لنعد الى ابجديات الدين، ان طمعنا في نصر الله
لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، او ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعو خياركم، فلا يستجاب لهم
قد يعتقد الكثيرون انهم ينفذون هذا الامر النبوي المقدس، غير ان الواقع يقول ان المنكر ازداد في السنوات الاخيرة وتوقف العمل الحقيقي لمواجهته والتصدي له. وثمة توجيهات واضحة طرحها الاسلام اما بالنص القرآني او بأحاديث النبي وأهل بيته عليهم السلام، لتنظيم ممارسة التصدي للمنكر، ومنها:
لا يطاع الله من حيث يعصى، لا اجتهاد في مقابل النص، من افضل الجهاد عند الله كلمة حق امام سلطان جائر، من اراد الدنيا لا ينصحك (الحاكم الظالم) ومن اراد الآخرة لا يصحبك، وغيرها، وجميعها يهدف الى امر جوهري يمثل موضع الاختلاف بين فكرين: فكر الاجتهاد القائم على اساس تحديد المصلحة (وهي امر نسبي وشخصي وغير يقيني) وفكر آخر منوط بتطبيق الحكم الشرعي بدون اجتهادات شخصية او الدخول في متاهات علل التشريع. والحديث المذكور في مدخل البيان يؤكد حقيقة مهمة اصبح الجميع يرى صحتها. وهي انه ما لم يمارس المؤمنون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فستكون النتيجة هي تسليط الاشرار عليهم. انه قانون الهي نافذ لا يستطيع احد تجميد فعله. ويشرح حديث آخر أساليب تغيير المنكر محصورة بأساليب ثلاثة، باليد او اللسان او القلب. ويمثل النوع الاخير أضعف الايمان. وبرغم هذه المرتبة، فان هذا الاسلوب كفيل بتحقيق قدر من المصلحة. ويكمن الخطر الاكبر في التعايش مع المنكر، وضمن أطره ودساتيره وقوانينه، بذرائع يقدمها الانسان ضمن عملية اجتهاد ظني، في مقابل النص الديني اليقيني. وفي هذه الحالة تتحقق النتيجة التي يتنبأ الحديث النبوي بها، وهي تسليط الاشرار على الاخيار، وحجب الدعاء عن الوصول الى الباريء عز وجل.
من كان يعتقد يوما ان البحرين سوف تتحول الى حكم استبدادي مطلق يمارس مسخ هوية البلاد وشعبها وتاريخها وهويتها بالشكل الذي يحدث؟ من كان يعتقد ان يوما سوف يأتي يصبح فيه المعذبون هم اصحاب القرار والممثلون الدبلوماسيون للبلد العريق الذي أنجب الفكر والعلماء عبر التاريخ؟ من كان يعتقد ان الطرح الديني سيتحول الى علمنة مطلقة تقتصر في أهدافها على حصر دور الدين بالاحوال المدنية بعيدا عن السياسة والاقتصاد وبقية نواحي الحياة؟ من كان يظن ان يوما سوف يأتي على البحرين يصبح فيه الجلاد عادل فليفل “نائبا” يشرع لشعب البحرين ويمثله في المحافل البرلمانية الدولية؟ من كان يتوقع ان يكون أول من يطرح رمزا للنظام الخليفي في حوار مع الجمهور ضمن ما سمي مشروع المدونة الالكترونية هو البندري المقيت، احمد عطية الله آل خليفة؟ من كان يعتقد ان المعذب المحترف سابقا، ثم رئيس جهاز التعذيب لاحقا، عبد العزيز عطية الله آل خليفة، سوف يصبح “مستشارا” للحاكم، يقضي وقته مسافرا على العواصم الاوروبية للترويح عن النفس بدون خشية من قانون او عقوبة لما اقترفت يداه؟ من كان يتوقع ان يصبح رئيس جهاز التعذيب الخليفي الذي جاء بعد الجلاد عطية الله سوف يصبح “سفيرا” في لندن، وهو الذي تلطخت يداه بدماء البحرانيين وأمر كلابه بنهش أجسادهم في الاعتصامات والمسيرات وفي الزنزانات؟ من كان يعتقد ان “السفير” الخليفي في لندن سوف يمسك بزمام جهاز التعذيب الخليفي متفلسفا، وممارسا التعذيب بحق عشرات البحرانيين خصوصا الذين وجه لهم ظلما وزورا تهمة التدرب بمنطقة الحجيرة السورية؟ من كان يظن ان العائلة الخليفية المجرمة ستبلغ بها الوقاحة الى الحد الذي لا تتردد فيه عن ارسال رسائل الكترونية عن طريق مرتزقتها يشتمون فيها مذهب الغالبية القصوى من اهل البحرين، ويصفون المعذبين بـ “السادة”؟
ما الذي أوصل البلاد الى هذا المستوى حيث الاستكبار الطاغوتي يفرض هيمنته على البلاد، ضاربا بمقدستها عرض الحائط، ومستهدفا علماءها بالتسقيط المتواصل والسب وا لشتم من داخل اروقة مجلس الشورى الصوري، على ألسنة “سعادة النائب المحترم”؟ فما الذي شجع هذا القن على التعدي على العلماء الا حالة التطبيع غير المبرر مع الحكم الخليفي وفق شروطه، بعد التخلي عن الثوابت الوطنية وفي مقدمتها الدستور العقدي الذي يعترف بشراكة البحرانيين في القرار السياسي؟ كان البعض يتوقع ان يعقب كل وجبة من الشتائم لكبار علماء الدين من داخل ما اصطلحوا على تسميته زورا بـ “البرلمان” انسحاب ولو مؤقت من جلساته العقيمة احتجاجا على الكلام الساقط من هؤلاء التافهين، ولكن ذلك لم يحدث. في هذا الخضم الذي سقطت فيه القيم والاخلاق، وبعد الملاحم الكبرى التي بدأت بمساومات للاتفاق على نوع سيارات “النواب” التي تنهب قيمتها من اموال الشعب المحروم، وانتهت بملحمة أخرى حول “تقاعد النواب”، فكأن الحروب التي خاضها شعب البحرين على مدى ثمانية عقود متواصلة قامت من أجل إيصال بضعة نفر الى عضوية مجالس صورية كرست الضرر بشكل غير مسبوق، وحولت البلاد الى جحيم يزداد لهيبها يوما بعد آخر. انها شراكة ليست في السياسة وصنع القرار وكتابة الدستور، بل في الفساد والنهب وسلب اموال الجياع. والأنكى من ذلك ان يقال ان الشراكة في الفساد تحظى بغطاء شرعي، بينما الجهاد ضد الطغاة والظالمين والمحتلين يحتاج الى ذلك. وها هو التنازع على المناصب والوجاهات الوهمية بعضوية المجالس الخليفية العام المقبل، قد بدأ على أشده، وبدأت طواحين الطمع والجشع وحب المال والدنيا تدور بدون توقف. أهذا هو الدين الذي ضحى من اجله الشهداء الذين ساروا على خطى علي والحسين وأبي ذر؟
امام هذه الحقائق، أليس أمرا متوقعا ان يصل الامر الى ما وصل اليه؟ وهل عقاب أشد علينا من ان يسلط الله علينا الاشرار والفاسدون والمعذبون والقتلة والسبابون والشتامون والعملاء؟ ان آخر هذه الامة لن يصلح الا بما صلح به أولها، فالجهاد ذروة الدين وسنامه، به قصم الله الجبارين والظالمين، وأهلك المفسدين، وانتقم للمظلومين، وبمقارعة حكام الجور يستقيم الامر ويعلو الدين وترتفع راية الحق، وبمسايرتهم يذل الاسلام وتنكس رايته، ويتسلق المتسلقون ويحمى المجرمون والمعذبون والقتلة والسفاحون. أليس هذا ما يجري في بلدنا اليوم؟ ألم يحن الوقت للضمير لكي يصحو من غفلته بعد السبات العميق؟ ألم تكف تجربة السنوات الثلاث الماضية للحكم على فشل تجربة المسايرة التي كرست الظلم والجور وعمقت الضرر وقوت شوكة الخليفيين الظالمين؟ ولكن أمام هذا الواقع ما زال هناك مشروع المقاومة والممانعة الذي لا بد له أن ينمو ويقوى في وجه الظلم والإستكبار وبه وليس بغيره سيتحقق النصر والعزة لهذا الشعب بإذن الله.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.
حركة احرار البحرين الاسلامية
17 يوليو 2009