الساكت عن الحق شيطان أخرس …. إنهم ان يظهروا عليكم يرجموكم او يعيدوكم في ملتهم، ولن تفلحوا إذا أبدا
لكي لا “يظهروا” علينا فنحن مطالبون بالصبر والصلاة والصمود، نواجههم بما نملك من اساليب المقاومة التي تدفع عن النفس الأذى، وتحمي الوجود من الذوبان او الاحتواء. ولقد سعى الاسلام لحماية أتباعه من هذا المصير الأسود، فحصنهم بالمفاهيم والقيم والمباديء، وجاءت الأحكام الفقهية لكي تجعل بينهم وبين أولئك الأشرار مفاصلة مستمرة لمنع التأثير السلبي على الصف الاسلامي.
فاذا التزم المؤمنون بتعليمات السماء، وما استهوتهم الدنيا وملذاتها وشهواتها، تحصنوا بحصن الايمان العتيد، وعندها لا تستطيع قوة في الارض ان تنال منهم. ان ما نشاهده من مفاصلة بين هؤلاء المؤمنين والصف الآخر من الظالمين والطغاة والمستبدين، يؤكد هذه المفاهيم القرآنية التي كانت من أهم أسباب انتصار المسلمين على سواهم. اما التخاذل فيؤدي الى فقدان الهوية وضعف الموقف والشعور بعدم القدرة على مواجهة الظالمين، وعندها تضعف المقاومة لما هو باطل. و “ظهور” الصف الظالم يفتح له باب الانتقام، فيعمد لـ “رجم” المؤمنين الصابرين اي يمارس بحقهم اصناف القمع والاضطهاد. ويسعى بايديولوجيته لجر المؤمنين الى ملته، وهكذا يؤدي التنازل التدريجي الى فقدان الهوية وضياع البوصلة. من هنا نحتمي بايماننا، بعيدا عن سلطة الظالمين والطغاة واجوائهم، يشد بعضنا على يد البعض الآخر، ويحثه على الصمود، ويشجعه على العمل الدؤوب من اجل الله، مدعوما بالايمان الذي يمنعه من الانصياع لاوامر الطغاة وعالمهم الشرير. اما السقوط في اوكارهم والدخول في ملتهم فهو الطريق الى الضياع، ولن يفلح من يكون هذا مصيره. ولدينا من المصاديق الكثير، فاذا لم نرها رأي العين، فذلك بسبب الانحراف الذي يؤدي الى فقدان الرؤية والبصيرة. “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يعملون”. لقد اصبحنا نرى مصير من دخل عالم الطغاة بذريعة الاصلاح، فاذا به يسقط من أعلى عليين، فيجاريهم ويبدا لسانه بمحاربة المؤمنين المظلومين الصابرين، فلا تروق له اعمالهم، بل يتنكر لما يقولون، ويعتبر مجاراة الطغاة هو الطريق الى الاصلاح. لم نتعلم ذلك من سيرة أبي ذر الذي صدع بكلمة الحق عندما رأى الحاكم يعبث بأموال الامة ويتلاعب بها، ولم نتعرف على هذه النماذج من مواقف رشيد الهجري او صعصعة بن صوحان. وعندما عزم الحاكمون على الاقتصاص من أبي ذر وقرروا نفيه الى الربدة، كان الامام علي عليه السلام يشد أزره قائلا: “خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك” فالامام يعلم ان معارضة الظلمة والطغاة اسلوب فاعل لتحصين النفس من الانحراف والانجرار الى عالم الفساد والظلم والبغي والطغيان. فمجالسهم ليست سوى مرتع للشيطان يعشعش بها، فلا يذكر فيها اسم الله، وتموت فيها مشاعر التدين والصدق والاخلاص. فكل كلمة تبجيل تطلق لمدح الطغيان انما تأكل من ايمان المرء وتدفعه نحو حالة لا تبعد كثيرا عن النفاق.
ما الغريب اذن ان نرى طاغيتنا يشمر عن ساعديه غير عابيء بأحد وهو يحث اليهود على اجتياح البحرين، ويقدم لهم الوعود بالجنسية والاراضي السكنية في الوقت الذي يعاني فيه ابناء البحرين من الحرمان من الجنسية ولا يجدون السكن المناسب؟ هذا الحاكم كان سترتعد فرائصه لو علم ان المواطنين غاضبون عليه، وان الشريحة الكبرى من السكان الاصليين (سنة وشيعة) مقطبون بوجهه، رافضون اساليبه وسياساته ومشاريعه. انه يتربع على نظام خائر هش، لا يتحمل كلمة احتجاج من احد، ويصر على ممارسة التعذيب بحق اهل البحرين وسجن احرارهم. هذا النظام لم يعد يقلقه سوى بضعة نفر منحوا حق ا للجوء السياسي في بريطانيا وامريكا مع علمه بان حكومتي هذين البلدين تدعمان نظامه لانه نظام يوفر لهما ما تريدانه من قواعد عسكرية وتسهيلات اقتصادية ومسايرة سياسية. وهاهو الوكيل المساعد لوزارة الخارجية يعبر عن غضب عائلته لوجود الاحرار الذين قرروا حمل قضية شعبهم الى خارج الحدود، واعلنوها صيحة مدوية ضد هذا النظام العفن الذي لا يرعى للؤمنين إلا ولا ذمة، ويمارس العهر السياسي في أقبح أشكاله. لقد ادرك هذا المسؤول وبقية اقرانه ان الاحرار الذين قرروا الانعتاق من سجنه الكبير اصبحوا في مأمن من بطشه واجرامه، وان أيدي جلاوزته الملطخة بدماء الاحرار والابرياء لا تتمكن من الوصول بسهولة الى هؤلاء الذين ابوا ان يسكتوا على الضيم او ان يقروا له اقرار العبيد. انه يزبد ويرعد، وهو يعلم انه أعجز من ان ينال من عزم اولئك الاحرار الذين عاهدوا الله على الانتصار لدينه وعباده، ولا يستسلموا او يجاملوا او يسايروا طغيان عائلته واجرامها. انه يعلم ان استمرار عطاء هؤلاء في مهاجرهم لا يمكن حجبه عن الوصول الى آذان المظلومين وقلوبهم داخل السجن الكبير، وان أساليبه التضليلية والتشويشية ربما انطلت على البعض ولكنها فشلت في تركيع الاحرار القابعين في زنزانات تعذيبه. فليمت هو ومن معه غيظا، فلن يحققوا من نعيقهم سوى الخسران والوبال.
وهكذا تستمر مسيرة التحرر والانعتاق. فاذا كان السود الامريكيون قد حققوا قدرا من احلامهم بصبرهم المتواصل ونضالهم الذي لم ينقطع، واذا كان السود الافارقة قد تخلصوا بمواقفهم البطولية من ادران النظام العنصري البغيض، فان اهل البحرين الاصليين (سنة وشيعة) لن يكونوا أقل نصيبا من النصر، ان هم حققوا شروطه. ومن شروط النصر عدم الانخراط في نظام الظلم او مشاركته في سياساته، والنأي بالنفس عن اساليب السلب والنهب، والتخلي عما يروجه البعض بان حقوق الشعوب تنال من خلال الحياة الفارهة في اروقة السياسة السلطوية، او ان الحقوق تسترد بمجاملة الحاكم الطاغية الذي يعتقل الابرياء ويعتدي على العلماء ويهتك الحرمات ويعتدي جلاوزته على النساء في الشوارع الطرقات. فلم يخبرنا التاريخ يوما ان نظاما ظالما مستبدا امكن تغييره من داخله. ان تلك الانظمة لا تتغير الا بالنضالات المتواصلة للاجيال المتعاقبة، والصبر على المحن والمقاطعة الشاملة لأزلامه ولصوصه وجلاديه. هذا ما يعرفه شعبنا الأبي، وهذا ما سيعبر عنه وهو يستعد للاحتجاج البليغ بكافة الاساليب السلمية المتحضرة عندما ينعقد مؤتمر حقوق الانسان في المنامة قريبا، وعندما تحين ذكرى عيد الشهداء في 17 ديسمبر. انه يوم من أيام الله، حيث اختلط دم الشهادة بهتافات الحرية، وامتزج الحس الايماني الخالص بصدق النية والعزم على مكافحة الطغاة والظالمين ومعذبي الاحرار. فلا صوت يعلو فوق صوت الحق والنضال والصمود والكفاح، ولا سبيل لنيل الحقوق سوى الاستبسال والمواجهة مع قوى الظلم والظلام والاستغلال والنهب والسلب، ولا حياة الا للمجاهدين الصامدين المحتسبين، الذين لا “يرون الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما، ليطمع المؤمن في لقاء ربه”. هذا هو دربنا، درب الاحرار والابطال، درب الصمود والتضحية والفداء، درب الصدق مع الله والايمان بما وعد به، والكفر بكل شيء سواه.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
14 نوفمبر 2008