معا على طريق الحسين، وصفا واحدا ضد النظام اليزيدي
أما من ناصر ينصرنا؟ صرخة أطلقها رمز الأحرار لاستنهاض الهمم في عصر اشترى النظام اليزيدي فيه الضمائر و الذمم، ووزع المناصب والوجاهات من اجل تكريس حكم الاستبداد الوراثي. كثيرون هم الذين باعوا ضمائرهم ومواقفهم للطاغية ونظامه، والقليلون هم الذين صمدوا امام الارهاب السلطوي.
الاعلام اليزيدي كرر اتهامه للثلة الحسينية البطلة بانها “خرجت على القانون”، بلغة اليوم، لان الحسين خرج عن طاعة يزيد، والالتزام بالقانون يعني الطاعة المطلقة لنظام الحكم. لكن ذلك الاعلام لم يفت في عضد ابطال كربلاء، اذ اعتبروا ان الحق هو القانون، فما دام الحكم التوارثي هو الذي يحكم الامة، فأي قانون يتحدثون عنه؟ من وضع هذا القانون؟ ما مدى شرعيته؟ وما مدى شرعية الحاكم الذي فرضه؟ ان الحكم لا شرعية له الا اذا حظي بقبول الناس عن رضى، وليس بالاكراه. كان يزيد ييسعى لفرض قاعدة بعيدة عن الاسلام وشرعه وروحه، وهي ان الحكم التوارثي مصدر التشريع، فلا يحق لأحد الخروج عنه. وكان موقف الحسين عليه السلام رافضا لذلك، فلا قانون في غياب ارادة الامة ولا قانون اذا مخالفا للحق، ولا شرعية للسيف الذي يكره الناس على مبايعة الحاكم. الحسين يأبى ان يوفر الشرعية الدينية للحكم التوارثي البغيض، فكان موقفه حاسما، بدون خوف او تردد او تراجع. كان مفهوم القانون مقدسا لدى الامام عليه السلام، وهذه القداسة تصبح بدون معنى اذا خضعت لارادة الحكم التوارثي المقيت الذي يتنافى مع الاسلام وشرعته. فكان عليه ان يقف في كربلاء معلنا عددا من المباديء الضرورية لحفظ الاسلام: اولها ان الاصلاح مسؤولية مفروضة على الجميع، وانه خرج مهاجرا من اجل الاصلاح. ثانيها ان السكوت على الحاكم الظالم أمر مرفوض: من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله, مخالفا لسنة رسول الله, يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يُدخله مُدخله، ثالثها: ان المؤمن كريم لا يقبل الاذلال والاخضاع على ايدي الظالمين: “ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات هيهات منّا الذلة”. رابعها ان القائد المؤمن يأنف ان يخضع للطغيان و الاستبداد، مهما كلفه موقف الرفض،”يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوس طابت وحجور طهرت ونفوسٌ أبية وأنوفٌ حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام”. خامسها ان الكثرة والقلة أمور نسبية ويجب ان لا يضيع الموقف في الحسابات المادية البحتة: ” ألا وإني زاحفٌ هذا الصباح بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر”. سادسها ان القوة المادية لا تهزم الحق أبدا، فالقمع السلطوي، مهما ولغ في الدماء، لا يمكن ان يهزم الصامدين، فالدم أقوى من السيف.هذه بعض ثوابت الثورة الحسينية التي انطلقت من اجل اصلاح امة المسلمين والحفاظ على دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم. لقد وقف الامام الحسين عليه السلام موقفا مسؤولا، بوعي وادراك، انطلاقا من شعوره بالتكليف الشرعي، بعيدا عن الحسابات المادية. كان يدرك ان حكم يزيد التوارثي يمتلك قوة مادية عملاقة، ولكنه لم يهزم. فالامم لا تهزم الا اذا هزم قادتها، وعندما يشعر القائد بانه لا يستطيع ان يعمل شيئا، وان لدى السلطان الجائر قوة مادية هائلة توفر له النصر الساحق، فانه قائد مهزوم لا يحق له ان يقود الآخرين. فمتى كان لدى المعارضات قوة مادية تفوق ما لدى الحاكم؟ ومتى كانت الحسابات المادية للربح والخسارة تصب لصالح المعارضين والثائرين؟ ان ما يرجح الميزان لصالح تلك القوى المعارضة عدد من الامور: اولها الثقة بعدالة المبدأ التي تؤمن به والهدف الذي تسعى لتحقيقه. ثانيها: اصرار افرادها على مواقفهم، لانهم ينطلقون على اساس الايمان وليس على اساس المصالح الشخصية. ثالثها: انها تمتلك ارادة قوية، لان الصراع في اغلب الاحيان انما هو صراع ارادات، فصاحب الارادة الاقوى هو المنتصر. رابعها ان القوة المادية لها حدودها ولا تستطيع حسم الصراع بسهولة اذا كان الطرف الآخر صامدا وثابتا ومصمما على المواجهة والاستمرار. خامسها، ان سادسها، أن المؤمنين يملكون عنصرا آخر يتمثل بايمانهم بالسنن الالهية الجارية التي لا يستطيع احد تحييد فعلها. فالظلم لا يدوم، والمظلوم له دعاء مستجاب لا يحجب عن الرب، وان العاقبة للمتقين، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله، والله مع الصابرين، وان الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم، وان الله يدافع عن الذين آمنوا. نقف في محراب الشهادة، لا لنبكي الحسين واصحابه، بل لنبكي انفسنا وما بلغ اليه حالنا، ونحن نواجه نظاما يزيديا جائرا، قام على اساس توارث الحكم والملك، يحكم وفق ما يريد، ويرفض الاعتراف بوجودنا ثقافة او تاريخا او فكرا او انسانية او وجودا بشريا، يحكم فينا بالظلم والجور، يستقدم الاباعد ليستقوي بهم على اهل البلاد، ويعيث في الارض الفساد. نحيي ذكرى عاشوراء، ليس بالبكاء والنوح فحسب، وان كان ذلك ضرورة لا غنى عنها، ولكن بروح تسعى لتجسيد مقولة “يا ليتنا كنا معكم”، تدرك انها حقا مع الحسين واصحابه مع اختلاف الزمن وتعاقب القرون. فالموقف هو الموقف، والظلم هو الظلم، والحكم اليزيدي يعيد نفسه، ويشتري المواقف والذمم، ينهب ثروات المسلمين، ويوزعها على من يشاء بدون حكم القانون. هذه الاساليب لم تفت في عضد المؤمنين المحتسبين، فاذا هم ثائرون ضده، متسلحين بالعزم والايمان والارادة، يصارعون الظلم والاستبداد والبغي والارهاب والقمع وتزوير ثوابت الدين واهدافه. الحسينيون رفضوا التعايش مع الاسلام الاموي المشوه، ووقفوا بصلابة وايمان وعزم بجانب قائد مظفر، لا يخاف الموت ولا يخشى لقاء الاعداء، وقدموا ارواحهم في ميدان الشهادة، مؤمنين بانهم هم الخالدون، وان دمهم القاني سيصبح طوفانا يقتلع النظام الاموي التوارثي من اساسه. تحركوا وواجهوا الموقف الصعب بنفوس واثقة مطمئنة، حتى لقوا ربهم مضرجين بدماء الشهادة. سعى الاعلام الرسمي للتشويش على الحقائق، ولكن دم الشهادة أبلغ من مداد الأقلام المأجورة، وأبلغ من كلمات المديح والاطراء للظالمين والمستبدين التي تنطلق من افواه المتملقين والوصوليين والانتهازيين. وهانحن بعد 14 قرنا نعيش عالم الحسين وشهداء كربلاء، تتحرك ارواحهم لتدفع المجاهدين على طريق التضحية والفداء من اجل الكرامة والحرية والايمان. فطوبى لشهداء الطف، ومن سار على هديهم، ورفع راية التمرد ضد الظلم والحكم التوارثي البغيض، وسحقا للقتلة والسفاحين والمداحين بأرخص الاثمان، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، وفك قيد أسرانا وتقبل قرابيننا يا رب العالمين.