كلنا مع الشهداء في عيدهم، معا لدحر الظالمين
كانوا هنا، وسيظلون هنا، في القلوب والعقول… والثرى. اختلطت دماؤهم الزاكية بتربة الوطن فصنعت منها أرضا صلبة لا تتزعزع تحت وطأة الغزاة، ولا تتأرجح امام قواصف الزمان. أولئك قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم، وساروا بصدق نحو الهدف الكبير الذي يحقق لهم الحرية والكرامة والامن والأيمان.
رأوا الحياة مع الظالمين برما، والموت على درب الشهادة مغنما، فتحركوا بقلوب ثابتة ونفوس كبيرة على طريق الشهادة، فكان لهم ما أرادوا. يخطيء من يظن ان شهداءنا خسروا الحياة، فهم السائرون على نهج من سبقهم من شهداء المحراب الذي يقول سيدهم: “الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين”. كان صمودهم عنوانا لإباء هذا الشعب، وتحديا لكبرياء المتفرعنين من الأذيال و الاذناب وعبيد الدنيا. اختلطت دماؤهم بأديم أرض أوال، فاذا هي نابضة بلا توقف، وثائرة بدون استسلام. اربعة عشر عاما مرت منذ ان سفك القتلة دماء أول شهيدين من شهداء الانتفاضة المباركة، فانفتحت بذلك ابواب العطاء، وتعمقت في نفوس أهلهم وذويهم واخوتهم مشاعر الغضب ضد الظلم والاستبداد والسلب والنهب. فلم تستطع قواتهم النيل من عزم الشعب وكرامة الوطن الذي يسعون لتدنيسه بالمرتزقة والمستوطنين. ومارسوا التضليل ردحا فلم يؤثروا على النفوس الأبية شعرة واحدة. فالجميع على درب الإباء والشموخ، برغم ما يبدو من هدوء. أليس ذلك هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟ وما أعتاها من عواصف مقبلة ما دام الظلم سيد الموقف، وما دام الأباة يرزحون وراء القضبان. وهل يتراجع دعاة الحق والايمان عندما يزبد أبوسفيان ويرعد؟ هل يقبلون بالمساومة مع من عبد الشيطان وعبدة الأصنام، ولاعقي دماء الآدميين؟
نقف اليوم، والسنوات توالت على ذكرى الانتفاضة المباركة، وفي قلوبنا حسرة وشوق، ألم وفرح، تعب وأمل. صورهم تتراءى امامنا، فاذا بنا نحلق في عالمهم العلوي، نتطلع لما عندهم من رضوان الله، ونطمع ان يجمعنا الله واياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. لم تتوقف المسيرة منذ ان انطلقت، واية انطلاقة تلك التي غذتها الدماء والنفوس، وذابت على طريقها الأجساد، وتسابق ذوو النفوس الكبيرة لضمان موقع متقدم مع الخالدين، الأحياء عند ربهم يرزقون. انهم فرحون بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم، ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يربت الواحد منهم على كتف الآخر، يحثه على مواصلة الدرب، لان ثورة الشعب لا تعرف التوقف، ولا تحسن التوقف او الاستسلام او الخنوع. تعلموا من دينهم الحنيف ان الخلود الأبدي لا يتحقق الا لعشاق الشهادة، اولئك هم صانعو التاريخ ورواده. بل انهم هم التاريخ الناصع الذي تنهل الأمم منه ما يساعدها على البقاء والصمود والرفعة. علموا الشعوب معاني التضحية والفداء، وخطوا للأحرار درب الإباء والكرامة، ففازوا بما عند الله، وخسرت صفقة الظالمين. هؤلاء انما يعيشون ريثما تدور الدوائر كالطاحون، فاذا بهم لا يفقهون قولا ولا يهتدون سبيلا. ان كل قطرة دم سفكت ظلما ستنبت شجرة باسقة تظلل على رؤوس رواد الحرية وعشاقها. وان كل روح أزهقت لتحلق فوق سماء الوطن، تلعن القتلة والسفاحين، وتشحذ همم الشباب المتطلعين لصنع النصر والحاق الهزيمة بالظالمين والمستبدين والقتلة. وان كل قلب أذيق عذاب الفراق وفرض عليه فقد الأحبة والبكاء الصامت على الدم المسفوح، لن يهدأ يوما، بل سيظل يخفق بالغضب الساخط على الظلم والظالمين، حتى يحكم الله بينه وبينهم، فيحاججهم ويدحض مقولتهم، ويوردهم النار، وبئس الورد المورود.
ليس هذا كلاما انشائيا لدغدغة العواطف، بل هو تعبير عن ايمان راسخ بحتمية انتصار الحق، واندحار الباطل. ذلك عهد من الله للصابرين: “فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولا تستعجل لهم كانهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعه من نهار بلاغ فهل يهلك الا القوم الفاسقون”. فما عسانا نقول ونحن نؤبن شهداءنا الأبرار الذين سبقونا الى دار الخلود؟ وهل نقول الا ما قاله الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون”. هل نملك الا ان نقول “ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رءوف رحيم”. نتذكر الهانيين، فنستعيد شريط الذكريات الجميلة، عندما كان الايمان هو الدافع الاقوى للابطال لمواجهة اعداء الله والشعب والانسانية، فتفر من وجوههم فلول المرتزقة هلعا وخوفا وجبنا. يومها كان الموقف واضحا بلا تشوش او تداخل او غشاوة: نظام ظالم يسلب الناس حقوقهم، ويسومهم سوء العذاب، ويستضعفهم أيما استضعاف، وينكل بهم أينما حلوا. اما اليوم فيبدو للبعض ان الوضع قد تغير، وان الحاكم الذي خلف أباه يختلف عن أسلافه. فهل هذا هو الواقع؟ ليس ثمة خلاف حول مسألة جوهرية واحدة وهي ان الحاكم الحالي أسوأ مرارا من أسلافه، فهو يمارس القمع والاضطهاد بدون حدود، ويعتدي على العلماء بلا وازع من ضمير، وينكل بالاحرار أيما تنكيل، ويهلك الحرث والنسل بدون خشية او خوف او وجل، ويمارس التمييز بين المواطنين بدون حدود، وينهب الاراضي والاموال، حتى اصبحت البلاد تئن تحت وطأة العناصر الخليفية الذين قلدوا مناصب وزارية تزيد على ثلثي مجلس الوزراء. فما حقيقة الادعاء بوجود تشوش او غبار على الواقع؟
في العام الماضي ودع الشعب شهيده الغالي، علي جاسم، الذي قتل مظلوما بأيدي فرق الموت الخليفية. ورفض الحاكم الجائر التحقيق في ظروف استشهاده، لعلمه سلفا بان المسؤول عن ازهاق روح الشاب انما هو النظام برمته، ابتداء بديوان الحاكم مرورا بزبانيته وجلاوزته، وصولا ا لى فرق الموت التي منحت صلاحية القتل والتعذيب خارج اطار القانون. ولكن روح الشهيد بقيت ترفرف في سماء البلاد وتستنهض الهمم، وتزيل الغشاوة عن العيون والقلوب، فاذا بجحافل المجاهدين تشق طريقها خلال الاثني عشر شهرا الاخيرة، بدون توعك او تراجع او خشية. واليوم تستعد الجماهير المؤمنة لاحياء ذكرى هذا الشهيد السعيد ومن سبقه من الشهداء، في استعراض وطني قل نظيره. فهو مدعوم بالقلوب الحية التي تنبض بحب الحرية والكرامة، بعيدا عن الحكم واساليبه الملتوية وحيله وخدعه وألاعيبه. انه مدعوم بقلوب المجاهدين الذين آلوا على أنفسهم ان لا يتقاعسوا عن اداء االمسؤولية اينما حلوا، وأيا كانت الظروف. والشهيد، فوق ذلك كله، مدعوم من الله، مسدد بتوفيقه، محروس بعينه التي لا تنام، وموعود بحتمية سقوط قاتليه، وانتصار المؤمنين الصابرين المحتسبين، وهذا ما سيحدث بعون الله، طال الزمن ام قصر.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
12 ديسمبر 2008