لكي لا يضيع الحق بين الصمت واللامبالاة والمديح المجاني
من يهمه امر هذا البلد الذي يخضع لاغتصاب متواصل على ايدي الجناة الخليفيين بلا رحمة او وازع؟ من يضرب على يدي هذا الطاغية الذي حول بلاد الطهر والايمان والعفة والعلم، الى مبغى يدعو اليه نظراءه من البلدان الاخرى؟ من يمتلك الشجاعة ويمتثل للامر الالهي بمقارعة الظالمين والطغاة ليقف بوجهه ويتحمل عواقب ذلك الموقف بعد ان يطلق صرخة استغاثة للعالم يطالبه فيها بالتدخل لحماية البحرين وشعبها وتاريخها وثقافتها وهويتها؟ فالوضع لم يعد يحتمل المزيد من التأخير او التأجيل، بعد ان بلغ السيل الزبى، واصبحت العائلة الخليفية محترفة في صناعة “المواطنين البحرانيين” الذين يؤتى بهم من اصقاع الأرض ليستقروا في المستوطنات المهيأة لهم. واليوم يقرر هذا الطاغية دعوة اليهود للاستيطان، بدعوى انهم “بحرانيون” سابقون.
فلماذا لا يذهب هو وعائلته الى قطر او الكويت او السعودية التي عاش اسلافه في كل منها ردحا من الزمن؟ هل تقام الدول على هذا الاساس؟ هل تقام الدول على بقايا السكان الاصليين؟ ثم ما هذا الاستخفاف بمجالسه الصورية وأعضائها “المنتخبين”؟ ألا يتطلب قراره بتجنيس اليهود قرارا “برلمانيا” ام انه هو وحده السلطة المخولة بالتشريع، وان مجالسه ليست سوى ادوات لاقرار ما يريد وتنفيذه؟ لماذا لم يرتفع صوت واحد حتى الآن ضد قرارات الشيخ حمد الفردية التي يصادر بها البلاد كلها، وبمن فيها مجالسه التي شكلها لتوفر شرعيته التي لا يستحقها؟ لماذا لم يرتفع صوت واحد يقول لهذا الطاغية: اما نحن او انت! قبل خمسة اعوام تقريبا، اصدرت حكومة الكويت، في غياب مجلس الامة، قرارا بمنح المراة حق الترشح والتصويت. وما ان انعقد المجلس حتى عرض عليه ذلك القرار، فرفضه، واصبح رفضه ساري المفعول. ولاحقا اتخذ المجلس قرارا آخر يمنح المراة تلك الحقوق. وعندما سئل العديد من اعضاء المجلس: لماذا رفضتم المشروع الحكومي وظهرتم وكأنكم ضد حقوق المرأة؟ قالوا: اردنا ان نبلغ الحكومة بان المجلس وحده هو السلطة المخولة بالتشريع، وليس الحكومة.
فأين هذا مما يجري في البحرين؟ مجالس الشيخ حمد لا تستطيع ان تشرع، بل عليها ان تقر ما يريده الشيخ حمد وما يصدره من قرارات. فهل تداول اعضاء هذه المجالس قرار تجنيس اليهود؟ هل تداولوا قرار تغيير التركيبة السكانية؟ قبل بضعة ايام حضر ممثل عن الشيخ حمد احد اجتماعات معهد الدراسات الدفاعية في لندن Royal Unites Services Institute (RUSI) واخبرهم بان الشيخ حمد يدعوكم لعقد اجتماع في البحرين العام المقبل، وسوف يدفع للاعضاء تذاكر السفر والاقامة! لماذا هذه الاستعراضات الرخيصة؟ لماذا هذا الاستقواء بالخارج ضد اهل البحرين؟ لماذا تشتم ابواق العائلة الخليفية الحكومة البريطانية لمنحها بضعة من البحرانيين حق اللجوء السياسي، ثم يذهب الحاكم بنفسه ممثلا عن الملكة في اكاديمية سانت هيرست العسكرية؟ أي شعب حر يقبل ان يحكم بعقلية تتصرف بهذه الغطرسة واللامبالاة والاستعلاء؟ فأين الرجال القادرون على صنع المواقف، ليوقفوا هذا المتهور عند حده، ويحموا البحرين واهلها الاصليين (سنة وشيعة) من هذه التصرفات المراهقة والسياسات الخرقاء التي تمارس باسمه امام الملأ؟ لقد عاش بعض اليهود الذين قدموا من العراق بين ظهراني اهل البحرين عقودا، ولم يتعرض احد منهم لأذى، لماذا؟ لان في البحرين شعبا متحضرا يحترم الآخرين ويقريء الضيوف، ويحب الخير للجميع. وما فعله الشيخ حمد مؤخرا ليس تصرفا من هذا النوع، بل هو اجراء كيدي لاستدراج ردود فعل غاضبة تغضب الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني في امريكا. فمن الطبيعي ان يصدر عن اهل البحرين موقف غاضب تجاه اي قرار تعسفي يتخذه الحاكم بمفرده، متجاهلا الاجهزة الاخرى التي يسعى لتهميشها يوميا. هذا الموقف الغاضب لا ينطلق بخلفيات مذهبية او عرقية او قومية، بل بسبب ما ينطوي عليه من استخفاف بالناس وعقولهم، وما يعنيه من الغاء اي دور لاي شخص او جهة اخرى غير الحاكم.
الغضب يملأء قلوب الفقراء والمحرومين والضحايا. فقد اعتاد القتلة الخليفيون مصادرة حقوق أهل البحرين وكل ما يتصل بكرامتهم. وها هو وكيل وزارة الداخلية يهدد بتقديم دعوى ضد ضحايا التعذيب الذين تجرأوا على البوح بما حدث لهم في غرف التعذيب الخليفية. هذا البوق التافه أقل شأنا من ان يرفع قضية ضد اي من هؤلاء، لانه يعلم انه لن يخسرها فحسب، بل ستنقلب عليه ومن معه، لانهم يقرون التعذيب كممارسة روتينية ضد اهل البحرين، ويحمون من يمارسها بموجب القانون السيء الصيت رقم 56 للعام 2002. نتحداه وبقية المجرمين العاملين معه والمتقاعدين منهم ان يرفعوا قضية ضد الضحايا الذين يتهمونهم بممارسة التعذيب التي تعتبر جريمة ضد الانسانية. فعندما اطلق الضحايا شكاواهم، كانت اجسادهم تتكلم بالظلامة، وجراحاتهم لم تندمل بعد. المجرمون لم يكلفوا انفسهم عناء تشكيل لجنة محايدة للنظر في شكاوى الضحايا، بل يكتفون بالحديث عن “الاسرة الواحدة” التي يقتل كبارها صغارها”، فما اوهاها من عائلة! اية عائلة هذه التي يعيش كبارها في القصور ويملكون اكثر من نصف البلاد، بينما يعيش افرادها في الاكواخ؟ وأي استقرار يمكن ان يقوم على اشلاء الضحايا؟ ان اية تسوية لا يمكن ان تنجح الا اذا قامت على تطبيق العدالة، والعدالة تقتضي الاقتصاص من الظالم للمظلوم، وليس على اساس “عفا الله عما سلف” اي التغاضي عن جرائم التعذيب الوحشية، وحماية مرتكبيها وترقيتهم الى اعلى المناصب. ان اجراء كهذا لا يمكن ان يوصل الامر الى بر الامان، بل من شانه الاضرار بمصالح المظلومين لحساب الظالمين. وهيهات يقبل المظلومون بهذه القسمة الضيزى.
نعيش اتعس الايام في ظل هذا الحكم الباغي الذي لم يبق خطوطا بيضاء او حمراء الا وتجاوزها، ونحمل هما وكمدا ونحن نرى الصمت سيد الموقف، واللامبالاة عنوانا عريضا لوصف الكثير من المواقف. بل تتمزق أحشاؤنا ونحن نقرأ عبارات المديح والاطراء والتبجيل لأكبر طاغية حكم البحرين في تاريخها. وبين هذا الصمت واللامبالاة والمديح الرخيص، يرقص الحاكم على اجساد الشهداء، ويزبد ويرعد، ويهدد الناس بقطع الارزاق. فأين همم الرجال؟ وأين اصرار الاشاوس من ابناء اوال؟ اين من يهمهم امر هذا الدين وأهله، وشأن البلاد وسكانها من هذه الجرائم التي تتواصل بدون انقطاع؟ أين من يرفع راية الظلامة ويعلي صوته بالاستغاثة لعل اصداءها تصل الى آذان البشر الآخرين فينبرون لدعم اهل الحق في ارض اوال المغتصبة. برغم هذا الغم والكمد، ينتابنا الشعور بالامل، وان الليل المظلم يعقبه فجر باسم يطوي الظلام ويقضي على خفافيش الليل ولصوصه وكلابه ووحوشه، وما ذلك على الله بعزيز.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين