كلمة وفاء لا بد منها سينتصران ولو بعد حين
مشيمع والمقداد، قرآ التاريخ فآمنا بحتمية انتصار الدم على السيف
أسدان في قيودهما لا تحتوي زئيرهما زنزانات الأعداء، عملاقان لا يقزمهما الضباب، قمتا جبل أشم لا يكسر كبرياءهما الرعد، قلبان واسعان يحملان هموم الشعب بلا ضيق او تأفف، سيفان باتران تكل أسلحة العدو ولا يكلان، جوادان يسابقان الريح انطلاقا نحو المجد، حسينيان لا تنال من عزمهما فلول اليزيديين، مجاهدان على خطى محمد (ص) لا ينال من إصرارهما خيل قريش وخيلائها.
بطلان رسما طريق النصر لشعبهما، وتقدماه بالتضحية والفداء، رسولا رحمة للناس أبطلا سحر فرعون وجنوده، فراح خائبا يعض أنامله، خطيبان مفوهان أخرسا الأبواق الكاذبة الرخيصة. فمن أعظم منهما، وهما اللذان رفضا ان يطلقا كلمة “آه” امام الطغاة والجلادين. تعلما من محمد (ص) ايمانه وصدقه في تبليغ رسالته، وتبليغه الحق، ومن علي وقوفه مع الفقراء و الضعفاء، ومن الحسن مقارعة معاوية بعد ان قرر تحويل الحكم الاسلامي الى ملك عضوض وديكتاتورية توارثية، ومن الحسين مبدأ ثابتا بحتمية انتصار الدم على السيف، ومن السجاد كيف يصبح الدعاء آلة تدمير للظلم والانحراف والزيف، ومن الباقر ضرورة التعليم والتثقيف وبناء الطليعة المتفقهة الثابتة على خط الايمان، ومن الصادق الانفتاح على الاسلام بما هو دين للجميع، لا يقر الضغينة والبغضاء، بل يمد يده للمسلمين جميعا بدون تمييز على اساس العرق او المذهب، ومن الكاظم الرضا بالسجن بديلا للاستسلام وتقبيل أنوف الطغاة والظالمين والمجرمين، ومن الرضا معنى الهدنة مع الحاكم اذا ما ارعوى وجنح للسلم، وتسامح مع العلم والعلماء. وتعلما من بقية الائمة معاني الثبات والاصرار والجهاد والمقاومة. لم يظهر حسن مشيمع ومحمد حبيب المقداد من فراغ، بل يحمل كل منهما وراء تاريخا من صدق الموقف والعمل المتواصل، ووضوح الرؤية ونفاذ البصيرة، والصدق مع الله والنفس والناس. ما كان لهما ان يرتضيا لنفسيهما موقفا غير الموقف الذي وقفاه، فاذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه، والا فعليه لعنة الله. وهل هناك من بدعة اكبر من ان يتحول الطاغية الى إله يعبد؟ والى حاكم يعيث في الناس الفساد، يقرب المتملقين والوصوليين والانتهازيين ويسجن الاحرار والعباد والعلماء؟ هل هناك من بدعة أخطر من صدور الفتاوى التي تدعم الظلم وتؤكد شرعية النهج الاموي في توارث الحكم وتحوله الى ملك عضوض؟ وما البدعة الأخطر من توصيف الحاكم الظالم باوصاف الرب الرحيم؟ من هو صاحب الجلالة غير الله العظيم؟ ومن قال ان دين الله يقر مخاطبة هذا الطاغية الذي استحل الحرمات وامر جلاوزته بالاعتداء على الحرمات وغلق المساجد، والتصدي لعلماء الدين وخطباء المآتم؟ لم يكن موقف الحسين عليه السلام نابعا من رفضه “مبايعة يزيد” فحسب، وان كا ن ذلك واحدا من اسباب ثورته، وانما ثار حفيد رسول الله لمواجهة الاسلام الاموي الذي نرى تجسيدا له في الواقع بأجلى مصاديقه، عندما يجند وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط انفسهم للدفاع عما يقوم به الطاغية من اعتداء على الحرمات وظلم الأبرياء ونهب اموال المواطنين وجلد ظهور الناس. هذا الاسلام الاموي، ان أرخى كلاكله في أرض اوال، فسوف يستحق الجميع غضب الله.
مشيمع والمقداد، نجمان بزغا في سماء أوال، فبعثا النور والضياء ليس في الأزقة والحارات فحسب، بل في القلوب أيضا، فاذا بالشباب اليافع يهرع الى ساحات الجهاد ليكون شوكة بعين الظالمين، وليكشف زيف دعاواهم، وليقرر مجددا، مقاومة الاستبداد والظلم حتى يسقط هذا الكابوس عن صدور أهل البحرين. وقفا وقفة الابطال، برؤوس شامخة ونفوس أبية، فما كان من جلاديهم الا الشعور بالخزي والعار، وسوف تلاحقهم الذلة حتى ينتهي عهدهم الاسود. لقد طرح مشيمع نهج “المقاومة المدنية” والتزم بها وكان وفيا لقيمها التي طرحت في اطار الشرعية الاسلامية. هذا النهج انطلق من كربلاء التي أسست لمبدأ “انتصار الدم على السيف”، واستفاد من تجربة المهاتما غاندي الذي واجه قوى الاحتلال والظلم قائلا: سنهزمكم بدمائنا. وعايش تجربة ثورة ايران الاسلامية بقيادة المرجع العظيم، الامام الخميني، رحمه الله، فتعمقت قناعاته بقدرة الجماهير على احداث التغيير مهما كان قمع الطرف السلطوي وارهابه. نعيش اليوم الذكرى الثلاثين للعودة المظفرة للامام الخميني الى بلده قادما من منفاه، ليسقط عرش الطاووس، وليسطر ملحمة انتصار الدم على السيف مجددا.
مشيمع تقدم الصفوف تحت سقوف المساجد، وتقدمهم في ساحات النزال ضد العدو الخليفي، فأكسبته تجاربه تلك ثقة بنصر الله قلما تتوفر لأحد. مضى ابن الستين في دربه، متوكلا على ربه، موقنا انه امام حسنيين: اما النصر او الشهادة. لقد انتصر وهو حي، فاذا الجماهير تزحف وراءه، ترفع اسمه ورسمه، وتتمنى ان تكون معه يوم الحشر، لا مع اعدائه من العصابة الخليفية التي تعيش على دماء الابرياء واشلاء الشهداء. لقد خبر السجن مرارا، وكثيرا ما كان يتحدث عن نيلسون مانديلا، ويعتبره مناضلا من الطراز الاول ضد نظام العنصر العنصري الذي كان يمثل حكم أقلية متجبرة في جنوب أفريقيا، مدعوما من قبل أمريكا وبريطانيا. وكثيرا ما قال: ماذا بقي من العمر؟ فلنقضه في الزنزانات الخليفية، متفرغين لعبادة الله، مستأنسين بقربه. كانت روحه أقوى من جسده الطيني الذي ما برح يضعف مع تقدم العمر.
واذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرامها الاجسام
يعيش مشيمع الآن مغيبا في اقبية السجون، على ايدي شرار خلقه، ولو لم يفعلوا ذلك لما كان لنا ان نحلم بالنصر:
سلام على مثقل بالحديد ويشمخ كالقائد الظافر
كأن القيود على معصميه مفاتيح مستقبل زاهر
ويوافقه الشيخ محمد حبيب المقداد في اطروحاته ورؤاه، ومعهما جحافل تكبر اعدادها يوما بعد آخر. لقد اصبحا مشعلين يخترق نورهما الستار الحديدي الذي فرضه المجرمون على اهل اوال، فينير الدرب للسائرين. وهذه بشائر النصر تغمر الجو بالأمل، وتفتح النفوس على مستقبل تصنعه الدماء والتضحيات. فعندما يتصدر القائد جماهيره الى السجن او الشهادة، فلا يمكن ان تدحر الجماهير. مشيمع ليس كالقابعين في القصور، يبعثون بعبيدهم وسفاحيهم وهم مختبئون كالفئران في جحورهم. مشيمع والمقداد فتحاا صدريهما امام السفاحين من الحزب الخليفي العنصري، فشاء الله لهما ان يغيبا وراء القضبان، فأصبحا رمزا للجهاد والنضال والصمود، فمرحى لهما في الخالدين، والسلام عليهما يوم ولدا ويوم صمدا ويوم اعتقلا، والخزي والعار للحزب العنصري الذي ستهزمه ارادة الجماهير وصبر القادة المأسورين، فان العاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين
اللهم ارحم شهدءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
الاول من فبراير 2009