الخليفيون خططوا لتصفيتكم، فما انتم فاعلون؟
تتضاءل فرص التعايش السلمي بين أهل البحرين والعائلة الخليفية التي احتلت البلاد بالقوة وتصر على حكمها بعقلية الاحتلال. وما الحوادث التي جرت خلال الشهر الماضي الا من بين المؤشرات القوية على وجهة الامور في هذا البلد المضطرب، وتعمق الازمة السياسية التي تستعصي، كما يبدو، على الحلول المنطقية.
السبب الاساس وجود نظام حكم لا ينتمي الى البلاد تاريخا او ثقافة او هوية، ويرفض الالتزام بما اعتادت الشعوب عليه من توافق وقانون. فبعد ان ارغم الحكم الخليفي على اطلاق سراح السجناء السياسيين، بدا مسلسل آخر يتسم بالدموية ويتضمن ابعادا خطيرة لا يستطيع احد التنبؤ بما ستؤول اليه مستقبلا. كانت الاعتقالات خطوة متقدمة على طريق تصفية المقاومة ا لمدنية التي بدأت تنخر في جسد النظام وتعريه امام الداخل والخارج. وثمة صراع بين جناحين داخل العائلة الخليفية، حسب ما طرحته مؤخرا صحيفة “الواشنطن بوست”. الجناح الاقوى يقوده خالد بن أحمد آل خليفة، وزير ديوان الحاكم، والآخر، وهو الاضعف، ينسب لولي العهد. ويعتبر الفريق الاول متطرفا جدا، حيث يسعى للقضاء على المقاومة المدنية بأي اسلوب، ويرفض منطق الحوار او التفاهم مع المعارضة الوطنية التي فشل القمع السلطوي في القضاء عليها. هذا الفريق يتبنى عددا من الاساليب في مواجهته الحركة الشعبية المطالبة بالاصلاح السياسي والدستوري. وكما اظهرت حوادث الاسابيع الاخيرة، فقد بدأ هذا التيار بعد صعود نفوذ الحاكم الحالي في نهاية عهد والده، باختطاف الشاب البحراني، نوح خليل آل نوح، وتعذيبه بشكل وحشي حتى الموت. وتواصل عمل هذا الفريق بعد وصول حمد الى كرسي الحكم في 1999، ابتداء بقرار الغاء الدستور التعاقدي. وفيما كان رئيس الوزراء يعترف بان شرعية الحكم انما تستمد من الدعم الشعبي، يرى هذا الفريق ان العائلة الخليفية هي مصدر الشرعية لنفسها، ولا تحتاج لتفويض شعبي. فهي تنطلق على ارضية “الفتح” اي ان آل خليفة “فتحوا” البحرين واستولوا عليها بالقوة فأصبحت ملكا لهم لا يحق لأحد منازعتهم في حكمها. وهذا يفسر الاجراءات التي اتخذت منذ العام 2001 حتى الآن. فالحاكم يعتقد انه هو الدستور والقانون والشرعية، وما شعب البحرين الا “رعايا” يسيرهم الحاكم كما يريد ويتحكم في مصيرهم وشؤونهم كما يرى.
فريق خالد بن أحمد يحظى بدعم مباشر من الحاكم، حمد بن عيسى، الذي لم يؤمن يوما بمبدأ الشراكة السياسية، بل ينطلق من خلفيته العسكرية ليمارس القمع والتصفية واراقة الدماء. فمنذ العام الاول لما سمي “التغيير” في 2001، امتدت ايدي الحكم الخليفي لتقتل الشهيد محمد جمعة الشاخوري، ورفض الحكم تشكيل لجنة محايدة للتحقيق في اغتيال ذلك المواطن. وتواصلت عمليات القتل بحق المواطنين مرورا بمهدي عبد الرحمن وعباس الشاخوري ثم علي جاسم. ولكن عمليات الاغتيال لم تضعف المقاومة بل زادتها عنفوانا وقوة. فقرر خالد بن أحمد تشكيل “فرق الموت” التي تتكون في أغلبها من بقايا ما كان يعرف بـ “فدائيي صدام”. واعتمد خالد بن أحمد نمطا آخر من العقوبة، وذلك بنقل انماط التعذيب الى الشارع، فما ان يخرج مواطن في مسيرة سلمية حتى تبدأ ممارسة التعذيب بحقه، فيلقى القبض عليه في الشارع، ويعرض لأقسى العقوبات الفورية بالضرب والركل وذلك بهدف تلقينه درسا لا ينساه. فأخطر ما يقلق الحكم الخليفي هذا التواصل بين اجيال المقاومة وفشله في احتواء خطر التحدي السياسي الذي تمثله تلك الاجيال. وما اكثر الذين مزقت اجسادهم بسياط الجلادين والقتلة في شوارع البلاد. وما أكثر الذين فقدوا احدى عينيهم بالرصاص المطاطي التي تستخدمه فرق الموت الخليفية بدون وازع او ضمير او انسانية. هذا الفريق لم يؤمن يوما بالحوار، بل اصبح اقرب الى النازية والصهيونية في تعاطيهما مع مناوئيهما. ولكن الضغط الشعبي دفع هذا الفريق لفتح السجون مجددا للسجناء السياسيين. بدأ ذلك في شهر ديسمبر 2007، في إثر استشهاد علي جاسم. فقد بدأت قوافل الابطال تساق نحو زنزانات التعذيب لتتعرض لأبشع اشكاله. وتواصلت الاعتقالات خلال العام الماضي. ولكن صلافة الحكم وضعف أداء مستشاريه دفع هذا الفريق لتأليف مسرحية هشة تقوم على اساس وجود مخطط ارهابي لاسقاط نظام الحكم، فاعتقل عشرات النشطاء بدعوى التورط في ذلك المخطط، واطلق على المعتقلين اسم “معتقلي الحجيرة” نسبة الى منطقة سورية ادعت المسرحية الجديدة ان المعتقلين تلقوا تدريباتهم العسكرية فيها. ثم جاء اعتقال الاستاذ المجاهد حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد، بدعوى تورطهما في تلك المحاولة. ولكن العائلة الخليفية منيت بأكبر فشل في تاريخها المعاصر، فما هي الا اسابيع حتى انقلب العالم ضد الاعتقالات والدعاوى الخليفية، خصوصا بعد ان اكد المعتقلون تعرضهم للتعذيب على ايدي جلاوزة حمد بن عيسى وخالد بن أحمد. ثم جاءت الا نباء عن رفع قضية دولية ضدهما بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، الامر الذي اضاف بعدا دوليا جديدا لقضية محلية في الاساس.
ان ما حدث الشهر الماضي من اطلاق سراح اغلب السجناء لم يؤد الى غلق الملف. بل اتضح الآن انه كان بداية لعهد أكثر سوادا. فقد بدأ تدشين عهد التصفيات الجسدية للمعارضين. فسقط اول شهيد بتفخيخ سيارته التي انفجرت وقتله فورا واصابت مرافقه احمد سعد، باصابات بليغة ما تزال طبيعتها غير معروفة. فقد اختطف الشابان، احدهما جثة متفحمة، والآخر جسدا ممزقا بالسيارة المفخخة. وقد استلم الاحرار تلك الرسالة واتخذوا احتياطاتهم الامنية تفاديا للارهاب الخليفي. وتزامن مع ذلك الكشف عن خطة لاغتيال العالم الكبير آية الله الشيخ محمد سند الذي التحق قبل شهور بحوزة النجف الاشرف. وبعد كشف خطة الاغتيال تم تكثيف الحراسة حول ا لشيخ سند، واصبحت قوات الامن العراقية معنية بالقضية، فكيفت الحراسة واصبحت اكثر تربصا للعملاء الذين جندتهم العائلة الخليفية لمطاردة معارضيها في الداخل والخارج. هذه الاعمال الارهابية اصبحت مثار قلق لدى الكثيرين، واصبحت تعني، بين ما تعنيه، رسائل مفتوحة للمقاومين بان السيف الخليفي مسلط على كل بحراني أبي، سنيا كان ام شيعيا. هذه الرسالة استلمتها المعارضة واعادت ترتيب اوضاعها بشكل يتلاءم مع هذه التطورات السلبية الخطيرة. واذا ما اضيف لذلك جريمة الابادة السكانية التي فرضتها العائلة الخليفية ضد اهل البحرين، اتضح مدى خطر الوضع ا لبحراني حاضرا ومستقبلا. مشكلة الحكم الخليفي انه يعيش منذ عقود عقدة النقص لكونه نظاما احتل البلاد بالقوة ولم يحظ قط بدعم شعبي، بل اصبح مستهدفا، كغيره من الانظمة الشمولية، بسبب التزامه سياسات القمع والعنف والتعذيب كانماط روتينية من التعامل اليومي مع نشطاء اهل البحرين الاصليين (سنة وشيعة).
وماذا بعد الآن؟ الواضح ان حالة الاستقطاب اصبحت تهيمن على الوضع السياسي بشكل غير مسبوق، واتضح كذلك ان النظام الخليفي لا يستطيع ان يتعايش في ظل ظروف الهدوء والتوافق. والسبب ان اللص يخشى، في حالة الهدوء، انكشاف امره، ويفضل ان تبقى الامور مضطربة على اقل تقدير، ليستطيع حماية نفسه في الضوضاء الاجتماعية التي تحيط اوضاعا كهذه. لقد بلغ السيل الزبى واصبح امرا شبه مستحيل اعادة الثقة بين الحكم الخليفي وشعب البحرين الذي قاسى المر والهوان على ايدي عملائه. والأمل ان تؤدي هذه اليقظة الى مشروع تغييري ثابت يعيد للمواطنين سيادتهم ويسحب من تحت ارجل الطغاة والمحتلين شرعية الحكم بشكل املائي من الخارج. الأمل ان تتمخض من رحم شعبنا قيادة ميدانية فاعلة تكبر على محاولات الاستضعاف الخليفية وتتطلع الى حركة شعبية واسعية تهدف للتحرير الكامل، للارض ومن عليها، وتقيم على ارضها نظاما منتخبا يشارك فيه الجميع على قدم سواء. وبدون هذا الوضوح في الرؤية والاصرار على تحقق المطالب، فسوف تظل الازمة متواصلة، ولن يستطيع احد اعادة التوازن بعد اليوم. لقد دخل الطرفان مرحلة كسر العظام، والطلاق النهائي، والله وحده يعلم بما ستؤول اليه امور المواطنين في مواجهتهم الحتمية مع نظام لا يعترف بوجودهم، ويسخر الاجانب على اهل البلاد الاصليين (سنة وشيعة). لقد حان الوقت للنشطاء للبدء بالتفكير دستور عقدي يرسم خطا مع الماضي القريب، وينير الدرب لمستقبل اكثر اشراقا ووضوحا وحرية. وما ذلك على الله بعزيز.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
28 مايو 200