ليس لنا مع الطغاة من سبيل وامامنا نهج الامام الراحل
في مثل هذه الايام قبل عشرين عاما، استجاب الامام الخميني للنداء الالهي، فصعدت روحه الى بارئها راضية مرضية، بعد ان عاش عشرة اعوام في كنف الدولة التي أسسها بعد ان أسقط نظام الشاه الاستبدادي الجائر. فما الذي تركه الامام لنا من تراث فكري وسياسي؟ ما سر عظمة روح الله الموسوي الخميني الذي قال عنه الرئيس الامريكي جيمي كارتر:
الامر الذي ميز نمط التفكير الخميني تمثل بفهمه للدين وطبيعته، واعتبره ثورة ضد الظلم ومشروعا لاقامة العدل. ولتحقيق ذلك كانت حركة الامام تتحرك ضمن إطار النص الشرعي، خارج دائرة الاجتهاد عندما يكون النص قاطعا، وبدون ان يتشبث بـ “علل الأحكام” بحثا عن الذرائع للتقاعس عن أداء الواجب الشرعي. كان يتحرك في افق ذلك التكليف والواجب، وبدلا من ان يجهد نفسه في البحث عن “المصلحة” و “المفسدة” كان يرى ان المصلحة لا تتحقق الا بالانطلاق في دائرة الحكم والسعي للالتزام به، معتبرا ان التلكؤ في الالتزام بالأحكام الاولية التي غالبا ما يكون منصوصا عليها، انما يجلب المفسدة، ويقوي الظالم، ويشجعه على استهداف مناوئيه. ولو كان يؤسس مواقفه انطلاقا من حسابات الربح والخسارة، لما قام بأي من الخطوات التي كانت غير منسجمة مع مقتضيات الربح، ومن هذه الخطوات: اولا تحديه قرار مجلس الشاه في 1963 عندما أقر قانون الحصانة للامريكيين، في الوقت الذي كانت كل المؤشرات تؤكد غياب التوازن في موازين القوة المادية بين الطرفين. فكانت انتفاضة 15 خرداد واستشهاد الآلاف من الايرانيين على ايدي قوات الامن والجيش.
ثانيها: استهدافه نظام الشاه بهدف اسقاطه في الوقت الذي كان نظام الشاه فيه يمتلك كافة وسائل القوة المادية والدعم السياسي والاستراتيجي من الولايات المتحدة الامريكية، والامكانات الاستخباراتية والامنية من خلال جهاز “السافاك” الرهيب.
ثالثها: اعتماده على الله اولا وأخيرا، وتوكيله الأمر اليه، بأداء التكليف المتمثل بمقارعة الظلم وجها لوجه وعدم الانسحاب امام زحف الظالمين. فلم ينظر الى المواجهة من زاوية الحسابات المادية، ولم يقل: الظروف الدولية والاقليمية لا تساعد مثلا، او ان الشاه يمتلك من القوة ما لا نستطيع مواجهته.
رابعا: ان قرار الصمود امام نظام الشاه كان حاسما لا رجعة فيه ولا تردد او تلكؤ، فهو صمود حتى النهاية، واستسلام للارادة الالهية لتحقيق واحد من امرين: النصر او الشهادة.
خامسا: انه في أحلك الاوقات لم يتخل عن قرار الصمود بوجه الظلم والطغيان والاستبداد والحكم العائلي. وحتى عندما هدد شاهبور بختيار، رئيس الوزراء الذي عينه الشاه قبيل مغادرته طهران في 16 يناير 1979، باسقاط الطائرة التي سوف يركبها الامام الخميني من باريس الى طهران، اتخذ قرار صعود الطائرة الى بلاده، متحديا أعتى جيش واستخبارات في المنطقة. كان مطمئن البال وهو يقضي ساعات السفر بين باريس وطهران، وعندما سأله احد الصحافيين عن شعوره آنذاك وهو يعلم بالتهديد باسقاط الطائرة، كان جوابه مقتضبا: لا شيء. سادسا، انه بعد وصوله العاصمة، وجهت اليه تحذيرات عديدة من بختيار وحكومته، وصدرت التهديدات بضرب المتظاهرين بالطائرات والمدافع. فجاء رد فعل الامام: ان مصلحة الاسلام تقتضي خروج الشعب الى الشارع. فمن يستطيع اتخاذ قرار كهذا سوى الامام الخميني ومن يسير حقا على طريقه؟
كان الامام الخميني رحمه الله رجلا ليس كالرجال، وقائدا ليس كالقادة، ومسلما من طراز آخر. فقد دفعه عرفانه ليس للانعزال عن الامة وهمومها، بل للمزيد من العطاء والتضحية والصمود. فما دام عبدا لله، فان تلك العبودية مصدر للقوة الشخصية من جهة ودافع لتحدي ارادة غير الله. فالحاكم الظالم، مهما كان حجمه، يبدو صغيرا لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا امام ارادة الله. وقد أثبت الامام بمواقفه وتسليم امره لله، ان الشاه كان اصغر من ان يصمد امام شيخ كبير متقدم في السن لا يملك الا نفسه وايمانه بعدالة قضيته واعتماده الكامل على ربه. فمن يملك هذا الايمان ووضوح البصيرة سينتصر على اكبر الطغاة والقتلة. وفي رسائله وخطبه للمسلمين والشعوب المستضفعة حث متواصل على التصدي للظلم والظالمين بدون هوادة او مجاملة او مسايرة. فالهوية تتعرض للضعف والتلاشي اذا أصبح ارتياد قصور الطغاة أمرا عاديا لدى الرموز، سياسية كانت ام دينية. وقد يتلمس الامام رحمه الله ا لعذر لمن لم يواجه الظالمين والطغاة، ويعتبر ذلك من اضعف درجات الايمان، ولكنه كان شديدا ضد من يجاملهم او يقلل من غلواء الشعب ضدهم او يسايرهم في قوانينهم ويخالطهم في مجالسهم. فكلام الامام الصادق عليه السلام لم يكن بعيدا عنه، وهو الفقيه الكبير: “فوالله ما اصبت شيئا من دنياهم الا اصابوا من دينك مثله”، وقول الامام زين العابدين لأبي مسلم الزهري: “أوليس بدعائهم اياهم حين دعوك، جعلوك قطبا أداروا به رحى مظالمهم و….. فما أقل ما اعطوك في قدر ما اخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك، في جنب ما خربوا عليك”. هذه البصيرة هي التي منعت الائمة عن مسايرة الحكام الظالمين. فربما التزم بعضهم سياسة عدم المواجهة، وهو أمر طبيعي في الظروف التي مرت بعد كربلاء، ولكن أحدا منهم لم يساير طغاة عصره، ولم يمنحه شرعية الاعتراف بحكم جائر اقيم على جماجم الابرياء واجساد الشهداء.
ونحن نعيش ذكرى رحيل الامام الخميني رحمه الله، يجدر بنا استلهام روح المقاومة المؤسسة على موقف شرعي مستمد من القرآن وسنة الرسول وسيرة أهل بيته الاطهار، فذلك هو المدخل الى عالم النصر والعظمة والخلود، وهو الطريق لدحر الظلم والقضاء على الظالمين، واقامة دولة الحق والعدل ونظام المساواة بين الناس ومنع العدوان والنهب والاعتداء على الاعراض والحقوق والكرامات. فلقد طغى النظام الخليفي وتجبر، وراح يسلط وحوشه وكلابه على الابرياء الذين يختطفون من الشوارع ويعذبون بوحشية غير معهودة، او يستهدفون في كراماتهم وتوجه لهم الاتهامات المزيفة كما حدث لضحايا “االحجيرة” التي اثبتت كذب الحكم الخليفي وزيفه واستعداده لارتكاب اكبر الموبقات. امام هذه الكارثة الانسانية والسياسية لم يعد مجال لمجاملة هؤلاء الطغاة او مسايرتهم في شيء، بل يصدق قول الامام الصادق الموجه الى كل مؤمن حريص على كرامة شعبه والذود عن دينه: “لا تعنهم على بناء مسجد” لان تلك الاعانة تقويهم وتشد عودهم، بينما لا يستحقون سوى الشجب والامتهان والاحتقار والازدراء والمواجهة. فليكن نهج الامام الخميني رحمه الله دافعا لاعادة النظر في الموقف المسؤول تجاه هؤلاء الظالمين، وسيكون النصر حليف المسضتعفين بعون الله.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
5 يونيو 2009