لنعترف بوجود تيارين مختلفين في المنطلقات والاهداف ووسائل العمل
سؤال يطرحه الكثيرون عن ارضية الاختلاف في المواقف السياسية للنشطاء الذين كانوا يوما ينتمون لتيار فكري وسياسي واحد، وما اذا كان هذا امرا محتوما؟ وهل سوف يستمر؟ ام انه تطور طاريء؟ وثمة تساؤلات اخرى حول مدى امكان رأب الصدع الذي يزداد اتساعا؟ ومن المستفيد من ذلك؟ وما اذا كان هناك “حكماء” قادرون على احتواء ذلك.
انها اسئلة صعبة جدا، يفضل الكثيرون عدم الخوض فيها نظرا لما تنظوي عليه من آلام وإحباطات. مع ذلك يجدر بنا الوقوف عند هذه التساؤلات في محاولة لطرح اجابات لن تقنع الجميع، ولكنها قد تساهم في تسليط شيء من الضوء العلمي على ما يجري، ليس بهدف دعم هذا الطرف او ذاك، او تخوين اي منهما، بل لتوضيح حقيقة اصبحت تفرض نفسها، ومن الضروري توضيع بعض معالمها. الحقيقة الاولى ان الاختلاف امر طبيعي في العمل السياسي، وقلما تخلو ساحة منه، والمعارضات في اغلب الدول تعاني من الاختلاف وتمزق الصف. هذا ما حدث في العراق وفلسطين والكويت ومصر وسوريا وغبرها من البلدان. يحدث ذلك لأسباب ليس مجديا الخوض فيها نظرا لتداخلها وعدم جدوى الانشغال بتفصيلاتها. وهذا ما حدث في البحرين ايضا. فقد كان هناك تيار واحد في السبعينات، انشطر على نفسه في الثمانينات والتسعينات، فوقف احدهما مع الانتفاضة المباركة، وعارضها الآخر. الحقيقة الثانية ان الوضع اليوم يشهد تبلور خطين في التيار الواحد، وتثبت الوقائع صعوبة منع تلك الثنائية في الوقت الذي تنتشر حالة الاحباط في نفوس الكثيرين. ومن الخطأ محاولة نفي وجود هذين الخطين، او الادعاء بان ما يجري “سحابة صيف” عابرة. كما يخطيء من يسعى لاقحام البعد الديني في خلاف سياسي وفئوي كهذا، خصوصا ان القائمين على التيارين ينتميان ملتزمون، وان لكل من الخطين علماءه ورموزه المتشرعين، ومن الخطأ الكبير محاكمة اي منهما على اساس الالتزام الشرعي او عدمه. ومن الضروري لهؤلاء “القادة” بذل الجهود لمنع أتباعهم عن ممارسة اساليب التسقيط او التشكيك في الجوانب الايمانية والعبادية لأتباع الخط الآخر. كما يجب على الطرفين السماح بحرية التفكير والاختيار، بعد التذكير بالموقف الديني والسياسي وفق منهج كل منهما “فذكر، انما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر”.
أين نشأ الاختلاف؟ لكي لا نبتعد كثيرا عن الموضوع ندعي ان الاختلاف “سياسي” وليس دينيا، يرتبط بتشخيص الموقف واتخاذ المنهج المناسب لذلك التشخيص، بعيدا عن محاكمة النوايا، فتلك امور لا يعلمها الا الله: فلا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اهتدى”، “قل كل يعمل على شاكلته، وربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا”. ويمكن تلخيص الاختلاف بانه منطلق على اساس تحدي الموقف ازاء الوضع السياسي القائم. والسؤال الجوهري الذي أدى الى الاختلاف هو: هل نحن ضد الحكومة ام الحكم؟ وهنا انقسام واضح بين فريق يعتقد ان صراعنا يجب ان نكون معارضة ضمن النظام السياسي الذي يحدده الدستور الخليفي الذي فرضه الحاكم في 2002، بمعنى ان نعمل ضمن هذا الدستور، ونعارض، من خلال المجالس المنتخبة، سياسات الحكومة، اي الوزراء، بما هم أعضاء بمجلس الوزراء. اما الفريق الثاني فيعتقد ان مشكلتنا ليست مع الحكومة (اي مجلس الوزراء والوزراء الذين يديرون الوزارات) بل مع نظام الحكم، اي مع الدستور الذي يفترض ان يمثل نظام الحكم. وهنا يطرح هذا التيار ان آل خليفة ليسوا هم “نظام الحكم” برغم اصرارهم على انهم هم “نظام الحكم” وانهم هم الدستور وهم القانون، وان موقع العائلة الخليفية ليس محسوما في الوقت الحاضر طالما استمر تغييب الدور الشعبي في صياغة نظام الحكم، اي الدستور. وبعكس التيار الاول الذي يعتبر ان “الحكم الخليفي من الثوابت الوطنية” يعتقد التيار الثاني ان الحكم الخليفي ليس من الثوابت الوطنية وانه يخضع لقرار اهل البحرين من خلال الدستور الذي يكتبونه بايديهم.
من هذا التوصيف المختصر يتضح عمق الاختلاف ويفسر جانبا من المماحكات السياسية التي اصبحت تشغل الكثيرين عن قضايا الشعب والوطن الحقيقية. ومن حق اي من المواطنين الاقتناع بأي من التيارين وفلسفته واطروحاته، وهو أمر لا يخضع لموقف فقهي، بل لقناعات شخصية حول تحديد الموقف ازاء ما يجري. فكل مواطن عليه ان يقرر: هل هو ضد الحكم ام ضد الحكومة. ان تيارنا يؤكد ان صراعه الاساس مع الحكم، وليس الحكومة، وان ذلك امتداد لنضال الاجيال على مدى اكثر من ثمانية عقود. فقد كان هدف اهل البحرين تحديد نظام الحكم، وهذا لم يتوفر الا بعد الانسحاب البريطاني في 1971. فقبل ذلك كان الانجليز هم الذين يحكمون البلاد منذ اتفاقية منع ا لقرصنة في 1820، ولم يكن الحكم الخليفي الا اداة بيد البريطانيين. وبعد الانسحاب أقر الشعب للمرة الاولى في تاريخه المعاصر نظام الحكم الذي يريده، فاعترف للمرة الاولى بحكم العائلة الخليفية وفقا للدستور الذي كتبه ممثلوه في 1973. وبقي هذا الاعتراف قائما حتى إلغاء ذلك الدستور في 2002. بهذا الإلغاء لم يعد موقع العائلة الخليفية موضع اتفاق وطني، حسب رأي تيار المقاومة الذي يرفض الاعتراف بالدستور الخليفي، ويؤكد اصراره على إسقاطه مهما كلف. هذا التيار يعتبر ان الغاء الدستور الشعبي ألغى الشعب كشريك سياسي، ويسعى لتكريس مقولة ان العائلة الخليفية هي النظام السياسي. انه يعمل لايجاد نظام سياسي يرسم الشعب معالمه، ويحدد موقع العائلة الخليفية التي يعتبرها في الوقت الحاضر طرفا غاشما يسعى لفرض نفسه بالقوة من خلال اساليب التضليل والمكرمات وحكم الفرد والتسلط الخليفي غير المحدود على الامور. ولم تكتف العائلة الخليفية بإلغاء شعب البحرين سياسيا، بل تعمل لتحجيمه بشريا، وذلك باستيراد شعب آخر بديل
ما معالم تيار المقاومة؟ وما خصائص التيار الآخر؟ ولكي لا تكون هناك حساسيات مفرطة،نود لا نود ان نطرح اسما لهذا التيار الآخر، لان الهدف ليس استهدافه بقدر الرغبة في توضيح معالم التيارين. البيان المقبل سوف يتطرق لمعالم كل من التيارين بقدر من الموضوعية بعون الله، على امل ان نضع بذلك حدا لما تشهده الساحة من حالة احتقان بين اتباع التيارين. والأمل ان يستوعب المواطنون ما يطرح من الطرفين، ولكل منهم الحق في تحديد الانتماء الى اي من التيارين ينتمي، بدون تعميق مشاعر الفرقة والتحدي واستهداف الآخرين. ان الاختلاف سنة في الحياة، فلنقبله ولنعمل لرأب الصدع وليركز كل منا عمله ضمن التيار الذي يرتضيه، وليقبل حقيقة وجود تيارين يتباعدان في الافكار والاطروحات بشكل مضطرد، نظرا للاختلاف حول مفهوم اساسي: هل مشكلتنا مع الحكم ام مع الحكومة. ندعو الله بالهداية للجميع، فذلك ما نتمناه، والله من وراء القصد.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
24 أبريل 2009