أين الأباة من صرخة ساجدة: “وامعتصماه” عندما يتحول الاعتداء على النساء الى ممارسة روتينية
تطورات الساحة الامنية والسياسية في البحرين في الفترة الاخيرة تؤكد انحدار الوضع الى أسوأ فترة في العقد الاخير، فما تمارسه فرق الموت بحق ابناء البحرين من اعتداءات وحشية يندى لها الجبين، لا يمكن فهمه الا في اطار السياسات الخليفية لكسر ارادة اهل البحرين التي لم تنكسر قط. وان ما تعرضت له المواطنة ساجدة الجدحفصي، عقيلة الشيخ الجليل، علي بن أحمد، جريمة لا يمكن ان تمحى من الذاكرة البحرانية، خصوصا بعد ان تضاعفت بالتستر الرسمي على مرتكبيها. فرق الموت هذه تدار من قبل الطائفي المقيت، خالد بن أحمد آل خليفة، وزير ديوان الشيخ حمد، الذي يفعل ما يريد بدون خشية من قانون او نظام. واذا اضيف الى تلك الجريمة فتح زنزانات التعذيب على مصراعيها لشباب البلاد الذين لا ذنب لأي منهم سوى المطالبة السلمية بالحقوق المسلوبة، اتضح مدى البلاء الذي تعيشه البلاد والعباد في ظل هذا النظام القمعي الرهيب.
واذا كان غريبا ان يستمر التداعي الامني بالنمط السائد، فان الاغرب منه حالتان: الصمت الذي يسود اوساط العلماء والمثقفين، ممن يتوقع منهم ان ينتفضوا لنصرة المظلومين خصوصا اذا كانت امراة تعرضت لاعتداء آثم، وحالة السقوط التي اصيب بها الكثير من الكتاب المتزلفين الذين يشجعون الظالم على الظلم، ويتنكرون لصرخات المظلومين، ويتسابقون لنيل رضا الحاكم بالمزايدات التي لا هدف لها سوى نيل الحظوة والعطاء، فما أتفه من يشتري رضا المخلوق بسخط الخالق. ومشكلة الحكم انه اصبح يصدق ما يقال عنه من اطراء ومديح على السنة المداحين وماسحي الاحذية ومقبلي الانوف، ويعتقد ان اولئك قادرون على حمايته من القدر المحتوم لكل ظالم، ويتناسى ان سنن الله في الخلق نافذة لا يوقفها شيء. غريب استمراء الظلم والتعايش معه، وكيل المديح لمن يمارسه، والتستر عليه. فهل هناك ظالم اكبر من رئيس الوزراء الذي لم يتوقف عن ذلك الظلم لحظة منذ ان أعطي زمام الحكم قبل اربعة عقود؟ لقد ضجت ارض البحرين من ظلمه وسلبه ونهبه، وما يزال يبعث كلابه يوميا لتنهش اجساد الآدميين وتعتدي على حرماتهم، أما آن ان يرحل فتستريح العباد والبلاد ومن شروره؟ هذا مع علمنا بان من يخلفه قد لا يكون أفضل منه، خصوصا مع ما نراه من نهب الاراضي البرية والبحرية، والاستحواذ على الحكم بالحديد والنار. من هنا فان الأمل معقود ليس باستبدال شخص بأخر مثله، بل باستمرار نضال الاحرار لنيل حقوقهم، وعدم التوقف عند الوعود والكلام المعسول الذي يصدر من هذا المسؤول او ذاك، او ما تسطره اقلام المرتزقة والطبالين. وان ما يثلج الصدر ويدفع للاطمئنان ان لدى شعبنا العلمقا تاريخا طويلا من النضال والصمود، وحسا مرهفا ضد الاستبداد والظلم، ولذلك لم يتوقف لحظة عن النضال والكفاح، معتمدا على ربه وقواه الذاتية، غير ملتفت الى المرجفين والمثبطين.
وثمة مسألة اخرى لا بد من الاشارة اليها، وهي ان الشعب يسعى لتحقيق عدد من الامور في مشروعه النضالي. فعندما اطلع على تقرير الدكتور صلاح البندر وأدرك حجم المؤامرة الخليفية ضده، ادرك الدور الخبيث الذي يلعبه أحمد عطية الله آل خليفة، شقيق المعذب السيء الصيت، عبد العزيز. وفي الوقت نفسه ادرك ان هذا المجرم ليس سوى عبد مستخدم من اسياده لتنفيذ المخطط الأسود ضد البحرين واهلها، وبالتالي فان اي استهداف له يجب ان يشمل من يقف خلفه اولا حتى الوصول الى منبع الشر، وثانيا: ان المطلوب إلغاء ما قام به من تخريب سكاني وطائفي واعلامي، وعدم الاكتفاء بالتحقيق معه حول دوره. ثالثا: تفادي “شخصنة القضية” واعتبار المشروع الاجرامي “شخصيا” خاصا بعطية الله. فمن الخطأ الكبير الانشغال بالاشخاص وتجاهل القضايا الاجرامية التي ارتبطوا بمشاريعها. وقد أثبتت حوادث العقد الاخير خطر الانشغال بالاشخاص وطغيان أسمائهم على القضايا الاجرامية التي ارتكبوها. فمثلا تركز الاهتمام على عادل فليفل في مجال التعذيب، حتى اشتهر صيته السيء كمعذب لم يوجد له مثيل في تاريخ البحرين. وأصبح وجوده في منصبه أمرا محرجا للنظام الخليفي، فتحرك بهدوء لازالته، بدون ان يتعرض لأية محاسبة او مساءلة او محاكمة. لقد أقصى فليفل عن منصبه، ولكن بقي التعذيب ممارسة يومية في زنزانات التعذيب الخليفية. والمطالبة بازالة خليفة بن سلمان آل خليفة عن رئاسة الوزراء مطلب شعبي مشروع، خصوصا ان هذا الطاغية قضى قرابة اربعة عقود على رأس النظام. ولكن هل ستؤدي ازالته الى انهاء السلب والنهب لخيرات البلاد واراضيها؟ وهل سينتهي التنكيل بالابرياء؟ وهل سيصبح النظام ديمقراطيا حقا؟ ام ان خليفة بن سلمان سيخلفه آخرون لا يقلون عنه جشعا وسلبا ونهبا وتنكيلا وقمع وارهابا وتعذيبا؟
ان من الضروري ان يستوعب النشطاء والمواطنون المعاني الحقيقية للتغيير. فالجديد لا يصبح جديدا الا اذا اصبح القديم قديما، ولا يكون هناك تغيير الا اذا استبدل النظام الاستبدادي الذي يحكمه رجل واحد محاطا بأفراد عائلته ومرتزقته، بنظام ديمقراطي متطور يحكمه أحد أبناء الشعب بعد انتخابه بشكل ديمقراطي، محاطا بآخرين منتخبين ايضا، يتولون المناصب الوزارية، ويخضعون للمحاسبة الشعبية بشكل حر. هذا النظام لم يتحقق في البحرين، وما نراه اليوم ليس سوى محاولات يائسة لاحتواء الغضب الشعبي، والتدليس على الآخرين، وخداعهم، بهدف السيطرة المطلقة عليهم، وضمان استمرار نظام القهر والاستعباد. ان نظاما كهذا لا يمكن ان يستمر، ما دامت هناك عيون ساهرة، ومشاعر مرهفة لدى ضحايا الظلم والقمع والاستبداد. تعيش البحرين اليوم حالة من التخلف السياسي المغلف بالدعاوى الفارغة، والقمع السلطوي الذي قل نظيره، والهيمنة القبلية التي لا حدود لها. فهل هذه هي الديمقراطية الموعودة؟ وهل هذا هو الاصلاح الذي طال انتظاره؟ هل من الاصلاح في شيء ان تكمم الافواه؟ ويعتقل الاحرار؟ ويعذب المناضلون؟ هل من العدالة في شيء ان تتعرض مواطنة بحرانية للتنكيل والضرب والتعذيب على ايدي القتلة والسفاحين؟ وهل من الصراحة في شيء دعاوى وزارة الداخلية التي تزداد تخلفا وقمعا واضطهادا للاحرار، بانها لم تتعرض لأي أذى؟ أليس في ذلك حماية للمعتدي الأثيم والمجرم الذي هتك حرمة المرأة الصالحة؟ أليس في هذا النظام رجل رشيد؟ أليس في نفوس زعمائه ذرة من الانسانية؟ انها محنة أخرى في زمن أسود طال مكوثه، وتحول رعاته الى أعداء يستميتون في قمعه وارهابه. وهكذا تستمر مسيرة النضال الوطني على خطى الاوائل من المناضلين الابطال، مستفيدة من عبر الماضي، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ويحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون.