صراع العقل والبطش، وغريزة البقاء تقتضي الصمود
يخطيء من يظن ان الأزمة السياسية الحالية التي تعبر عن نفسها تارة بالاعتصامات واخرى بالمسيرات، وثالثة بكتابة الشعارات الحائطية، واخرى بالتظلم امام المنظمات الحقوقية والجهات السياسية الدولية، سوف تتلاشى تدريجيا، وان النظام الخليفي سيظل مهيمنا على الوضع بالشكل الذي يريده.
ويخطيء ايضا من يعتقد ان “الهندسة السياسية” التي تنتهجها العائلة الخليفية لاحكام القبضة على البحرين، ستمر بدون مقاومة من اهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة)، او ان العبث الخليفي بأرض البحرين وشعبها وثرواتها سيمر بدون حساب. ولقد أثبتت تطورات الشهور الاخيرة ان الأزمة بين أهل البحرين وآل خليفة تتجه نحو المزيد من التصعيد والتوتر، وان العلاقات بين الطرفين تأخذ منحى نحو الأسوأ بعد ان أدرك المواطنون حقيقة مشروع الشيخ حمد التخريبي، وما يستهدفه من تغييرات جوهرية في البلاد. فاذا كان العمال الاجانب قد بدأوا يرفعون اصواتهم ضد الظلم الذي ينتابهم وسوء الاحوال المفروضة عليهم، فان أهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة) أولى باتخاذ اجراءات ومواقف ضد الطغيان الخليفي الذي يشمل الجميع بدون استثناء. فاذا احتل رموز العائلة جزراكاملة لاستعمالهم الخاص، فان ذلك يؤثر على كافة ابناء البحرين، واذا استقدموا الاجانب وجنسوهم، فلا يعتقدن احد بانه سيكون في مأمن من خطر هذا التجنيس، واذا وضع الخليفيون ايديهم على اموال النفط وعائدات البلاد من الخدمات الاخرى، فان آثار ذلك تنعكس فقرا على كافة المواطنين بدون استثناء. صحيح ان النظام يسعى لاستمالة قسم من المواطنين على حساب قسم آخر، ولكن تجربة الثمانين عاما من النضال اثبتت انه لا يميز في ظلمه بين أحد، وانه مستعد لقمع من يرفع صوته ضد ظلمه وجبروته.
يقف اهل البحرين اليوم متوجسين خيفة من تصرفات الحكم الخليفي الذي أمعن في استغفال الناس واستضعافهم، ومراهنا على عامل الزمن لاحداث الانقلاب الذي يهدفه في موازين القوى لصالحه. ربما كان الشيخ حمد سيحقق ذلك لولا وعي الثلة الطليعية من المواطنين الذين رفضوا اقرار برنامجه السياسي وقرروا العمل خارجه، وتحديه من خلال مشروع المقاومة المدنية الذي يزداد قوة وتأثيرا، بفضل الله ودعم الشعب واصرار الرموز الصامدة. فمشروع التوطين والتجنيس السياسي اصبح واضحا لدى الأغلبية الساحقة من ابناء البحرين، فأصبحوا يرونه واضحا في قوائم توزيع القسائم السكنية والتعيينات الادارية. هذا برغم ان العائلة الخليفية رفضت نشر اسماء الذين يجنسون بشكل منظم. انهم يشاهدون مصاديق لذلك في المدارس واماكن العمل والمستشفيات. وثمة سؤال مهم هنا: لماذا الصمت على ذلك؟ ولماذا غاب العمل الوطني المشترك الهادف لمنع هذا العبث الاجرامي بالبلاد واهلها وتراثها وثقافتها؟ ولماذا يلوذ من يهمهم الامر من الرموز السياسية والدينية بالصمت ازاء ما يعتبره الكثيرون “ابادة” ثقافية وانسانية؟ ما الموقف ازاء الجريمة المتواصلة لابادة اهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة)؟ هل هو الصمت؟ ام الفعل؟ هل هو التصدي بحزم وارادة وتصميم لأصحاب هذا المشروع الشرير وكشف الحقيقة لمن يستطيع مناصرة شعب البحرين من مراجع دين، وجهات سياسية وحقوقية دولية؟ ام ان “الانتظار السلبي” سيوقف هذه الجريمة؟ ام اننا لسنا معنيين بهذه الجريمة، وبالتالي فليس من مسؤوليتنا التصدي لها؟ ما رأي الشرع في ما يجري؟ وما موقف العلماء والرموز السياسية من كل ذلك؟ أين صرخات المعارضين لتلك الجريمة التي توقظ رموز الظلم الخليفي وتثبت لهم انهم لن يهنأوا بالعيش على ارض اوال اذا سعوا لاقتلاع سكانها الاصليين (شيعة وسنة) من ارضهم، واستبدلوا بغيرهم من المستوطنين الذين تستوردهم العائلة الخليفية من كافة الاصقاع؟ بودنا ان نسمع رأيا شرعيا واضحا حول هذه القضية المصيرية: فاما ان التصدي له مسؤولية شرعية فيقوم كل منا بواجبه، او اننا مطالبون بالصمت، واننا معذورون عندما نلوذ بالسكوت، ونلقي الحبل على الغارب.
اننا نخشى ان يؤدي الصمت المتواصل الى تمادي العائلة الخليفية في اجرامها، وما ينجم عن ذلك من ضرر بالغ على عدد من الصعدان. فها نحن نرى تصاعد النغمة الطائفية المقيتة، وهي مرشحة للتصاعد خصوصا مع ازدياد اعداد المستوطنين ذوي النزعات المتطرفة. وها نحن نرى كيف يتغلغل النظام في اوساطنا، باستمالة ذوي النفوس الضعيفة وتجنيدهم ليقفوا ضد شعبهم بشكل فاضح، في مقابل مال او منصب. وعندما تنبري الثلة المؤمنة امام المحاكمة التاريخية للعائلة الخليفية بمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، لن يكون المدافعون عن النظام في تلك المحكمة سوى افراد من ابناء الشعب، تم تجنيدهم للدفاع عن الجرائم الخليفية، وتبرير انتهاكاتهم المتواصلة لحقوق الانسان، كما حدث قبل ثلاثة اعوام في جنيف. فما الموقف ممن يدافع عن الاجرام الخليفي؟ وها نحن من جهة اخرى نوفر للنظام الشرعية الشعبية التي نستطيع حرمانه منها، ونلحظ ذلك على السنة الذين يعتقدون ان من الحكمة والعقل كسر الحواجز بين نظام متمرس بكافة وسائل القوة: الحكم، والمال والمناصب، وشعب أعزل يبحث عن اقصر الطرق للعيش الآمن. لقد كان المواطنون في مأمن نسبي عندما كانت تلك الحواجز قائمة، اما بعد ان أزيلت (من خلال الانضواء في مشروعهم السياسي) فقد زحفت قوى الظلم والاستبداد والاحتلال الى صفوف الشعب، وجندت من تريد لخدمة مشروعها الشرير. هذا المشروع يهدف اساسا لكسر شوكة اهل البحرين، بعد ان الغوهم كشريك سياسي من جهة، وهمشوهم كسكان أصليين لهذه الارض باستبدالهم بالمستوطنين الجدد. فماذا بقي من حرمة للبلاد ودينها واهلها؟
نجدد دعوتنا لكل من يعنيه الامر لاعادة النظر في الموقف ازاء هذا النظام الباغي، وتحديد الموقف بشكل أوضح للمواطنين، وازالة الضباب والغمام عن النفوس والعيون والبصائر. فمن الضروري تقوية المناعة لدى المواطنين امام اساليب التضليل والتشويش والاغراء وشراء المواقف والضمائر والذمم، ومن الضروري ان يكون الحق واضحا والباطل واضحا، وان لا تكبر مساحة الشبهات. اننا لسنا طلاب مناصب او مكاسب دنيوية، فما يهمنا هو طاعة الله والذود عن دينه، والحفاظ على التراث التاريخي لهذه الارض، ذلك التراث الذي اسسه العظماء امثال صعصعة واخيه زيد، ومن سار على نهجهم مثل الشيخ ميثم البحراني والسيد هاشم التوبلاني. اننا جميعا مسؤولون عن الحفاظ على اللحمة التي تربط بين ابناء البحرين (شيعة وسنة)، سواء تمثلت بالدين ام المواطنة ام النضال المشترك الطويل، ام العلائق الانسانية والاسلامية بكافة اشكالها. وحذار من الفتن التي يشعلها الخليفيون مستغلين ضعاف النفوس والمرتزقة ومستعينين بالاجانب، ومستهدفين اهل هذه الارض الطيبة. حذار من السقوط في الاوهام السلطوية ومقولات الاصلاح والديمقراطية بعد ان انكشف بؤس النظام وفشله وسوء نواياه. ولنتمسك بدماء الشهداء، فذلك طريق الاحرار.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين