ديسمبر، مناسبة لتصحيح المسيرة النضالية
بعد ان تم تأميم النشاط السياسي بشكل محكم، اصبح من العبث محاولة التأثير على النظام من خلال الآليات التي تسمح بها انظمته الدستورية والقانونية، اذ ان منظريه ومستشاريه وضعوا خططهم السياسية والامنية آخذين بعين الاعتبار حتمية وجود معارضة كلامية لبعض سياسات النظام ومشاريعه. انها معارضة مسموح بها لانها لا تمس النظام في جوهره، بل تتشاغل بالجوانب الشكلية غير ذات الصلة بجوهر النظام.
ولذلك فمن غير المجدي الاستمرار في نمط المعارضة الحالي لانه يؤدي الى ما يل: اولا ان النظام يستفيد من المعارضة الكلامية، فبدلا من مقاومتها ومنعها، يسعى لاستغلالها لتلميع صورته امام العالم وانه يسمح للآراء الاخرى بالتعبير عن نفسها، وهذا دليل تقدمه وتطوره. ثانيا: انها تؤدي تدريجيا الى بث روح اليأس في النفوس لان كثرة الكلام بدون مردود يفقد معناه وأثره. ثالثا: ان الانظمة التي لا تؤسس على دساتير تقنن التداول على السلطة من خلال صناديق الاقتراع، لا تسقط بالكلام وحده، بل يتطلب تغييرها جملة من الاجراءات العملية والانشطة المدنية كالمسيرات والاضرابات والقطيعة مع النظام. رابعا: ان المعارضة التي تقتصر على الانتقاد المتواصل بدون ان تتوفر على مشروع عملي للتعبير عن تلك المعارضة لا تملك من وسائل الضغط ما يجبر النظام السياسي على تغيير سياساته. خامسا: ان المعارضة ربما يكون مصطلحا مناسبا للانظمة الديمقراطية التي تتيح لمعارضيها التعبير عن آرائهم ومواقفهم في ما يتعلق بالسياسات الحكومية، وطرح البدائل عبر قنوات مشروعة تمتلك قوة التأثير والتنفيذ. اما اذا كانت تلك الوسائل غير متاحة، وكانت المشكلة مرتبطة بالنظام السياسي نفسه، فيستحيل ان يحمل ذلك النظام بذور تغييره من داخله. سادسا: يفترض ان من يتصدى للعملية التغييرية ان يكون مقتنعا بضرورة المواجهة مع الظلم والانحراف بدون الخشية من سخط النظام ورموزه، لان التغيير ليس أمرا هينا، وليس مجالا للتسلية والترفيه، بل هو غاية نبيلة تتطلب المواقف الباسلة والاساليب الفاعلة والسياسات الجادة.
على مر السنوات الماضية، تجسدت خلال شهر ديسمبر اساليب فاعلة في المسيرة السياسية لشعب البحرين الهادف للتغيير الحقيقي في النظام السياسي القائم. نقول ان المطلب الرئيس لهذا الشعب يختلف عن مطالب المعارضات في الدول الديمقراطية ا لحقيقية. فعلى مدى تاريخه النضالي الطويل، ظل شعب البحرين يسعى لاحداث تغيير في النظام السياسي المفروض عليه بالقوة من جهة والدعم الخارجي من جهة اخرى. فان اللغط السياسي الدائر في البلاد حاليا بين الفصائل الشعبية ينطلق على خلفية الاختلاف حول المطلب السياسي: فهل هو تغيير النظام (والنظام هو الدستور هنا، فاذا وضع الدستور الذي يمثل اتفاقا مبرما بين العائلة الحاكمة وشعب البحرين، اصبح هناك نظام سياسي مقبول، والا بقي النظام مرفوضا)، ام القبول به وحصر الدور الشعبي بالرقابة والمحاسبة ضمن النظام الذي فرضته العائلة الحاكمة على البلاد؟ على مدى السنوات الماضي تواصل الشد والجذب بين الطرفين: الطرف الهادف لتغيير النظام السياسي والطرف المستعد للتعايش ضمن الاطر الذي فرضها على البلاد. انه اختلاف يبدو محدودا ولكنه ليس كذلك. فقد ادى الى انقسام المعارضة الى شطرين: احدهما يعمل من داخل النظام، وبالتالي فاجندته لا تتضمن تغييره، والاخرى تعمل من خارجه وتسعى لاحداث شيء من التغيير فيه. الطرفان ينتميان لخلفية فكرية وسياسية متماثلة، ولكنهما يختلفان اليوم حول نمط الاداء السياسي، وتقف الجماهير حائرة ازاء تلك الاطروحات. الواضح ان النظام السياسي (الذي يتمثل بدستور الشيخ حمد والقوانين التي تؤسس عليه) لم ينجح في القضاء على المعارضة. وبرغم ان البعض وافق على النظام السياسي في جوهره، فان غالبية المواطنين يرفضون ذلك ضمنا، وان كانوا هم ايضا يتعايشون ضمن اطره. اما الفريق الآخر، الذي رفض التعايش ضمن النظام، فرفض تقنين وجوده السياسي او المشاركة في المجالس القائمة على اساس ذلك النظام، فهم يسعون لاحداث التغيير لاعتقادهم ان البلاد لا يمكن ان تستمر على هذا المنوال. ان هناك الآن غضبا عميقا في النفوس خصوصا بسبب تعمق ظاهرة الخلفنة المقيتة. فما يكاد يمضي شهر الا وتتكرس هذه الظاهرة بتعيينات جديدة لمناصب عليا. وآخر هذه التعيينات استبدال وزير الاعلام، بوكمال، باحدى نساء آل خليفة، وهي مي آل خليفة، ليصبح عدد المناصب الوزارية التي يحتلها آل خليفة 17 من اصل 24 منصبا وزاريا وخمسة مناصب عليا بمرتبة وزير.
لم تشهد البحرين في تاريخها القديم او الحديث وضعا كالوضع الذي تعيشه هذه الايام. فهناك صراع مرير بين طرفين: العائلة الخليفية التي تسعى للتعتيم بكل ما لديها من امكانات ووسائل على حقيقة مشاريعها واهمها تغيير التركيبة السكانية وتكريس الخلفنة، بفرض الرموز الخليفية في اغلب وزارات الدولة ومرافقها، والسيطرة الكاملة على سواحل البلاد لابعاد المواطنين الاصليين (سنة وشيعة) عن السواحل، وحصرهم بالمناطق الداخلية، وتغيير هوية العاصمة السكانية لتتناسب مع هوية الحكم الخليفي. وهناك الطرف الذي اختار المقاومة ضد النظام والسعي لتغييره، وكلا الطرفين يخوضان حربا مريرة ضد الآخر بعد ان ادرك كل منهما ان التعايش ضمن التوازن المختل غير ممكن. ومن الضروري الاشارة هنا الى بعض الحقائق. اولها ان العائلة الخليفية لا تكتفي بالكلام ضد قوى المقاومة (سواء بالاتهامات الصريحة او توجيه إعلامها وعملائها للتصدي للنشطاء، او التصدي للدول التي تمنح البحرانيين لجوءا سياسيا، او اثارة النعرات المذهبية لمنع التضامن الاجتماعي ضد الحكم الخليفي)، بل توجه سياساتها لاضعاف الاطراف المقاومة ومحاربتهم في الرزق والعيش، كما فعلت مؤخرا مع الا ستاذ عبد الوهاب حسين الذي أصدرت اوامر باقالته من منصبه كمدرس بوزارة التربية. ومن جهتها يبدو ان عمل المعارضة التي تقاوم الاحتلال الخليفي اصبح منحصرا بالنضال الاعلامي، وبدأ ينحسر تدريجيا عن الجانب العملي. ولذلك أسبابه التي من بينها حرص رموز المعارضة على عدم تأجيج الاوضاع من جهة، والحفاظ على الامن والسلم الاجتماعيين، بالاضافة الى القوانين القمعية الشرسة، وانتشار فرق الموت التي تدار من قصر الشيخ حمد مباشرة، للتصدي للمقاومين وقتلهم او اعتقالهم وتعذيبهم. مع ذلك فمن الضروري ان تدرك المعارضة ان الاكتفاء بالفعاليات الاعلامية لا يكفي لاحداث التغيير، وان من الضروري تفعيل عناصر المقاومة المدنية ومستلزماتها كجانب ضروري لنجاح مشروع التغيير. ان من الخطأ الاعتقاد بان النظام سوف يتغير بأساليب “الفضح” و “التعرية” امام الرأي العام، او توضيح مثالبه ومناطق ضعفه، او انتهاكاته المتواصلة لحقوق الانسان. وشهر ديسمبر حافل بالعطاءات الحركية التي فرضت على العائلة الخليفية في السابق احداث بعض التغيير، وكشفت عوراتها امام العالم. مطلوب توسيع دائرة المقاومة لتغيير النظام السياسي، وذلك باستهداف دستوره وقوانينه القمعية، وممارسة الحق في التعبير والاحتجاج والتظاهر والاعتصام والاضراب، وكافة اساليب المقاومة المدنية السلمية. صحيح ان النظام يسعى لتجريم تلك الممارسات، ويوجه اعلامه الهزيل لادخال الخوف في نفوس المناضلين، ولكن المطلوب تجاهل تلك الاساليب وافشالها عن طريق الصمود والتصدي للمخططات الخليفية الارهابية والتخريبية. ان الدستور والقوانين التي تفرضها العائلة الخليفية لا تستحق الحبر التي تكتب به لانها لا تتوفر على شرعية الدعم الشعبي، وبالتالي فمن الضروري مقاومتها بدون هوادة. ومن الضروري ايضا احياء المناسبات الوطنية بما يليق من اساليب الاحتجاج والتمرد ضد الهيمنة الخليفية التي بلغت أقصى مستوياتها عبر تاريخ البلاد. ويعتبر عيد الشهداء الذي يصادف الـ 17 من ديسمبر واحدا من اهم المناسبات الوطنية التي يجدر بالمعارضة احياؤها نظرا لما تنطوي عليه من قيم نضالية وصمود مطلوب لمواجهة آل خليفة الظالمين. ان التغيير المنشود يتطلب نهضة سياسية ونفسية، ونفضا للغبار، وتحررا من الخوف والرهبة امام هؤلاء الطغاة، خصوصا بعد ان اصبح شعب البحرين الاصلي (شيعة وسنة) مهددا في وجوده وحريته وكرامته. انها مسؤولية انسانية واسلامية نتمنى ان يقوم الجميع بها، لتتحقق الاهداف ويندحر المحتلون والظالمون والمستبدون.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الاسلامية
28 نوفمبر 2008