امرأة نطقت باسم الشعب، وأخرى ضده
مشهد المرأة الكرزكانية وبيديها سلة من الحجارة لتقذفها على الاعداء قد لا يتكرر كثيرا، ولكنه يعبر عن حالة الحقد والكراهية لهذا النظام الفاشي الجاثم على صدور شعبنا في هذه الجزر المعذبة. انها صورة لها دلالات بدون حدود: الشعور بالمسؤولية عندما ينعدم شعور الآخرين بها، الاحساس بواجب حماية الوطن من اعدائه، اولئك المرتزقة الذين امتهنوا الشر واصبحوا العوبة بايدي الشياطين، الاصرار على اداء الواجب بعد ان تعمق الشعور بان الكرامة تمتهن وان الحق يضيع، وان الحماة غابوا والقلوب تكلست، والضمائر ماتت.
انها صرخة باسم الشعب ضد الطغاة المحتلين الذين دنسوا أرض أوال، وتعبير عن “الحل النهائي” الذي يتم اللجوء اليه عندما تفشل الاساليب الاخرى، ضد الفاشية والطائفية والقبلية والاحتلال. صرخة من ارض كرزكان الباسلة التي يرزح ابناؤها في اقبية سجون الحقد الخليفي المدمر الذي لم ولن يشعر يوما بالانتماء الى هذا الوطن وأهله. امرأة واحدة باحدى يديها سلة الحجارة، وتقذف بالاخرى قوات المرتزقة الذين جاء بهم الخليفيون من اقاصي الارض للاعتداء على رجال أوال ونسائها وشرفها وتاريخها. اولئك الانكشاريون لن يفلحوا في تحقيق مآربهم ما دام في هذا الوطن مثل هذه المرأة الكرزكانية التي تكلمت عندما صمت الرجال، وتحركت حين خمدت أنفاس الآخرين. الحجر سلاح فاعل بوجه البندقية والرصاص، كما هي العباءة التي تخفي تحتها شرفا وحشمة وعفة وكرامة، الحجر هو ما تبقى من السلاح لدى هذه المرأة الحرة التي تمارس دورا زينبيا بوجه يزيد وجلاوزته ونظام حكمه التوارثي العفن، وتخاطب الطاغية بلسان عربي مبين: فكد كيدك، واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميث وحينا، وهل رأيك الا فند، وأيامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين”. ستحل اللعنة على هؤلاء الظلمة لانهم انحرفوا عن خط العدل وفقدوا الرأفة والرحمة، وتسابق جلادوهم للانتقام من اهل البحرين بدون وازع من دين او ضمير.
كيف لا تحمل هذه المرأة حجرا ترمي به جحاف الأعداء وهي التي رأت قبل يومين تسعة عشر من ابنائها أسرى يساقون امام محكمة خليفية تفتقد أدنى مقومات الانسانية، وتنتمي الى عالم الغاب والوحوش، وتهدف لكسر ارادة الشعب الصامدة التي ما برحت تقض مضاجع الظالمين والمحتلين. رأتهم وأجسادهم تترنح متعبة من التعذيب الوحشي الذي نالهم منذ اعتقالهم الظالم قبل بضعة شهور. تحدثت اجسادهم عن المعاناة قبل ان تنطق أفواههم لتقدم شهادة تاريخية على مسمع الزمن، وتخاطب ضمائر العالم للتدخل لوقف هذا العدوان الوحشي من قبل هذه العصابة المجرمة التي ترعى التعذيب والارهاب وتهدف للقضاء على هذا الشعب المظلوم بأبشع الوسائل وأوسخها. المرأة الكرزكانية صك سمعها ما نطق به ضحايا التعذيب الخليفي، الواحد تلو الآخر، في “محكمة” يتزعمها قضاة بدون ضمير او انسانية، فهم وحوش تقمصوا ثياب البشر، عاشوا ليأكلوا اموال الناس بالباطل، ويلعقون قصاع الخليفيين الظالمين، ويقننون تعذيبهم وارهابهم، فما أتعسهم من بشر يعيش ميتا بدون انسانية او ضمير. تلك المرأة ربما استمعت تلك الشهادات التي تحدثت عن الضرب المبرح والتعليق من مراوح السقف، والصعق الكهربائي والاعتداء الجنسي والضرب المبرح على كافة انحاء البدن خصوصا الاعضاء الحساسة لديهم. تلك الشهادات تفوه بها ابناء البحرين، ولكن “القضاة” آثروا ان لا يسمعوها، لانعدام انسانيتهم وموت ضمائرهم، فلعنة الله على تلك الاجساد الخائرة والقلوب الميتة والنفوس المتوحشة، وطوبى للنفوس الكبيرة لدى اولئك الابطال ومنهم: حامد ابراهيم فردان، حسين محمد علي خاتم، حسين عبدالكريم مكي عيد، السيد عمران حميد عدنان، قاسم محمد خليل، السيد جواد حميد عدنان، السيد صادق سيد ابراهيم، فاضل عباس علي، والسيد أحمد حميد عدنان، حسين عباس علي، حبيب محمد حبيب، حبيب أحمد حبيب، فاضل عباس عاشور، صادق جواد الفردان، محمد مكي منصور، عبدالله جمعة عبدالله، ابراهيم صالح الشيخ، كميل أحمد علي مهدي. وقف هؤلاء شامخين كالجبال، أبطالا كالأسود، بوجه عملاء النظام وقضاته وجلاوزته ليعلنوا للعالم تفصيلات مثيرة حول الارهاب الخليفي الذي يمارس وراء القضبان بحق ابناء البحرين. فكان المسرح مهيأ لمحاكمة المجرمين الحقيقيين. وقف ضحايا التعذيب يحاكمون جلاديهم ويسجلوا انتصارا نفسيا عليهم، فما أقوى شكيمتهم وعزمهم وشممهم، أوليسوا فروع تلك الشجرة الباسقة التي غرس فسيلتها صعصعة وزيد وميثم وهاشم؟
ما أضعف النظام الخليفي وأوهاه. انه يعتقد ان “تذاكيه” سوف يشفع له عند السادة الكبار في واشنطن ولندن. فها هو يعلن عن تعيين مواطنة يهودية سفيرة له لدى امريكا. فماذا يهدف من ذلك؟ أيريد ان يقول انه يحترم الاديان؟ فأي دين يعترف به من يمارس التعذيب ضد الآدميين؟ وأي دين هذا الذي يجيز له ابادة شعب اصيل كامل؟ أيريد ان يقول للامريكيين: عاملوني كما تعاملون الاسرائيليين، لانني امارس بحق أهل البحرين ما يمارسه الاسرائيليون بحق الفلسطينيين من قمع وابادة وتغيير ديمغرافي؟ ام انه يرتعش من أثر نشاط المعارضين في الخارج الذين استطاعوا ايصال قضيتهم الى مواقع متقدمة في تلك البلدان؟ ام انه يشعر بعقدة النقص فيتظاهر بالاهتمام باليهود طمعا في دعم اللوبي اليهودي في امريكا؟ ان شعبنا لا يميز بين ابنائه، شيعة أم سنة، مسلمين ام يهودا. ولكن كان على السفيرة اليهودية ان ترفض ان تستعمل اداة دعائية ضد أهل البحرين، وان لا تقبل بهذا المنصب لانه لا هدف له سوى ذلك. كان عليها ان تدرك انها استعملت قبل ذلك اداة لتمرير قوانين القمع والارهاب عندما قبلت بعضوية مجلس الشورى الذي عين الحاكم افراده وفق حسابات غير شريفة، وكانت، كبقية اعضاء المجالس الصورية للعائلة الخليفية، بوقا للنظام في مقابل المنصب والمال. فأين القيم الانسانية من كل ذلك؟ انها خطوة خببثة ماكرة من النظام الخليفي، ولكن ما قيمة المكر والتذاكي والتضليل؟ والله سبحانه وتعالى يقول: ولا يحيق المكر السيء الا بأهله”. اننا واثقون من حتيمة نفاذ القوانين الالهية التي تتضمنها الآيات القرآنية الشريفة، والخسارة المحتومة للظالمين والماكرين والسارقين والمستبدين والقاتلين والمعذبين. وما ذلك على الله بعسير.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين