قف، وفكر، وقرر، فأنت المستهدف بمشروع الظلم
ما كان عقد الندوة الدولية بمجلس اللوردات البريطاني يوم امس الا بهدف رفع ظلامة شعب البحرين الى العالم، لاطلاع الرأي العام على ما تمارسه العائلة الخليفية الظالمة.
اما توقيتها السنوي فمن اجل تثبيت مناسبتين، احداهما سعيدة والاخرى كارثية، ساهمتا في صياغة الوضع الحالي في البلاد. اولاهما الانسحاب البريطاني من البحرين في 15 اغسطس 1971، والثانية القرار المشؤوم الذي اتخذه رئيس الوزرء السيء الصيت، خليفة بن سلمان آل خليفة، في 25 اغسطس 1975 برفع العمل ببعض المواد الدستورية التي تنظم الممارسة الديمقراطية، قبل ان يصدر اوامره في اليوم التالي بحل المجلس الوطني المنتخب. ولكل من المناسبتين ظروفهما وآثارهما وانعكاساتهما التي تلقي بظلالها على ا لوضع السياسي اليوم.
جاء الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج بعد 150 عاما من “الحماية البريطانية”، متناغما مع المطالب الشعبية المتواصلة خصوصا في البحرين، التي تدعو لاستقلال البلاد واقامة حكم فيه قدر من الممارسة الديمقراطية والانفتاح. تجسد هذا النضال في الحركات الوطنية المتعاقبة على مدى نصف قرن سبقت الانسحاب، وكان من أبرزها الانتفاضة الشعبية العملاقة في منتصف الخمسينات التي قمعت في نوفمبر 1957 بتدخل مباشر من القوات البريطانية. ثم جاءت انتفاضة 1965 ضد الاستعمار، وطالبت بخروج القوات البريطانية واغلاق قواعدها العسكرية في الجفير والمحرق. وعندما صدر القرار البريطاني في مطلع 1968 بالانسحاب في غضون ثلاثة اعوام، برزت قضية الدعاوى الايرانية بالسيادة على البحرين، ولكن الامور حسمت بالانسحاب البريطاني وقرار شعب البحرين بالاستقلال عن كل من بريطانيا وايران، وا قامة نظام سياسي يتوفر على قدر من الشراكة السياسية والممارسة البرلمانية وفق دستور يكتبه ابناؤه. ذكرى الانسحاب البريطاني كان يجب ان تتحول الى عيد وطني يحتفل به الشعب سنويا لتخليد نضال اجياله المتعاقبة وقدرته على تحقيق مطالبه مهما كانت قوة الطرف الذي يصادر تلك المطالب والحقوق. فالامم الاخرى تحتفل بذكرى استقلالها عن الا ستعمار، وتعتبر ذلك عيدا وطنيا. وبقيت العائلة الخليفية رافضة لذلك المبدأ حتى اليوم؟ لماذا؟ ثمة سبب بسيط لذلك مفاده ان العائلة الخليفية لا تريد ان تعترف بقدرة شعب البحرين على كسر ارادة القوى التي تسعى لمصادرة حريته وحقوقه. فالاحتفاء بذكرى الانسحاب البريطاني ينطوي على قدر من هذه المفاهيم لا تريد العائلة الخليفية اقرارها او تثبتها في الوجدان الوطني. انها لا تريد ان تعترف بان ارادة اهل البحرين ساهمت بشكل مباشر في تغيير هوية البلاد السياسية من بلد خاضع للحماية البريطانية الى بلد مستقل له سيادته ودستوره الذي خطته ايدي ا بنائه. لقد أقدم الشيخ حمد وطغمته الحاكمة على جريمة كبرى عندما ألغوا مبدأ الشراكة الدستورية بالغاء الدستور التعاقدي وفرض دستور كتبته أيد أجنبية وفرض على البلاد بالقوة. فهم لا يريدون الاعتراف بوجود شعب البحرين كشريك سياسي، ولا يعترفون بدوره في الاستقلال او صياغة نظامه السياسي بعد الاستقلال، ولا يقبلون به شريكا مساويا في ادارة البلاد والحكم, من هنا فقد رفضت العائلة الخليفية الاعتراف بذكرى الانسحاب البريطاني من البلاد، واصرت على اعتبار ذكرى صعود الحاكم السابق للحكم بعد وفاة والده في 1961، “عيدا وطنيا”. فأي عيد هذا؟ وما الوطنية فيه؟ وما مظاهر الشرف والمآثر والبطولات التي ينطوي عليها؟
اما الذكرى الاخرى المشؤومة فكانت قرار رئيس الوزراء بتجميد المواد الدستورية التي تنظم الممارسة الديمقراطية. جاء ذلك بعد ان اثبت المجلس الوطني قدرته على تقديم أداء نيابي فاعل، يتحدى الاستبداد الخليفي، ويضع حدا للهيمنة المطلقة للعائلة التي احتلت البلاد جورا وظلما. كان رئيس الوزراء يأمل في تقنين القمع وشرعنته، بتمرير مشروع قانون أمن الدولة السيء الصيت. فلم يكتف بممارسة القمع والظلم والاعتقال والتعذيب، بل كان يسعى لاضفاء الشرعية الدستورية على الجهاز الذي اسسه ايان هندرسون آنذاك. ولكن ارادة ممثلي الشعب في المجلس الوطني حالت دون ذلك، وحرم رئيس الوزراء من شرعنة القمع. فثارت ثائرته واصدر قراره المشؤوم الذي ادى الى حل المجلس الوطني في 26 اغسطس 1975 والذي آدخل البلاد في نفق مظلم استمر حتى الآن. وفي الوقت الذي تمر فيه هذه الذكرى المشؤومة فان من الضروري الاشارة الى ان ما يمارسه الشيخ حمد وطغمته الاجرامية يفوق كثيرا ما فعله رئيس الوزراء، برغم فداحته وشراسته. فقد تمكن هذا الطاغية من فرض قوانين اشد ارهابا من قانون امن الدولة، واضفى على ذلك الارهاب والقمع مظاهر الشرعية والقانون. فقد فرض قانون الارهاب الذي يجرم من يمتلك منشورا يعارض الاستبداد التوارثي الخليفي، وفرض قانون المولوتوف الذي يقضي بادانة من يمتلك قنينة مولوتوف بدائية الصنع. وفرض قانون التجمعات وقانون الصحافة. وكلها قوانين قمعية تهدف لارهاب اهل البحرين وادخال الخوف في نفوسهم وردعهم عن التفكير المجرد في مواجهة هذا الحكم الاسود الجاثم على صدور أهل البحرين بالقوة والارهاب.
يعيش شعبنا هذه الذكريات، والآلام تعتصر قلوب أبنائه، خصوصا مع غياب الوعي الكافي لدى رموزه وقادته بخطر المشروع الذي فرضه الشيخ حمد وطغمته على البلاد، ذلك المشروع الذي ادى الى القضاء شبه الكامل على اي دور شعبي في الحكم والادارة، واصبح الوضع أسوأ كثيرا من الحقبة السوداء، برغم فداحتها وسوئها. انه مشروع استئصالي خطير، يكرس الجريمة ثم يدفع الاموال لحمل ضحاياها على الصمت والاستسلام. ولذلك اصبح هناك جيش جرار من العبيد الذين استمرأوا العبودية واستسلموا للطغيان والاستبداد في مقابل اموال ومناصب ووجاهات زائفة، في الوقت الذي يتواصل فيه مشروع تغيير هوية البلاد الثقافية والسكانية والتاريخية، من خلال التجنيس السياسي الذي اصبح بمثابة الابادة، ومن خلال النهب والسلب للاراضي والمدخولات، ومن خلال فرض حالة من الصمت لا نظير لها.
ما هذا الصمت ايها السادة؟ أين كلمة الحق امام السلطان الجائر؟ أين من يقول “لا” للمشروع التخريبي المدمر الذي يفرضه الشيخ حمد وطغمته على البلاد والعباد بالقوة والترغيب والترهيب؟ لماذا الخوف من مواجهة الظلم ولما لا تكون القطيعة مع الظالمين؟ اننا جميعا مسؤولون عن الحفاظ على امن هذا البلد وسيادته، وكلاهما منتهكان بالمشروع المدمر الذي اصبح عنوانا لظلامة شعب البحرين. فهل ينتفض الضمير البحراني مجددا ويصدح بالموقف الفاصل الذي يواجه الظلم والاحتلال والنهب والسلب والاستبداد؟ هذا ما نأمله، وما تفرضه المسؤولية الانسانية والاسلامية، فالى الامام لاجهاض مشروع الاستئصال الخليفي بدون خوف او وجل، فالله ناصر المظلومين والمستضعفين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.