الحكم الخليفي ليس من الثوابت الوطنية
لم يعد جديدا الحديث عن طبيعة العلاقة بين شعب البحرين والبيت الخليفي، فطالما كانت تلك العلاقة مثار جدل في السجال السياسي منذ اكثر من مائة عام. وفي هذا السياق، نود التأكيد على ما يلي:
1- الثابت المنطقي والأساس لذي لا يجادل فيه أحد ان العلاقة بين شعب البحرين وآل خليفة ليست أزلية، بمعنى انها قد تكون قائمة في الوقت الحاضر، وقد تزول مستقبلا، كما حدث لأنظمة الحكم العائلية الوراثية على مدى الدهر. فليس هناك حكم عائلي استمر الى الأبد. وعليه فالثابت الوطني الذي لا يجادل فيه الا المعاندون ان الحكم الخليفي “مؤقت” قد تطول مدته وتقصر وفقا للظروف، وليس “أزليا” بمعنى الاستمرار الى الأبد.
2- لم يكن القول بان الحكم الخليفي من الثوابت الوطنية الا في أبواق النظام. وانما كان الحكم الخليفي مقبولا في بعض الاحيان ضمن اتفاقات محددة وواضحة بين الطرفين.. وقد أقر المواطنون الاعتراف بالحكم الخليفي مرتين فقط في تاريخهم. الاولى بعد الانسحاب البريطاني في 1971 وما تمخض عنه اعتراف للمرة الاولى من الجانب الخليفي بأمرين اساسيين: الاعتراف وجود شعب البحرين، والقبول بشراكته السياسية. وتمثل هذا الاعتراف بدستور 1973 الذي اعتبر توافقا وطنيا مكتوبا وملزما. وعندما جمد الخليفيون العمل بمواده التي تنظم الممارسة الانتخابية، جمد البحرانيون اعترافهم بالحكم ا لخليفي من الناحية العملية، وحثت الاضطرابات المتواصلة حتى العام 2001. المرة الثانية التي اعترف شعب البحرين بالحكم الخليفي كانت بالتصويت على ميثاق الشيخ حمد. وليس جديدا القول بان ذلك الاعتراف كان مشروطا بتنفيذ ما قطعه الشيخ حمد على نفسه باعادة العمل بدستور1973 وان له الحاكمية على ميثاق الشيخ حمد، وعدم احداث اي تغيير في ذلك الدستور الا وفق ما تنص عليه المادة 104 منه. وجعل مجلس الشورى للمشورة فقط. وحيث ان الشيخ حمد أخلف وعوده وخدع الناس، لم يعد القبول بالحكم الخليفي امرا ملزما لأحد. واستمر الوضع واضحا: فالدستور الخليفي ليس ملزما لأحد لانه كتب بأيد غير بحرانية وفرض على اهل البحرين بالقوة. وحتى هذه اللحظة فالدستور الخليفي ليس بحرانيا ولا يلزم أيا من البحرانيين الا من من يقبل به. وليس جديدا القول ايضا ان الحراك الشعبي طوال السنوات السبع الاخيرة انما كان ناجما عن رفض ذلك الدستور والمطالبة بدستور يكتبه أبناء البحرين وليس الاجانب.
3- في ضوء ما تقدم فمن السذاجة القول بان “الحكم الخليفي من الثوابت الوطنية”، فهذا الحكم لن يكون مقبولا الا اذا أعاد العمل بأمرين: اولهما، الاعتراف بوجود شعب البحرين، وذلك يعني عمليا الغاء مشروع التجنيس الذي يتضمن عدم القبول باهل البحرين الاصليين (سنة وشيعة)، واستبدالهم بأجانب استقدموا من كافة اصقاع العالم لخدمة اهداف سياسية خاصة بالبيت الخليفي. وثانيتهما: الشروع في كتابة دستور توافقي يكتبه ابناء البحرين بأيديهم ولا يفرض عليهم بالقوة كما فعل الشيخ حمد عندما أصدر بيانه المشؤوم في 14 فبراير 2002 بفرض دستوره الاستبدادي المقيت.
4- ان “الثوابت الوطنية” يجب ان تتضمن مفهومي “الرقابة والمحاسبة” وان يكون الحكم خاضعا لارادة المواطنين، كما هو حال الانظمة السياسية المعاصرة. وفي المفهوم الاسلامي فان الحاكم يجب ان يكون عادلا، يساوي بين المواطنينن ويحارب الفساد، ويقيم حكم القانون في كل الظروف، ولا يمارس المنكرات، او يخرج عما يتوافق عليه الناس من قيم ومواقف. فاذا لم يفعل ذلك وجب على المسلمين الوقوف بوجهه وضده. هذا جانب من عقيدة المسلم المطالب بمواجهة الظلم، وهذا ما فعله الامام الحسين عليه السلام عندما قال: ” من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم لله نا كثا لعهد لله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد لله بالإثم والعدوان ثم لم يغير عليه بقول و لا فعل كان حقا على لله أن يدخله مدخله”. والمعروف ان الامام الحسن هادن معاوية، ولكنه لم يعترف ان الحكم الاموي “احد ثوابت الامة” فما ان نكث العهد حتى اصبحت الهدنة لاغية. ولم يعتبر الامام الحسين عليه السلام ان الحكم الاموي من ثوابت الامة. والمعروف ايضا ان “الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم”. ولم يكن يوما من ثقافة شعبنا الاعتراف بالحكم الظالم، وبالتالي فليس الحكم الخليفي ثابتا الا بقدر ما يمارس العدل، ويعترف عمليا بوجود الشعب، ويعتبره شريكا في صياغة نظام الحكم (الدستور). ولطالما رفض علماؤنا فكرة طاعة الحاكم اذا ظلم، ولم يعترفوا بالروايات التي وضعها النظام الاموي من نوع: “الواجب لهم السمع والطاعة فى المنشط والمكره، ولا يجوز الخروج عليهم وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل”. انها فكرة اموية لا تنسجم مع ثقافة شعب البحرين الأبي.
5- ان الاستمرار في تجاهل هذين المطلبين الجوهريين لا يلغي فقط مقولة ان “الحكم الخليفي من الثوابت الوطنية” فحسب، بل يجعل هذا الحكم بمثابة الاحتلال الاجنبي للبلاد. فالطريقة التي يتصرف بها آل خليفة وجلاوزتهم لا تحتوي على بعد وطني اطلاقا، بل هي اساليب الاحتلال التي مارس الاحتلال الامريكي في العراق بعضها (وليس كلها) ويمارس الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين اغلبها. فمثلا الاحتلال الامريكي لم يمارس جريمة التوطين وبناء المستوطنات للاجانب، او تغيير هوية شعب العراق، اما الاحتلال الصهيوني فيمارس ذلك علنا. وهذا ما يمارسه الحكم الخليفي في بلادنا. فكيف يكون هذا الحكم الذي يمارس سياسات الاحتلال واساليبه “من الثوابت الوطنية”؟
5- ان الانخراط في العمل السياسي ضمن المنظومة الخليفية, ووفق دستورهم، قد يعتبره البعض “شرا لا بد منه” ويمارسه بهدف ان يحقق من خلاله “تخفيف الضرر”، ولكن يجب ان لا يتحول ذلك العمل الى قناعة راسخة لدى من يمارسه بان النظام السياسي نظام شرعي، وان ممارساته مشروعة. فاذا رأى انسان ان تكليفه الشرعي يقتضي منه العمل ضمن ذلك النظام، فهذا لا يعني ان يقوم بالتنظير لطاعة النظام وعدم معارضته، او المطالبة باسقاطه من قبل لا يعترف بشرعيته.
هذه هي الثقافة التي تربى عليها اهلنا طوال العقود الماضية، ولن يستطيع احد تغييرها، او تطويعها بما يخدم مصالحه، فالأحرار داخل البلاد وخارجها يقفون مع من يطالب بتغيير الطغمة الحاكمة التي رفضت الدخول مع اهل البحرين في اتفاق ملزم للطرفين، في صيغة دستور توافقي يكتب بأيد بحرانية، ويتم الاستفتاء عليه وفقا للأعراف المتبعة في الانظمة المتحضرة. ولن يعتبر اهل البحرين يوما ان العلاقة مع النظام الخليفي “أزلية” او ان الحكم الخليفي “أحد الثوابت الوطنية”، بعد ان أظهرت الوقائع انه يعادي كل ما هو بحراني، ثقافة وانتماء واعتقادا وولاء.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
16 يناير 2009