أسرى محررون، وآخرون مرتهنون، وأحرار لن يتوقفوا عن مقاومة الظلم
دورة اخرى من الصراع وصلت الى نقطة الصفر باطلاق سراح سجناء الرأي المظلومين، بناء على أمر من الحاكم الذي اختصر البلاد في شخصه وزعامته وصلاحياته. فلا صوت يعلو فوق صوته، ولا قرار الا له، ويخطيء من يظن ان بامكانه اصدار قرار او قانون غير ما يريده هذا الحاكم الذي يتحول تدريجيا الى صنم يعبد من دون الله، وطاغية آخر من طغاة الامة الذين أشاعوا الفساد والظلم والقهر والاستبداد في اوساطها. عدد من العوامل ساهم في ارغام طاغية البحرين على اصدار امره باطلاق سراح هؤلاء.
اول هذه العوامل صمود شعب البحرين البطل، وتحديه السافر للاحتلال الخيفي المقيت، الذي بدأ يفوق في شروره الاحتلال الصهيوني لفلسطين والاحتلال الامريكي للعراق، وذلك بسعيه ليس للهيمنة على الارض بل لاستبدال شعبها بآخرين جاء بهم من اقاصي الأرض.
ثانيها: الضغط الدولي بفضل جهود ثلة من النشطاء داخل البلاد وخارجها. فبالاضافة الى ما يمارسه النشطاء البحرانيون داخل الوطن المحتل، فقد نجم عن نشاط الصامدين في الخارج الى طرح اول مشروع من نوعه في مجلس الشيوخ الامريكي يشجب النظام الخليفي بشكل لم يسبق له مثيل، ويؤكد فشل “السفيرة اليهودية” التي عينت لاغراض دعائية هابطة من قبل العائلة الخليفية الظالمة. وجاء البيان الصادر عن حزب الاحرار الديمقراطيين في بريطانيا ورفع الشكوى ضد الشيخ حمد لدى المقرر الخاص حول نشطاء حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، ليبدأ مشروع تدويل قضية البحرين بعد ان اصبح شعبها معرضا للابادة على ايدي هؤلاء الطغاة.
ثالثها: بروز ملامح واضحة لفشل مشروع الشيخ حمد السياسي بدأت بتهميش مجالسه الصورية جميعها، وعدم فاعليتها بشكل كامل. فالمجالس البلدية لم توقف سلب اراضي البلاد او مواجهة سياسة تشجيع بيعها على الاجانب، ولم يكن لها اي دور في مناقشة المشاريع الكبرى التي تفرضها العائلة الخليفية على البلاد ومنها ردم الاراضي البحرية ما لذلك من آثار مدمرة على البلاد والعباد (المدينة الشمالية وخليج توبلي وشواطيء البلاد التي احتلت من قبل رموز العائلة الخليفية). اما مجلس الشورى بشقيه المنتخب والمعين، فقد فشل هو الآخر في اضفاء الشرعية على الاحتلال الخليفي، ولم يستطع ان يحل مشكلة واحدة من المشاكل العويصة الناجمة عن هذا الاحتلال، ومنها الاعتراف بوجود شعب البحرين كشريك سياسي، او وضع دستور تعاقدي بدلا من دستور الشيخ حمد السيء الصيت، او وقف التجنيس الهادف لتغيير التوازن السكاني في البلاد.
جاء قرار اطلاق سراح الاسرى بعد ان اتضح للحاكم وزبانيته، انهم ان لم يطلقوهم بدون قيد او شرط، فسوف يرغمون على اطلاق سراحهم لاحقا بأساليب اخرى أكثر اهانة لهم، وقد رأوا كيف أرغم الصهاينة على اطلاق سراح اللبنانيين بطريقة مهينة لنظام الاحتلال. فما دام في البلاد احرار يناضلون ضد الاحتلال الخليفي، فلن يكون بامكان هذا الاحتلال فرض هيمنته. وتجدر ملاحظة ان تكرار مصطلح الاحتلال ليس من قبيل التطرف واللاواقعية، بل بلحاظ عدد من الامور: اولها ان الشيخ حمد يمارس حكمه كمحتل وليس كمواطن، وذلك برفض اشراك شعب البحرين في كتابة دستوره الذي كتبته أيد أجنبية (كتبه المصري رمزي الشاعر ولم يجري استشارة الشعب حوله و لم يتم اي استفتاء بشأنه). ثانيها: ان الطريقة التي تتعامل بها العائلة الخليفية مع شعب البحرين من الهيمنة على الاراضي البرية والساحلية والمستصلحة، لا يعكس روحا وطنية بل يؤكد سياسة لا يمارسها الا المحتلون. ثالثها ان نهب اموال البلاد وخيراتها خصوصا المدخولات النفطية يمثل جانبا من عقلية احتلال ولا يعكس روحا وطنية تساوي بين المواطنين في العطاء.
رابعها ان اصرار الشيخ حمد على مواصلة مشروعه الذي كشف عنه تقرير البندر، والذي يتضمن تغيير التركيبة السكانية، امر لا يمكن ان ينجم الا عن عدو محتل. خامسها ان اصرار الشيخ حمد على حماية المعذبين وسراق المال العام واصدار مراسيم بذلك تأكيد لعدم شعوره بالظلامة التاريخية المتعمقة في نفوس اهل البحرين وضحايا التعذيب وعائلات الشهداء. فقد رفض حتى الآن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في ما جرى من اعتداءات سابقة على عهده وما يجري من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وممارسة التعذيب على اوسع نطاق والقتل خارج القانون، وبالتالي فقد اثبت مجددا انه يتصرف كطرف خارجي منفصل عن البحرين وشعبها.
ان قرار الافراج عن الأسرى البحرانيين المرتهنين في سجون الاحتلال الخليفي، خطوة صغيرة فرضتها العوامل التي تمت الاشارة اليها، ولا تعكس تغيرا في سياسات الشيخ حمد التي تفوقت في شرورها واستبدادها على سياسات اسلافه، وجعلته يبرز كواحد من أشرس الحكام الخليفيين الذين تربعوا على كرسي الحكم منذ ان دنست اقدامهم ارض اوال الطاهرة. وسوف يظل هذا التدنيس مستمرا، ولن تطهره قرارات تفرضها الضغوط الداخلية والخارجية، وترغم رموز الحكم على اتخاذها بعد ان تكون خياراتهم الاخرى أسوأ عليهم وعلى حكمهم، وبعد ان تفشل كافة سياساتهم في استمرار التضليل والتشويش، كما حدث الآن. ويلاحظ ايضا ان الحاكم الطاغية لم يفرج عن جميع الاسرى وذلك ضمن استمرار سياسة التنكيل والتهميش للقوى المجتمعية الفاعلة. وهكذا تبدأ مسيرة الصراع التاريخي المحتدم بين اهل البحرين والطغمة الخليفية دورة جديدة، لان الحاكم يصر على رفض طي الصفحات السوداء للحقبة السالفة، لان ذلك اعتراف بوجود شعب البحرين الذي يسعى لمحوه من خلال المخطط الشرير الذي كشف عنه تقرير البندر.
وما يزال عهد الشيخ حمد مرتكزا على عدد من الاشخاص ذوي الصيت القبيح في الاوساط البحرانية مثل وزير ديوانه، خالد بن أحمد آل خليفة، ورئيس المخطط البندري المقيت، أحمد عطية الله آل خليفة، شقيق المعذب المعروف، عبد العزيز عطية الله آل خليفة، بالاضافة الى عدد من الابواق الناعقة في وسائل اعلامه، ومجالسه الصورية. وبهذا لا يمكن القول الا ان النضال الوطني التاريخي ضد الاستبداد الخليفي سوف يتواصل بعون الله، بوتيرة أشد وأصرار أقوى وعزائم لا يفلها الارهاب الخليفي. اننا نستمد العون من الله سبحانه على هذه الطغمة الفاسدة، ونشد على ايدي المجاهدين الابطال سواء الذين يرزحون في أقبية السجون وزنزانات التعذيب الخليفية، ام النشطاء في سجن الوطن الكبير، ام الاحرار الذين يتحركون خارج الحدود مستغيثين بذوي الضمائر الحية لانقاذ شعب البحرين من براثن هذه الطغمة الظالمة، التي ندعو الله سبحانه ان يعجل في زوالها بعد ان كادت للبحرين واهلها السوء والمكر والكراهية والحقد والضغينة، انه على كل شيء قدير، فهو نعم المولى ونعم النصير.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين