ذكرى استشهاد نوح: لقد عاثوا في الارض فسادا، فمتى يرحلون؟
برغم ستة عقود من النضال المناهض للتعذيب، ما تزال هذه الجريمة ممارسة يومية في الكثير من السجون العربية. وتبرز البحرين في الوقت الحاضر كأبرز مثال لهذه الممارسة الاجرامية التي لم تعد خافية على أحد، والتي لم تفلح ابواق النظام وعملاؤه في اخفائها او منع انتشار الانباء بشأنها. وتأتي افادات الضحايا في المحاكمات الصورية التي تعقد برئاسة رموز النظام الخليفي المقيت، لتؤكد فشل النظام الخليفي في الالتزام بمقتضيات العهود والمواثيق الدولية التي وقعها تحت ضغط الانتفاضة الشعبية المباركة في التسعينات.
وكان الشيخ حمد قد أسس عهده الأسود باقرار التعذيب علنا من خلال ثلاثة اجراءات: اولها ترقية المعذبين المشهورين في المرسوم الاميري الذي اصدره في نهاية شهر مارس 2001، عندما منح اعلى الاوسمة لرموز التعذيب وفي مقدمتهم ايان هندرسون، وعادل فليفل وعبد العزيز عطية ا لله وخالد المعاودة. ثانيها: اصدار القانون السيء الصيت، رقم 56 للعام 2002 الذي وفر غطاء قانونيا لمنع مقاضاة اولئك المعذبين بما اقترفوه من جرائم بحق ابناء البحرين. وبرغم اعتراض الجهات الحقوقية الدولية ومن بينها لجنة مكافحة التعذيب، فان الشيخ حمد وزبانيته يصرون على حماية اولئك المجرمين، ويمنعون ابواقهم الاعلامية من التعرض لمرتكبي جرائم التعذيب. وفي الوقت نفسه فقد استغلت العائلة ا لخليفية السارقة وضع اليد على اموال الشعب واستغلالها بشكل سيء، بشراء مواقف بعض موظفي الجهات الحقوقية المرموقة في مقابل صمتهم على ما يجري في البحرين من جرائم التعذيب، او على الاقل، التقليل من اهتمام منظماتهم بها. ثالثها: تعميم ممارسة التعذيب ليس في السجون فحسب، بل حتى في الشارع، فما ان يعتقل مناضل يعارض الاستبداد الخليفي، فانه سرعان ما يتعرض للتعذيب المبرح قبل ان ينقل الى زنزانات التعذيب. لقد اصبح الشيخ حمد ونظامه أكثر ممارسة للتعذيب من اي نظام عربي آخر، وبالتالي، اصبح من الضروري توجيه الانظار الدولية لما يجري لأهل البحرين من تعذيب على أيدي عملاء النظام الخليفي المحتل.
في الفترة الاخيرة تواترت الانباء عن تعرض العشرات من سجناء الرأي للتعذيب. فبعد ان جهر اشخاص مثل حسن عبد النبي، وميثم الشيخ وغيرهما بما تعرضا له من سوء معاملة في غرف التعذيب الخليفية، شعر الباقون بقدر من القوة شجعتهم على الادلاء بشهاداتهم علنا خلال المحاكمات الصورية، واعلنوا بلسان واضح انهم تعرضوا للتعذيب وطالبوا بالتحقيق. ولكن العائلة الخليفية رفضت ذلك، وامرت قضاتها بتجاهل صيحات السجناء، والتركيز على “الجرائم” التي ارتكبها المواطنون التي تمثلت برفع الصوت العالي للمطالبة بقدر من الحرية والممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان. يضافى الى ممارسة التعذيب وراء القضبان، فان ما يتعرض له المواطنون عندما يخرجون في احتجاج سلمي الى الشارع، لا يقل خطرا وانتهاكا للحقوق عما يحدث بمباضع الجلادين داخل غرف التعذيب. ولا يمكن ان تمحى من ذاكرة الوطن جرائم قتل نوح خليل آل نوح، ومحمد جمعة الشاخوري ومهدي عبد الرحمن وعباس الشاخوري وعلي جاسم، فقد قضى هؤلاء جميعا شهداء برصاص الغدر الخليفي، ولم الذين ارتكبوا جرائم قتلهم. وتجدر الاشارة الى ان الذكرى العاشرة لاستشهاد نوح خليل آل نوح الذي استشهد يوم الاثنين 21 يوليو 1998، ستحل قريبا، ومن الضروري احياؤها بما يليق بمقام الشهيد. فقد قضى الشهيد بعد ان مزقت مباضع الحقد الخليفي جسده بدون رأفة. وتبين لاحقا ان مرتكبي الجريمة كانوا من فرق الموت التابعين للحاكم الحالي. وقد اعترف النظام بقتل الشهيد في رسالة جوابية لاستفسار من الخارجية البريطانية آنذاك. قضى الشهيد نوح في غضون يومين من اعتقاله، قضاها بين أيدي كلاب آل خليفة التي نهشت لحم جسده، فكان ذلك لعنة عليهم وعلى وجودهم الشرير على ارض اوال الطاهرة.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه الاصوات هذه الايام ضد التعذيب، مطلوب من القوى الوطنية ان تكون اكثر وضوحا في الموقف، وعدم الاكتفاء بالتنديد المجرد من الوقائع والشواهد. فالنظام لا يعترض على الرفض النظري للتعذيب، ولكنه يتأثر جدا عندما يطالب باتخاذ اجراءات ضد مرتكبي تلك الجرائم، مثل عبد العزيز عطية الله آل خليفة وخالد المعاودة وهندرسون وفليفل. كما انه يرفض التصديق على معاهدة منع التعذيب، ويصر على الرفض الاعلامي للتعذيب بدون ان يكون لذلك أثر مانع داخل غرف التعذيب. كما انه لا يبالي بما يحدث لأهل البحرين من ظلم على ايدي جلاديه. فها هو المواطن مجيد القطان يرزح على سرير المستشىفى بعد اجراء عملية جراحية في الرأس لعلاج آثار طلقة مطاطية اطلقها احد عناصر فرق الموت التي يديرها خالد بن أحمد آل خليفة، وزير ديوان الشيخ حمد. فأين لجنة التحقيق في هذه الجريمة الفظيعة؟ وما الذنب القانوني الذي اقترفه هذا المواطن بمشاركته في ندوة تطالب بتنحية رئيس الوزارء و بالاصلاح السياسي في البلاد؟ والأخطر من ذلك هذا التحريض الخليفي الحاقد ضد البحرانيين اينما حلوا. فهو يحرض الحكومة البريطانية بشكل متواصل ضد اللاجئين البحرانيين الذين فروا من جحيم الاحتلال الخليفي، ويضغط بشكل منتظم على السفير البريطاني في المنامة معتقدا ان بامكان الحكومة البريطانية التصرف خارج اطار القانون كما يفعل رموز آل خليفة. ويحرض ضد البحرانيين عندما يسافرون الى دول الخليج الاخرى، فالكويت ما تزال تمنع بعضهم عندما يصلون حدودها، ويصرح مسؤولوها ان المنع جاء من النظام الخليفي. ولا يمكن فهم احتجاز المواطنين البحرانيين الثمانية في السجون السعودية الا انه تنفيذ لطلب من النظام الخليفي الحاقد بالتضييق على البحرانيين اينما حلوا. فآل خليفة يقطرون حقدا على كل ما هو بحراني، ابتداء بالبشر مرورا بالارض وبيئتها، ووصولا الى التاريخ والثقافة والدين. انه ليس احتلال عاديا بل من النوع الذي يهدف لتغيير ثقافة البلد وتشويه تاريخها، ورفض الاعتراف بكل ما سبق تاريخ العدوان الخليفي على ارض اوال. انها محنة مركبة، تتواصل فصولها، وتتداخل معطياتها، ولكنها واضحة المعالم والاتجاه. لقد بدأ شعبنا يدرك تدريجيا انه يخوض حرب تحرير من احتلال غاشم، لا يوفر الارض ولا من عليها ولا ما يرتبط بها من تاريخ وثقافة وقيم وأخلاق. وبالتالي يزداد الوضع تعقيدا، ولكنه لا يستحيل على الحل، ما دامت هناك قلوب يقظة وأفئدة واعية وضمائر حية. انها حرب وجود، وهكذا يراها الطرفان. وستظل كذلك حتى تتحرر أرض اوال من هذا الكابوس الثقيل الذي طال بقاؤه ضيفا غير مرغوب فيه، ينتظر أهل البلاد رحيله بفارغ الصبر.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.