الجميع مطالب بموقف مبدئي بعد الاعتداء على سماحة الشيخ عيسى
في السابع من يناير 1978 نشرت صحيفة “اطلاعات” الايرانية مقالا لوزير الاعلام الايراني، داريوش همايون، هاجم فيه الامام الخميني رحمه الله بعنوان “الامبريالية الحمراء والسوداء” ووصفه بنعوت مشينة. فماذا كان موقف أتباع الامام؟ في البداية خرجت مسيرة من اربعة آلاف من طلاب العلم في مدينة قم تطالب بسقوط نظام الشاه، باعتباره المسؤول عن الوضع في ايران، وتم تجاهل الوزير، لانه لم يكن الا اداة بأيدي الطاغية.
تلك المسيرة تعرضت لاعتداء شرس من قوات الشاه وسقط فيها عشرات الشهداء. كان ذلك البداية الجدية للثورة التي تكللت بسقوط نظام الشاه الى الأبد. هذا ما يستحقه الطغاة عندما يدفعون عبيدهم للتعرض للعلماء والقادة والاحرار. وما يحدث في البحرين هذه الايام لا يختلف في جوهره عما حدث في ايران قبل ثلاثين عاما. فلم يبق في بلدنا شيء مقدس، بل اصبح النظام الخليفي البغيض يستهدف كافة المقدسات التي يؤمن بها شعب البحرين، ابتداء باستهداف هويته وانتمائه الديني، وتاريخه وثقافته, ووحدته الوطنية وصولا الى الاعتداء على العلماء الكبار. وما الاعتداء الاخير الذي شنه جاسم السعيدي ضد سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم، الا حلقة في هذا المسلسل الذي لن يوفر أحدا ما دام الصمت سيد الموقف. فما هو “الجرم” الذي ارتكبه سماحة الشيخ عيسى والذي أغضب الحكم الخليفي فسلط جلاوزته ضده؟ سماحة الشيخ بدا متأثرا كثيرا بما يتعرض له الأبرياء من أبناء البحرين من تعذيب وحشي في زنزانات التعذيب الخليفية، خصوصا بعد تواتر الانباء عن ذلك، ورفض القضاة الخليفيين تشكيل لجان مستقلة للتحقيق في ذلك التعذيب. ان قصص التعذيب هذه أصبحت تقض مضاجع المواطنين كافة، في ما عدا عبيد العائلة الخليفية، خصوصا الذين يدافعون عنهم امام الرأي العام الدولي. وان ما حدث في جنيف في السنوات الثلاث الاخيرة من تقديم شهادات زور على ألسنة بعض الاشخاص الذين كانوا محسوبين يوما على الطرف المظلوم من ابناء اهذا الشعب، دفاعا عن نظام التعذيب الخليفي، وتكذيبا لشهادات الضحايا، أصبح يتحول تدريجيا الى حالة غضب داخلية في نفوس المواطنين.
ان جاسم السعيدي ومحمد خالد لم يطرحا ما طرحاه لو لم يشعرا بحماية رسمية وقبول من الحاكم وعصابته، وبالتالي فمن الخطأ الانشغال بهما، لأسباب عديدة. اولها ان ذلك جزء من خطة الحكم الذي يسعى لاشعال نار الفتنة بين ابناء الوطن الواحد على اساس الانتماء المذهبي، وهذا ما يجب رفضه وافشاله. ثانيها: ان الفاعل الحقيقي ليس هؤلاء العبيد، بل النظام الذي شجعهم على ذلك. ثالثها: ان الاعتداءات على العلماء والقادة والاحرار لن تتوقف حتى لو غاب هذان الشخصان عن المسرح، ما دام النظام يمتلك وسائل الضغط وتوظيف المزيد من العبيد والجلاوزة بدلا عنهما. رابعا ان ما هو متوفر من طاقات شعبية لا تتحمل الهدر بتوجيهها نحو اهداف وهمية، وان الحكمة تقتضي التصدي الحقيقي للنظام، بأساليب سلمية على رأسها المقاومة المدنية التي تبدا برفض دستوره المفروض على البلاد بالقوة، والانسحاب من مجالسه التي اصبحت مجالس تؤجج الفتن، ولا تحقق شيئا مما يتطلع اليه شعب البحرين من استقلال وحرية. ولم يعد خافيا على أحد ان السنوات الاخيرة وفرت للنظام فرصة ثمينة لتسويق نفسه دوليا بانه نظام ديمقراطي، و ان اغلبية المواطنين راضون عن النظام، في ما عدا فئة صغيرة. هذا ما يروجه الحكم الخليفي من خلال شبكة واسعة من العملاء والمرتزقة في الداخل والخارج. ولم يعد خافيا الآن ان مقولة “تقليل الضرر” لم تتحقق، اذ اصبحت مجالس الشيخ حمد تكرس كل هذه الظواهر السلبية وتضعف تدريجيا ارادة التغيير لدى المواطنين. ففي ظل هذه المجالس، تم تهميش الغالبية الكبرى من المواطنين سواء في الدوائر الانتخابية ام المناصب الوزارية. ويكفي الاشارة الى ان التشكيلة الوزارية الاخيرة اشتملت على 29 وزيرا (من ضمنهم اربعة مناصب بدرجة وزير)، خصص 17 منصبا منها لأفراد العائلة الخليفية، فما هذه الديمقراطية؟ وأين العدل والمساواة فيها؟
وكما يقال، فرب ضارة نافعة. فما أكثر الجرائم التي ارتكبها النظام وعبيده وجلاوزته منذ توقف الا نتفاضة المباركة قبل عشرة اعوام. فقد استمر قتل المواطنين بدون حق، ولم تشكل لجنة واحدة للنظر في ظروف استشهاد نوح خليل أل نوح، او محمد جمعة الشاخوري، او مهدي عبد الرحمن، او عباس الشاخوري، او . وفتحت ابواب نزانات التعذيب مجددا للأحرار، واصبحت اعدادهم في تزايد مستمر حتى تجاوزت السبعين مظلوما. وازدادت وتيرة الفقر، وحرم المواطنون من الزيادات الهائلة في مدخولات النفط، ومن السكن المناسب بعد ان استحوذ نظام الشيخ حمد على تلك العائدات وعلى الاراضي البرية والبحرية. وتم تجنيس عشرات الآلاف من الاجانب، بينما حرم ابناء البلاد منها. وهناك الآن مقولات يرددها النظام بشكل منتظم، منها انه ليس هناك سكان اصليون في البحرين، بل اننا جميعا مجنسون، في محاولة لقلب حقائق التاريخ، ومقولة “الاقلية الشيعية”. انها ليست مقولات مجردة، بل تصدقها الممارسات في التعيينات على كافة المستويات. كل ذلك يحصل في ظل “المشروع الا صلاحي” الذي ما برح البعض يطالب المواطنين بدعم الشيخ حمد لانجاحه. أليس نجاح هذا المشروع، في ظل هذه المعطيات، إنجاح المشروع الطائفي البغيض وتنفيذ المشروع الذي اوضحه الدكتور صلاح البندر في تقريره؟
ربما صدمت تصريحات السعيدي ومحمد خالد المقيتة بحق سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم، حفظه الله، الكثيرين، ولكن من كان يتابع نمط التطور السياسي والطائفي والسكاني في البلاد، كان يتوقع ذلك، فلم تعد هناك قداسة لأي رمز يمثل امتدادا لتاريخ البلاد او ثقافتها او دينها. وما يبدو من “حرية” متاحة في بعض المساجد فانما هي حالة مؤقتة رثيما يكتمل تنفيذ “المشروع الاصلاحي” لان التعرض المباشر لها قد يعوق اكتمال ذلك المشروع التخريبي المقيت. ولعل الاعتداء على سماحة الشيخ عيسى، مؤشر لاكتمال تنفيذ المشروع، وان الوقت قد حان لـ “تقليم” اجنحة العلماء والرموز. وليس مستبعدا ان تكون الخطوة المقبلة استهداف الرموز السياسية والنشطاء بأساليب خبيثة، كالتسقيط الاخلاقي او الاستهداف الامني والسياسي. انه مشروع خبيث مدمر، يجب مقاومته وافشاله. ومن الحكمة توجيه التحرك السياسي الحالي والمشاعر الغاضبة بسبب التعرض للعلماء، باتجاه توحيد الصف الوطني لفرض تغيير حقيقي يغير هذا الواقع المر. ان هذا التغيير سوف يلجم هذه الافواه ويعيد لأهل البحرين (شيعة وسنة) حقوقهم المسلوبة، وسيادتهم على ارضهم وتحجيم الهيمنة الخليفية التي تتكثف مع استمرار سياسات الصمت و المجاملة والسعي لتثبيت “هيبة الدولة” التي لا تعنيى الا تثبيت هيمة آل خليفة على البحرين وأهلها. وحذار من التصريحات المتوقعة من رموز النظام قريبا لتهدئة الخواطر واحتواء الموقف، فانها تصريحات لا تعني شيئا ما دام المخطط الخليفي المدمر مستمرا.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين