومن خلال استقراء حالة الحراك العام، لم يعد خفيا تعمق ظاهرة اللامبالاة في مقابل ما يجري، والابتعاد التدريجي عن ساحة المواجهة. وثمة مصاديق عديدة لهذه الظاهرة.
وثمة مصاديق عديدة لهذه الظاهرة، اولها: عدم وجود اختلاف حول ظلم النظام وطبيعته بين كافة الشرائح والقطاعات الاجتماعية، اذ يندر وجود من لا يعتقد بان النظام الخليفي جائر وظالم ومتخلف وا ستبدادي. ثانيها: ان هذه القناعة لا تنعكس إطلاقا على نمط حياة الأغلبية الساحفة، فقد تكرست ظاهرة الانزواء السلبي عن الاوضاع، وتحول الكثيرون الى متلقين في أحسن الاحوال، ورافضين الخوض في الشأن العام في اغلبها. فلم يعد غريبا ان يكون رد فعل الشباب الذين يتوقع منهم دور طليعي رسالي عندما تتحدث اليه حول الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد في ظل الاحتلال الخليفي الاكتفاء بالقول: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. واصبح مألوفا ان يكون التأفف مما يجري واردا على ألسنة الكثيرين بدون ان تكون هناك ارادة للانخراط في عمل ما بهدف الاصلاح وتغيير الاوضاع. وما أكثر الهامشيين الذين يكتفون بالتفرج من بعد على ما يجري في ساحة الصراع، وكأنهم غير معنيين به، فهم “حياديون” في صراع الحق والباطل، يعيشون بدون موقف او انحياز الى فئة او انتماء لصف او ارتباط بقضية. في معترك الصراع يصبح هذا “الحياد” خيانة للمبدأ وتنكرا للحق ونكوصا على العقب وردة عن المبدأ. فمن يرضى ان يكون مصيره في هذه الخانة؟
ان غياب ارادة الفعل أسوأ ما تصاب به الشعوب والامم، لان ذلك يعني عدم امكان تغيير الوضع، لان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ولا يتعملق الطغاة الا بصمت الأحرار، ولا يستقر حكم الظالمين الا عندما تغيب ارادة المقاومة لدى مناوئيه. غياب الارادة هذا يحدث عندما يفقد الأمل بامكان التغيير. والقيادة هي التي تصنع الأمل لدى الأتباع، فاذا كانت مصممة على صناعة النصر فلن تقف قوة بوجهها طالما كانت أهدافها واضحة وواقعية ومنطقية. واذا كانت خائرة الإرادة ولا تعتقد بامكان التغيير بدأ العد التنازلي للهزيمة. والهرائم هنا تبدأ بفقدان الارادة والأمل والفعل، اذ يؤدي ذلك الى التخبط وفقدان القدرة على التخطيط وتلمس الطريق. والهزيمة النفسية اولى الخطوات للهزيمة المادية. فاذا كان قائد الجيش مرعوبا من العدو ولا يعتقد بامكان الانتصار فلن يحقق النصر لان ذلك يحتاج عزائم تفل الحديد. يحدث ذلك عندما يكون الحساب المادي هو الفيصل، بعيدا عن المنطلقات العقيدية المؤسسة على الايمان وشرعية الحق وعدالة الهدف والغاية. فلا بد ان يكون القائد مستعدا للتضحية والفداء، وموقنا بعدالة موقفه ومن معه، ومؤمنا بقداسة الهدف الذي يسعى من اجله. اما اذا بدأ بحسابات الربح والخسارة من منطلقات مادية، واصبح بعبع الخسارة يهيمن على كيانه فقد بدأ المشوار نحو الهزيمة النفسية ابتداء والمادية انتهاء. ان هيبة الباطل والظلم والاستبداد ضعيفة الا في نفوس ضعاف النفوس الذين يعينون العدو على انفسهم بالجزع والخوف، وان صولة الحق منتصرة ولو بعد حين، ومن ينطلق من القرآن الكريم يتعمق في نفسه حتمية انتصار الحق على الباطل “بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون“.
إرادة الفعل لا تغيب عن الأمة، ولكنها تغيب اما لظروف قاهرة، او بالتضعيف المتعمد من قبل الحكم الطاغي والاستبداد المهيمن، او بالتضليل المقصود بعيدا عن المباديء وقيمها. ويدرك الجلادون ان اهم ما يواجههم من طرف شعوبهم الارادة الحديدية لدى قادتها. فلقد خاض ذوو النفوس الكبيرة والهمم العالية غمار الحروب وهم قلة مستضعفة، فاذا بها قادرة على صنع المعجزات وتحقيق ما ليس في الحسبان. لم يكن أسامة بن زيد الذي سلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيادة الجيش الا شابا يافعا لم يتجاوز عمره السادسة عشرة، ولكن عزمه وارادته وهمته حولت جيش المسلمين الى قوة قادرة على هزيمة أعتى الجيوش وأكثرها خبرة ومكرا. وما كان غاندي يملك من القوة المادية ما يوازي ما يملكه اعداؤه، ولكنه انطلق على درب النضال السلمي بخطى وطيدة حتى تحقق على يديه النصر لأمته وهزيمة اعدائها. ولم تكن لدى الامام الخميني من اسلحة فتاكة وهو يواجه نظام الشاه، بل رفع شعار ا لتكبير سلاحا بوجه الاعداء فاذا هم صاغرون. وهكذا فعل الشهيد الصدر الذي انتصر على جلاديه وبقيت روحه ترفرف على رؤوس مريديه واتباعه، ربع قرن حتى كتب الله لها النصر ولعدوها الهزيمة. ولم يكن الامام الخميني يمتلك من اسباب القوة المادية ما يؤهله لتحدي آلات الموت ا لشاهنشاهية، ولكن الصدق مع النفس وعمق قوة الشعور بالقوة والاستعلاء، جعل من قوته المادية المحدودة طوفانا اقتلع نظام الشاه ورماه في مزبلة التاريخ. ولم يكن نيلسون مانديلا الذي قضى في سجنه 27 عاما يملك من القوة المادية ما يضاهي قوة النظام العنصري، ومع ذلك لم يتزحزح عن موقفه شعرة واحدة، فكان النصر حليفه وشعبه.
الطغاة يراهنون على اضعاف مناوئيهم، ويسعون لضرب ارادة طلائعهم. وما يحدث في البحرين من اختطافات متواصلة أعقبت الاعتقالات التعسفية، الا محاولة لكسر شوكة الصامدين واضعاف ارادة الجيل الحر الصاعد، بهدف كسر معنوياته كخطوة اولى من اجل سحقه وهزيمته المادية النهائية. فالاشخاص الذين اختطفوا على ايدي فرق الموت الخليفية كانت تهدف لكسر ارادة اولئك الابطال، بعد ان اصبح التعرض بالتعذيب المتواصل للسجناء امرا مكلفا جدا. كان الهدف اخماد الاصوات لتتحقق كافة مستلزمات “مملكة الصمت الخليفية”. وتواصلت اهداف ارهاب الدولة الخليفية لتشمل إسكات الاصوات المعارضة في الخارج، ولكن هيهات يتحقق لهم ما يريدون. فلم يسجل التاريخ انتصار الطغاة على الاحرار، او هزيمة ذوي الحقوق المشروعة عندما يحتفظون بحيوية مبادئهم وعدالة قيمهم. لكنه يسجل هزيمة الطغاة وانتهاءهم، ولذلك فقد تمخض الوضع عن حقائق جديدة في مقدمتها التمرد على حالة اليأس والقنوط والاستسلام، نهيب بالطلائع المباركة الاحتفاظ بالحيوية والصمود، والتخلي عن روح اليأس واللامبالاة. فال يحق للاحرار ان يقفوا على هامش الصراع، وهم الذين يرفعون شعاراتهم الخالدة وفي مقدمتها “هيهات منا الذلة”. فليكن العطاء والصمود والأمل العناوين العريضة التي ينطلق بها الاحرار لخوض غمار الحرب ضد الظلم والاستبداد والنهب والاحتلال، ولتكن الإرادات الحرة سيفا مشرعا ضد الطغيان الخليفي المارق، فذلك هو طريق الاحرار من أبناء اوال.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
7 اغسطس 2009