مرحبا بشهر رمضان، موسم الحرية واعادة بناء الذات
ويحل شهر رمضان ضيفا كريما على المؤمنين، يستقبلونه بقلوب منفتحة على الله، راغبة في الاتصال به من خلال العبادة الحقة التي لا تشوبها نوازع الدنيا. انه موسم يتناجى فيه الصائمون مع ربهم تارة ومع مجتمعهم اخرى، ومع انفسهم ثالثة.
انها مناجاة صادقة لانها تنبع من ارادة حرة للصائم، وليست مفروضة من الخارج. يتناجى الصائم مع ربه، يخاطبه وينفتح عليه ويعترف له، ويتوب امامه، ويعلن مشروعا عمليا لتجسيد طاعة الله وحده والتمرد على من يضع نفسه في موضعه، حيث الخلق والأمر: ” أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” (الأعراف: 54). يصلي له سرا ويدعوه سرا وعلانية بدون خشية او وجل بل بطمع في المغفرة والرضوان. فصومه نهارا يبعث فيه الشعور بالحرية الكاملة: فقد تحرر من ضغوط الاكل والشرب، ومن النوازع الشيطانية للنفس، ورفض أي أمر الا من الله سبحانه، مستصغرا كل من سواه، فلا أحد يتحكم في حياته ومسيرته الا خالقه. وما ان يفطر مساء حتى يبدأ بقراءة القرآن الكريم والادعية التي تعمق شعوره بالحرية واستصغار الطغاة والجبابرة والتقليل من شأنهم، لانهم تافهون وضعفاء ومهزومون: الحمد لله قاصم الجبارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستصرخين، موضع حاجات الطالبين، معتمد المؤمنين” فان قرأ هذه الادعية بوعي أصبح أكثر تحررا من قيود البشر الآخرين، والا اصبح دعاؤه لقلقة لسان بدون معنى. وهو يتناجي مع المجتمع، من خلال تفعيل مستلزمات الصوم الصالح ومن ذلك مواساة الجياع واعانتهم، واشاعة السلوك المستقيم على المستويين الفردي والاجتماعي، وتفعيل مباديء التعاون والتكافل والتضامن والتحاب والتواصل، واشاعة الخير ومنع المنكر. وهو يتناجى مع النفس، فيردعها عن الانحراف ويمنعها من الضياع في متاهات الافكار الضالة، ويمنعها من الذوبان في مستنقعات المادة، ويحميها من كيد الشيطان بتحصينها بالايمان والصدق،
الصوم اذن برنامج متكامل لتربية الانسان الذي يسير على خط التكامل من خلال السعي المتواصل للتغيير نحو الافضل. والتغيير هنا مفهوم شامل يبدأ بالذات ويصل الى المجتمع والامة والملة. هذه الفريضة، شأنها كبقية الفرائض، وسيلة حركية لاعداد المؤمنين للدور الكبير المنوط بهم، كخلفاء لله على الارض، يواصلون درب الانبياء والرسل والأئمة الأطهار، ويمهدون لقياد دولة الحق العالمية بقيادة الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه. وهذا هو دور كافة العبادات التي تتكامل في ادوارها هادفة لصنع التيار القادر على احداث التغيير وفق النهج الالهي الذي يهييء لاقامة العدل ودحر الظلم والباطل. انه ليس عبادة جامدة او طقسا شكليا ينحصر في الامتناع عن الأكل والشرب، بل هو برنامج تدريب شامل يهدف لصنع المؤمن الرسالي القائد الذي يهزم الشيطان في نفسه، ويوجه حياته لتكون انموذجا للمؤمن القيادي المسؤول. ولذلك فمن المفيد ان يتفاعل النشطاء مع ايام شهر رمضان المبارك لتعميق الروحانية في نفوسهم من جهة وتعميق رسالة الصوم كمشروع تغييري يهدف لتطوير الاداء والممارسة. ولا بد من الاشارة الى ان الحركات غير الاسلامية كثيرا ما تلجأ للصوم من اجل تقوية الارادة تارة، والتعبير عن ا لاحتجاج تارة اخرى. فالمهاتما غاندي قرر الصوم بعد ان واجه الانجليز الحركة الشعبية بعنف شديد. وفي يناير 1948 بدأ غاندي صومه الكبير حتى الموت ان لم يكف الهندوسيون في مدينة دلهي عن اضطهاد المسلمين. وقد شرع الله الصوم كعبادة، ويجدر بالنشطاء ان يعيدوا قراءة هذه العبادة وفق رؤية مختلفة، تعمق البعد العبادي من جهة، وتوسع مجال الاستفادة منها من جهة اخرى، كوسيلة لتقوية ارادة النشطاء وعزمهم وبرامجهم وهم يسعون للتغيير في بلدانهم.
يمر شهر رمضان هذا العام على شعبنا في البحرين والوضع السياسي والامني والاقتصادي يتفاقم سوءا. ومع تعمق مشروع الشيخ حمد التخريبي، اصبح المواطنون والنشطاء امام خيارات محدودة: فاما مواجهته أوالقبول بنتائجه المدمرة على البلاد وشعبها بدون استثناء. ومن النتائج المدمرة ما يتعرض له العلماء والنشطاء الذين يعملون خارج الاطر الرسمية للنظام الخليفي من قمع متواصل، سواء بشكل مباشر من قبل اجهزة الحكم او من خلال عملائه ومرتزقته وابواقه. فلم تعد هناك حرمة لأحد، ابتداء من أكبر شخصية دينية في البلاد، مرورا بالعناصر الفاعلة في المعارضة ووصولا الى العناصر المرتبطة بهؤلاء. وما يحدث لعائلات النشطاء من استهداف مباشر من اجهزة القمع الحكومية يؤكد أساليب الاستفزاز والابتزاز. والا ماذا يعني توقيف الفتاة طوعة بنت الاستاذ عبد الرؤوف الشايب في المطار عدة ساعات؟ وماذا يعني الاستمرار في تحريض الحكومات الخليجية الاخرى خصوصا الكويتية على منع المواطنين من الدخول الى اراضيها؟ لقد بدأ هذا المسلسل مع بداية مشروع الشيخ حمد الفاشل، عندما سلمت العائلة الخليفية اسماء 99 شخصا من النشطاء للسلطات الامريكية بدعوى انهم مطلوبون لديها، بينما قال الامريكيون وقتها انها لا تطالب بأي بحراني على قائمتها. لقد عانى اهل البحرين الشيء الكثير على ايدي هذه الطغمة الفاسدة المفسدة منذ ان دنست اقدام اسلافها ارض اوال الطاهرة، وما تزال تمارس الفساد والقمع والتدمير بدون حدود. فهي تعتقل الاحرار بدون مبرر، وتزج بهم في غياهب السجون وزنزانات التعذيب، ثم يأتي “العفو” بأساليب رخيصة، تمتهن المواطنين وتجعلهم مستعبدين لدى فرعون وزبانيته. وليس مستغربا ان يبادر الحاكم بمناسبة حلول شهر رمضان او عيد الفطر لهذا الاسلوب مجددا للافراج عن بعض الاسرى المرتهنين لدى زبانيته بعد ان نكلوا بهم واذاقوهم صنوف العذاب.
يحل الشهر المبارك واهالي المعتقلين يتألمون لغياب أحبتهم الذين تتناولهم ايدي الظلمة بالتعذيب المتواصل. ولا يقل الضحايا شعورا بالألم وهم يقضون ايام شهر رمضان المبارك في قبضة الجلادين الذين يمارسون ابشع الجرائم بحقهم، من اجل ان ينالوا حظوة الحاكم الظالم الذي فاق اسلافه في ظلمه واستبداده وقهره. في هذا الشهر الكريم نرفع ايدينا بالدعاء لانهاء هذه الحقبة السوداء التي خيمت على شعبنا وبلدنا بوجود هذه العائلة الظالمة التي لا تزداد الا اجراما ونهبا وتنكيلا بالمؤمنين والمستضعفين، ونحذر مجددا من اساليب التطبيع معها، خصوصا بعد ان اتضحت نتائج التقارب معها على مدى العقد الماضي، من تمييز وتغيير التركيبة السكانية وسلب ثروات البلاد والغاء الاعتراف بالشراكة السياسية الحقيقية مع شعب البحرين، والاستمرار في ممارسة الاعتقال التعسفي والتعذيب. وأملنا ان ينتصر اصحاب الحق على هؤلاء الظالمين، فدعوة المظلومين في هذا الشهر الشريف مستجابة انشاء الله.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين