القانون الجائر أخطر من غياب القانون
اثبتت التجربة البحرانية ان غياب القانون احيانا أفضل من وجود قانون جائر. ففي الحالة الاولى يفرض منطق التوازن نفسه على الوضع، فتتعادل الحظوظ، وتتساوى الفرص الى درجة ما. وفي المجتمع البحراني لا يعني ذلك غياب القيم والمباديء والاخلاق التي تحكم سلوك الناس عادة، والتي تعتبر هي “القانون” البديل لما يضعه المشرعون. اما عندما يفرض القانون السيء فانه يؤدي الى الظلم والاجحاف، ويكون أداة بيد السلطان، يقمع به من يعارضه، ويستبد به، ويسرق وينهب، ويمارس الظلم على أوسع نطاق. من هنا كان اعتراضنا على الوثيقة التي فرضها الحكم الخليفي في 2002 على اهل البحرين.
فهي وثيقة ظالمة أدت الى وضع سياسي وطائفي مقيت، وكرست استبداد الحاكم، وشرعنت النهب والقمع، واصبحت اداة لفرض القوانين الارهابية كقانون التجمعات وقانون الارهاب وقانون المولوتوف وقانون الصحافة، وكلها موجهة لتكريس الظلم الذي يعاني منه اهل البحرين على ايدي هذه العائلة المحتلة التي ما فتئت تظلم وتستبد وتقهر بما لديها من سلطان. الوثيقة السيئة الصيت المذكورة هي التي تحول المجرمين الى أبطال، وتحمي القتلة والسفاحين والمعذبين، وتوفر لسراق المال العام الغطاء السياسي والقانوني لتسهيل جرائمهم، وتحول جريمة الاعتقال التعسفي لشباب البحرين ونسائها واطفالها الى “اجراءات قانونية”، وتجعل اعتقال طفل مثل السيد نجل السيد عقيل الساري الذي لا يتجاوز العاشرة من العمر، امرا مشروعا، والاعتداء غير الاخلاقي على عقيلة الشيخ علي بن أحمد الجدحفصي أمرا مقبولا، لا يثير مشاعر الآخرين ممن يعنيهم الامر. ان هذه القوانين تكرس مقولة تحريم الثورة ضد السلطان الجائر، وتجرم العمل المناهض للظلم، وتحول البشر الى ارقام بدون قيمة، والى بهائم لا يهمها الا الماء والعلف.
لقد دخلنا عهدا جديدا يجعل بطن الانسان محور الحركة السياسية، بعيدا عن مقولات الحكم الشرعي والنظام العادل واقامة شرع الله، والذود عن دينه. لقد تمكنت تلك “القوانين” الجائرة من ضرب المشروع الاسلامي في صميمه، فلم يعد هناك من يرفعه شعارا. هذه القوانين التي عارضناها ورفضنا الانصياع لها ودعونا لمقاطعتها، هي التي كرست مقولة “قولوا ما تشاؤون، ونفعل ما نشاء”. هذه المقولة لها مصاديقها العملية الكثيرة. فعندما قرر مجلس الشيخ حمد قبل اربعة اعوام بان فتح مكتب تجاري لـ “اسرائيل” في المنامة، امر مرفوض، وضعه الحاكمون على الرف، فمر كأن لم يكن. وعندما اعترض هذا المجلس الصوري الكسيح على دعوة المغنية اللبنانية هيفاء وهبي، لم يجد الحكم في ذلك الاعتراض ما يلزمه به، فأقيمت ليالي المجون لها بدون اي تردد او خشية من ردة فعل غاضبة. وعندما طرح في المجلس السابق مشكلة التجنيس السياسي، ورفعت اللجنة المخولة بذلك “توصياتها” للحد من تلك الجريمة، بادرت الحكومة بالرد اللاذع على كل تلك التوصيات، ولم تأخذ بواحدة منها ذات وزن.
وعندما قرر بعض اعضاء مجلس الشيخ حمد مساءلة المجرم الكبير أحمد عطية الله آل خليفة، أعد المسرح ليظهر منتصرا، وبالغ الحكم وعبيده في تكريمه امام الملأ، وكأنه بطل مظفر. فالعائلة الخليفية لا تشعر بانها ملزمة بأي شكل من الاشكال بما تقرره تلك المجالس الصورية التي تستخدم لأمرين اساسيين: اولهما الدعاية الاعلامية، وان البحرين لديها “برلمان” منتخب، وثانيهما: لتمرير ما تشاء من قوانين مهما كانت درجات قمعها وارهابها، وتوفير “الشرعية” لها. ولقد صدق الامام زين العابدين عليه السلام عندما قال لأبي مسلم الزهري وهو ينصحه بعدم العمل في انظمة الحكم الجائرة: “فما أقل ما اعطوك، في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك“.
وحتى هذه اللحظة لم يستطع أحد من المواطنين منع اصدار قانون قمعي واحد، الا من خلال المعارضة الجادة التي تعمل خارج الاطر الخليفية. فقد أرغمت العائلة الخليفية على الغاء قانون امن الدولة ومحكمة امن الدولة، وارغمت قبلها (في 1995) على السماح بزيارة ممثلي اللجنة الدولية للصليب الاحمر، لزنزانات التعذيب وأقبية السجون للمرة ا لاولى في تاريخ البحرين، وأرغمت، في ضوء ذلك، لادخال تغييرات على اوضاع السجون. ولولا الاستعجال لتمكن اهل البحرين من ارغام الحكم الخليفي على اعادة العمل بدستور البلاد الذي يتضمن الاعتراف بوجود شعب البحرين، في مقابل الدستور الخليفي الذي ألغى القائمون عليه هذا الشعب من حساباتهم، وسحبوا الاعتراف بوجوده كشريك سياسي، ولاستطاعوا الحفاظ على هوية البلاد التاريخية بعدم اقرار توزيع الدوائر الانتخابية، ولحجبوا الشرعية عن ذلك الدستور الجائر الذي لا يؤدي الا الى المزيد من الظلم والاستبداد واذلال المؤمنين وحماية المجرمين والمعذبين واللصوص.
نقول ذلك والامة تمر باوضاع صعبة نتيجة سياسات الحكام الديكتاتوريين الذين يعتمدون في وجودهم على الدعم الاجنبي وليس على دعم شعوبهم. وان ما يجري في لبنان اليوم يحمل مصاديق لعدد من الامور: اولها ما يمكن ان تذهب اليه انظمة الظلم من تآمر مع الاجنبي ضد المواطنين. وثانيها: انه لولا وجود قيادة ميدانية فاعلة، لا تتردد في الدفاع عن الحق والوطن، ولا “تتخفى وراء الرغيف” حسب ما جاء على لسان سماحة القائد المظفر، السيد حسن نصر الله يوم العاشوراء الماضي، لاستطاع العملاء تمرير مخططهم باسم القانون و “الحفاظ على هيبة الدولة” و “تطبيق القانون”، ولكان المؤمنون والشرفاء اول ضحايا تلك السياسة. ثالثها: ان السلاح المنتصر هو الذي وفر للمقاومة شرعية الصمود والتصدي للمخططات الاجنبية، وان هذا السلاح انتصر بقوة الايمان والارادة الحديدية للقيادات المتصدية، وعدم التردد في اتخاذ المواقف المبدئية مهما كان الثمن. رابعها: ان من الصعب استمرار تعايش مشروعين متناقضين ضمن آلية حكم واحدة، وان “الايمانيين” لا يمكن ان يتعايشوا ضمن مشاريع تصنع في واشنطن، ويتم تنفيذها برعاية سفرائها واشرافهم. خامسها: ان موضوع الالتزام بـ “التكيف الشرعي” هو البديل الواقعي لأساليب التعايش مع الظلم واهله، وان ذلك الالتزام كفيل بتحقيق النصر: “انا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا” و “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”. سادسها ان الظاهرة “الأحدية” (نسبة الى غزوة أحد) اي التسابق على الغنائم والمناصب والوجاهات الوهمية، هي سبب التراجع والخذلان والهزيمة، اما البدريون فهم الذين يصنعون النصر للامة، باذن الله تعالى، اذ يجعل الله قوة الواحد منهم تعادل عشرة من الآخرين. فما أحرانا بقراءة هذه الدروس المحلية واللبنانية، مع ايماننا بصعوبة اسقاط تجارب الآخرين بحذافيرها على واقع يختلف في تفصيلاته عن واقعهم، ولكن “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب“.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين