التعذيب بين صمت الصامتين، وشهادات الزور من الانتهازيين
عباس حسن، عبد الله محسن، حسن عبد النبي، ميثم الشيخ وغيرها أسماء يرزح أصحابها في زنزانات التعذيب الخليفية، التي، لو استنطقت، لتكلمت بما شهدته من دماء نازفة من جروح الابرياء، او سمعته من أنات المظلومين. وترددت قبلها أسماء بدون عد او حصر، وستتلوها أخرى قد تفوقها عددا.
انها قصة الاجيال المتعاقبة من السجناء الذين يقتادهم المرتزقة بـ “أوامر عليا” تأتي تارة من أشخاص مثل بيتر شور وإيان هندرسون ودونالد برايان، وأخرى من عادل فليفل وعبد العزيز عطية الله آل خليفة وخالد الوزان، وثالثة من خالد بن أحمد آل خليفة وأحمد بن عطية الله آل خليفة. الزنزانات هي الزنزانات والتعذيب هو التعذيب، يزداد ولا ينقص. تتبدل أشخاص الجلادين، وأسماء الضحايا، ويبقى المشهد واحدا… مشهدا ينضح بالدماء ويتكلم بالآهات، يشاهده فريقان: أحدهما يثمل ويرقص ويعربد، والآخر يتقطع ألما تذرف عيون أهله دما بدل الدموع. وثمة فريق ثالث مات قلبه وتكلست مشاعر أهله، فاذا به يصفق للجلادين، يشجعهم على الجريمة، ويدافع عن أعمالهم الوحشية، في مقابل حفنة من المال والجاه. ما الفرق بين المعذب الذي يصعق حسن عبد النبي بالكهرباء، ويعتدي على زملائه بأعمال منكرة، ومن يدافع عنهم في المحافل الدولية؟ ما الفرق بين من يهدد ميثم الشيخ وعبد الله السرح وبقية المعتقلين بالاعتداء على أعراضهم ومن يقدم شهادات الزور دفاعا عنهم امام مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة؟ وكيف تتكلس المشاعر وتموت الضمائر الى المستوى الذي يقف البعض فيه موقف المتفرج، يكيل المديح لرأس النظام الذي هو الآمر والناهي في كل هذه الجرائم؟ او من يلوذ بالصمت ويتشح باللامبالاة؟ ماذا نقول لذوي الضحايا الذين لم يرتكبوا من الذنب سوى المطالبة بالعيش الكريم والدفاع عن الكرامة و الحقوق، والذود عن هوية البحرين وتاريخها، والسعي للحفاظ على تراث صعصعة وزيد وسواهما من عظماء رجال أوال؟ أمخطئون هم عندما يرفعون اصواتهم الرافضة للذل والهوان الاستسلام؟ أمن البطولة ان نتعايش مع الظلم والاستبداد والقمع؟ أمن أخلاق الاسلام وسيرة الأنبياء والأولياء والأئمة الطاهرين ان نصافح القتلة والسفاحين ونتردد على قصورهم المبنية على أشلاء الشهداء وجماجم الأبرياء؟
مشهد آخر يتميز عن مشهد الأحزان هذا. أبطال هذا المشهد انواع ثلاثة من الناس: اولهم الشاب اليافع الذي دفعته غريزته لرفض نظام الظلم والاستبداد الخليفي فلم يتردد لحظة في تلبية نداء الواجب، ويخرج مشمرا عن ذراعيه، رافعا قبضته، هاتفا بصوته “هيهات منا الذلة”. يصفه المناضلون بالبطولة، وينعته الآخرون بالفوضى او التهور، ولا يهمه ما يقوله هذا او ذاك. صغير في سنه ولكنه كبير في معنوياته وطموحه، والأهم من ذلك كله انه ذو بصيرة ايمانية قلما تتوفر الا لمن امتحن الله قلوبهم للتقوى. وثانيهم عالم دين ابيضت لحيته وبدأ الوهن يدب في جسده، يتصدر الصفوف في المسيرات والاعتصامات، ويقف شاهدا على محاكمات الزيف والبهتان بحضوره الشخصي عندما تقدم كوكبة من الابطال امام قضاة الظلم والجور الخليفي، ولا يتعلل بصيف او شتاء عن ممارسة الدور الجهادي الذي يصنع الابطال ويحرر الشعوب، ويمنع موت الامة. يسعى الآخرون للنيل منه فيقال بان علمه قليل او ان وزنه الديني والاجتماعي خفيف، لكنه لا يلتفت لشيء من ذلك، لايمانه بان العلم الكثير ليس مقياسا للوعي او التقوى او البصيرة. فما أكثر من يحمل بين جنبيه علما جما، ولكنه مشمول بالوصف القرآني “كمثل الحمار يحمل أسفار” او كما قال الشاعر:
كالبيد في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول
هذا الصنف من الناس يؤمن بان عليه ان يلتزم بالقاعدة المشهورة “وان تعمل بما علمت”. وثالثهم: صف من المثقفين الابطال الذين استرخصوا نفوسهم متمثلين بقول أبي عبد الله عليه السلام: اني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما”. يتحدثون للناس لتوعيتهم بالواقع المرير الذي يعيشونه، ويكشفون لهم خطر المشروع السياسي الذي فرضه الشيخ حمد وأزلامه على البلاد بالقوة، خصوصا في مجال ابادة هوية أهل اوال وتاريخهم وثقافتهم. هؤلاء نذروا حياتهم لقضيتهم، ولم يقبلوا عنها بدلا، فاذا بهم صامدين في ميدان التحدي مع الطغاة والمستبدين والمحتلين، لا تثنيهم التهديدات ولا يخشون فرعون وجلاوزته، ولا يبحثون عن جاه او مال ا ومنصب، فلا هدف لهم الا وجه الله.
أصناف ثلاثة من ابناء البحرين، هم أمل الشعب، برغم ما يبدو من قلة عددهم وضعف امكاناتهم. فوجودهم يعني استمرار النبع النقي الذي يستمد روح الحرية ورفض الظلم من سيرة السلف الصالح من الانبياء والاولياء و الائمة، يتحركون ونفس كل منهم تطاول الجبال شموخا، وتحلق مع الطيور بعد ان كسرت الاغلال التي فرضها النظام. هؤلاء يرون ان الحرية تؤخذ ولا تعطى، وانهم أحرار وان أدخلوا السجون، او قطعت اجسادهم بالمقاريض. يقرأون القرآن فيستمدون منه ما يشد أزرهم ويقوي عزيمتهم: “أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ، مستهم البأساء والضراء وزلزوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله الا ان نصر الله قريب” – البقرة 214. لقد أثبت صمود هؤلاء وترفعهم على اموال قارون المسروقة من ثروات الشعب، ومناصبه ووجاهاته الموهومة، ان عملهم مبارك، فبرغم ضعف امكاناتهم وعددهم وعدتهم الا انهم حققوا الكثير من الانجازات. فسمعة النظام الخليفي اليوم ليست كما كانت قبل خمسة اعوام تقريبا، بل تشوهت كثيرا، واصبحت التقارير الدولية تحاصره من كل زاوية، و اصبح الشيخ حمد وعصابته، في نظر الآخرين من منظمات حقوقية وسياسية، ديكتاتورا من الطراز الاول، وحاكما ظالما لا يقل في ظلمه عن عمه، رئيس الوزراء المشؤوم، الذي ابتليت به البحرين، ويدعو شعبها عليه ليلا ونهارا لكي يريح الله البلاد والعباد منه ومن شروره وآثامه وظلمه واجرامه. ولقد لعب التيار الاموي الحاكم لعبته، فعين للدفاع عنه في المحافل الدولية اشخاصا من خارج دائرته، وانه لأمر مؤسف جدا ان يقبل البعض بان يقدموا شهادات زور لآل خليفة الذين ولغوا في دماء الابرياء وما يزالون يعتقلون ويعذبون ويقتلون. فاذا ذهب هؤلاء الى جنيف وقالوا امام مجلس حقوق الانسان انه لا يوجد تعذيب في البحرين فقد قدموا شهادة زور وبهتان، وخانوا أمانة الموقف وحادوا عن الحق، وخانوا الله ورسوله وشعبهم وامتهم، وسوف تلاحقهم لعنة التاريخ، ولن يحققوا شيئا في الدنيا، وهم في الآخرة من الخاسرين. نقول ذلك لحقيقة بسيطة، وهي ان التعذيب يمارس على نطاق واسع في زنزانات التعذيب الخليفية، وما عليهم الا ان يطلبوا من اسيادهم السماح لهم بزيارة زنزانات التعذيب والتحدث مع السجناء، ليطلعوا على مدى التعذيب الذي تعرض له ابناء البحرين.
الانجازات المذكورة تحولت الى مسامير في نعش النظام الخليفي المقيت الذي يجدر بمن لديه ذرة من الكرامة وحب الحرية والانتماء للانسانية ان يندد به ويقف في الطرف المواجه له، لانه، ببساطة، نظام جائر ومحتل ومختلس وديكتاتوري واستبدادي لا يصلح للبقاء. ولقد استعان رموزه في السابق بالسرية المطلقة لما يمارسونه، حتى جاء تقرير البندر الشهير، فكشفهم على حقيقتهم، وأكد ان الجرائم ارتكبت من اعلى نقطة في النظام، مرورا بوزير ديوان الشيخ حمد، ووصولا الى أحمد عطية الله آل خليفة. انهم يعلمون ان السماح بمساءلة هذا المجرم سوف يؤدي الى مساءلة رئيسه الطائفي المقيت، خالد بن أحمد ثم الى اسياده. ان ما يهم شعب البحرين ان يفشل المشروع التخريبي الذي فرضه الشيخ حمد، عاجلا ام آجلا، لانه مشروع اجرامي يهدف لابادة شعب البحرين تاريخا وثقافة ودينا، وهذا ما لن يسمح به أبناء اوال.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.