معا لمطاردة المعذبين انطلاق من اليوم العالمي لمناهضة التعذيب
فيما يحيي العالم اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، يتساءل الآلاف من ضحاياه في البحرين عما اذا كان لهذا الإحياء من أثر عملي لوقف ممارسته ومعاقبة مرتكبيه، ومحاصرة الانظمة التي تمارسه. سبعة آلاف حالة تم توثيقها في هذا البلد الصغير، وفق ما قاله الاستاذ عبد الغني خنجر، رئيس اللجنة الوطنية لضحايا التعذيب، قائلا ان هذا الرقم أقل من العدد الحقيقي للضحايا.
ان ما تقوم به هذه اللجنة يستحق التقدير والدعم لانه جزء أساس في مشروع الاصلاح المطلوب تأسيسه على احترام حقوق المواطن وحرمة التعذيب ومقاضاة الجلادين. وقد صمدت اللجنة حتى الآن امام محاولات الاحتواء والاغراء والوعود الزائفة التي يمارسه الاحتلال الخليفي المقيت بهدف تمييع مواقفها ومنعها من مطاردة المعذبين والقتلة خصوصا من رموز العائلة الخليفية. وفي هذه المناسبة نود القاء الضوء على عدد من الامور:
اولا: ان التعذيب جريمة تحط بالكرامة الانسانية لان هدف المعذب “سلب إرادة الضحية” ومن ثم إجباره على الادلاء بما يريد من الاعترافات او التوقيع على ما لديه من افادات معدة سلفا. وقد اعتبر القانون الدولي هذه الممارسة “جريمة ضد الانسانية”، ودعى الى مطاردة مرتكبيها اينما حلوا. وبرغم الاحباطات التي اصيب بها نشطاء حقوق الانسان الذين سعوا لاعتقال المعذبين مثل بينوشيه، رئيس تشيلي السابق، وإيان هندرسون، مهندس التعذيب في البحرين، الا ان الأمل ما زال يحدوهم بامكان معاقبة هؤلاء المجرمين الذين انسلخوا من انسانيتهم وتحولوا الى وحوش تنهش أجساد الآدميين. وكادت جهود النشطاء البحرانيين تفلح في القبض على السفاح المجرم، عادل فليفل، عندما هرب الى استراليا في 2002، ولكن حاكم البحرين الحالي أذعن لطلب هذا المعذب الذي وضعه امام خيارين: اما اصدار قانون يحميه ومعاونيه من طائلة القانون، او انه سوف يجر معه “الرؤوس الكبيرة” في العائلة الخليفية اذا ما ألقي القبض عليه. وللامعان في إيلام الضحايا، فقد دفعت العائلة الخليفية هذا المجرم لترشيح نفسه لمجلس الشورى العام المقبل، ولن يكون مستغربا ان يتحول هذا المجرم الى “سعادة النائب المحترم”. وما تزال ذاكرة ضحايا التعذيب تختزن اللحظات المخزية التي اطلقت فيها القاب التبجيل لمعذيب آخر، هو عبد العزيز عطية الله آل خليفة، عندما كان رئيس جهاز الامن، بذريعة “العقلانية” و “الواقعية” في التعامل مع كبار المجرمين الذين ولغوا من دماء أهل البحرين ومزقوا أشلاءهم، وداسوا كراماتهم، وهتكوا حرماتهم، وشتموا علماءهم. فانا لله وانا اليه راجعون.
الثاني: ان النشطاء البحرانيين كادوا يحققون نجاحين كبيرين لولا تواطؤ القوى المعادية للشعوب، التي وفرت الحماية للمعذبين. فقد جمعت الشرطة البريطانية ملفا كبيرا حول ايان هندرسون، وقبل وصوله الى مكتب المدعي العام، تدخلت “قوى سرية” لسحبه بدعوى “عدم وجود فرصة حقيقية لتقديم هندرسون للعقوبة بسبب تقدم سنه ومرضه”. وحدث أمر مشابه مع فليفل، اذ كادت المسؤولة عن الادعاء تصدر أمر القبض عليه لولا فراره على وجه السرعة بعد ان اصدر طاغية البحرين قانون السيء الصيت رقم 56 للعام 2002. وبرغم عدم وصول القضيتين الى المحاكم ولكنهما وفرتا تجربة رائدة في مجال مطاردة مرتكبي جرائم التعذيب. وسوف يظل نشطاء حقوق الانسان يقظين ومصممين على مطاردة المجرمين الخليفيين الذين امتهنوا تمزيق اشلاء البحرانيين على مدى عقود متواصلة. انهم اليوم مطالبون بعدد من الامور: اولها المساهمة في إكمال لائحة الاتهام التي يجري اعدادها ضد الحاكم لتقديمها الى مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، مورينو اوكامبو، لاستكمال الاجراءات التي بدأت في مطلع العام بمخاطبته. والامل ان يؤدي ذلك الى صدور قرار دولي باعتقال حمد بن عيسى آل خليفة لارتكابه جرائم ضد الانسانية اهمها الإبادة والتعذيب. ثانيها: المشاركة في تقديم الادلة ضد السفير الخليفي في لندن، راشد بن عبد الله آل خليفة، الذي أعاد ممارسة التعذيب على نطاق واسع عندما كان رئيسا لجهاز الامن الوطني، بعد توقف بضع سنوات. ان من العار للانسانية ان تقبل الحكومة البريطانية بان يكون شخص مسؤول عن جهاز التعذيب سفيرا على اراضيها. اما الامر الثالث فالبدء بجمع الافادات التي تثبت تورط رئيس الامن الوطني الحالي، خليفة بن عبد الله آل خليفة، في ادارة جهاز مارس التعذيب بحق عشرات البحرانيين منذ استلامه المهمة في شهر مارس 2008، ويعتبر كافة المعتقلين منذ ذلك الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي من ضحاياه. انه مجرم ضد الانسانية، وفق التعريف الدولي، ولا بد ان يسجل اسمه في الملف الاسود لمجرمي هذا العالم.اما دور وزير الديوان، خالد بن أحمد آل خليفة، فربما يكون هو الاخطر سواء في جريمة الابادة ام التعذيب او القتل خارج القانون، لانه هو الذي يوجه “فرق الموت” التي اغتالت الشهيد موسى جعفر ملا خليل، واختطفت عددا من المواطنين وعذبتهم حتى اوصلتهم الى مشارف الموت. انه واحد من أقبح المسؤولين الخليفيين، ويمثل وجوده تحديا للذوق الانساني، واعتداء على مشاعر المواطنين.
الثالث: ان هناك ضرورة لارغام العائلة الخليفية على امرين: اولهما التصديق على معاهدة منع التعذيب التي وقعتها في 1998 وثانيهما: توقيع البروتوكول الاختياري من هذه الاتفاقية الذيي يعطي الحق لضحايا التعذيب في التظلم امام القضاء الدولي. فقد وقعت العائلة الخليفية الاتفاقية في ضوء الجريمة البشعة التي ارتكبتها “فرق الموت” باختطاف الشهيد نوح خليل آل نوح وتعذيبه بصورة وحشية حتى الموت. وامام تلك الفضية وجدت العائلة الخليفية المجرمة نفسها مرغمة على توقيع الاتفاقية تفاديا لقرار كان مزمعا صدوره عن لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة. ولكنها لم تصدق على الاتفاقية، ولم توقع البروتوكول الاختياري. وسعت لتضليل الجهات الحقوقية الدولية مع نهاية التسعينات بان هناك حاكما جديدا يسعى للاصلاح ومن الضروري اعطاؤه بعض الوقت. ومن الضروري ان يعمل نشطاء حقوق الانسان البحرانيين لارغام الحكم الخليفي على الالتزام بالامرين: التصديق على الاتفاقية (اي تضمينها في القوانين المحلية) وتوقيع البروتوكول الاختياري. فلو حدث ذلك لاصبح امرا صعبا مطاردة البحرانيين وتعذيبهم، كما يحدث الآن على نطاق غير مسبوق. لقد شعر الطاغية وجلاوزته، في ظل الخنوع والصمت، بقوة لم تتوفر له من قبل، فأصدر اوامره بمطاردة النشطاء وتعذيبهم بأبشع الوسائل، ثم تشويه سمعتهم، واغتيال بعضهم، كل ذلك بهدف تركيع ابناء البحرين البررة، واحراره الصامدين.
الرابع: يجدر بالرموز السياسية والنشطاء الحقوقيين الاستمرار في توعية المواطنين بحقوقهم المشروعة في ظل القانون الدولي، وعدم الاستسلام للدستور الخليفي الجائر. ويجدر بالجميع توثيق الجرائم التي ارتكبت وما تزال ترتكب بحق ابناء البحرين، خصوصا جرائم الخطف التي حدثت في الشهور الاخيرة باوامر مباشرة من ديوان الحاكم. كما تجدر الاشارة الى ضرورة تسخيف الادعاءات الحكومية بان الاعتداء على الضحايا جزء من جرائم أخلاقية. لقد اعتادت الشعوب المظلومة سماع هذه النغمة الشاذة واكتشفت ان أشد أشكال الفساد الاخلاقي انما يتم في اوساط الحكم الديكتاتوري الذي يستقدم المومسات والراقصات ويشجع الرذيلة على اوسع نطاق. ويخطيء من يستمع لادعاءات الابواق الخليفية الرخيصة التي تعتدي على ضحايا التعذيب والخطف كما تعتدي على الرموز السياسية وعلماء الدين، فأهل البحرين مستهدفون بشتى الوسائل: التصفيات الجسدية والتعذيب والاعتقال والتصفية الجسدية وتشويه السمعة واستهداف المعتقدات والمقدسات. أما آن لنا ان نتمتع بقدر أكبر من الوعي ازاء هذه الجرائم؟
نجدد وقوفنا مع ضحايا التعذيب في بلدنا وفي أي بلد يمارس تلك الجريمة، ونهيب بالجميع إحياء هذه المناسبة بارادات حديدية بالتصدي للظلم والظالمين ومطاردة الجلادين والمعذبين، واعتبار النظام الذي يقوم على التعذيب والابادة ساقطا طال الزمن ام قصر. ان أشلاءضحايانا ستظل طرية تدعو على السفاحين والقتلة والجلادين، وتستهدف رؤوس هذا النظام العفن الذي لم يعد يستحق البقاء بعدما ارتكبه من جرائم وموبقات بعد احتلال البلاد واستعباد اهلها ومحاربتهم ليس في الرزق والارض فحسب، بل في الوجود والانتماء والثقافة كذلك، ومرة أخرى نجدد عهدنا امام الله وامام التاريخ اننا لن ننام على ضيم يوما، ولن نساير الظالمين او نسكت على جرائمه، ولن نتوقف عن مواجهتهم بكل وسيلة مشروعة يجيزها القانون الدولي. والله هو الناصر والمعين، وهو قاصم الجبارين.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
26 يونيو 2009