معا على طريق شهدائنا الأبرار، وتبا للقتلة والسفاحين ورموزهم
صراع ثقافي وتاريخي وحضاري، ذلك ما يميز نضال شعب البحرين ضد الطغمة الخليفية الحاكمة، وهو صراع مرشح للاستمرار طويلا، ولا يمكن ان ينتهي بموقف سياسي او ديني او مصلحي من اي طرف. ومن الغريب ان نظام الحكم الجائر أكثر ادراكا لهذه الحقيقة من بعض الشرائح السياسية والدينية، ولذلك بادر لاحتوائه حاضرا ومستقبلا بأساليب ملتوية وماكرة، انطلت على البعض، واستوعبت البعض الآخر.
الامر الايجابي في هذه المعمعة ان غالبية الشعب لم تنخدع بتلك الاساليب، وهذا واضح من مشاعره الرافضة للنظام وكراهيته الشديدة للاحتلال الخليفي. ويمكن القول انه ليس هناك شعب خليجي آخر يتحدث عن نظام الحكم لديه بالطريفة التي يتحدث بها شعب البحرينوثمة مصاديق لهذا الصراع الذي أصبح يتركز بشكل اعمق في الوجدان الشعبي بشكل تدريجي. ومن ذلك: اولا ان الحماس لاحياء عيد الشهداء في 17 ديسمبر فاق كل التصورات، فقد اصبحت القرى تتنافس على الدعوة لاحيائه، ورفض اية محاولة من اي طرف لتغيير موعده. وقد باءت كل محاولات طمسه بالفشل، وذلك لان دماء الشهيد لا تجف، وروحه لا تموت، بل هو حاضر وشاهد على عصره. وستؤول كافة محاولات الطمس الى الفشل، لانها ليست نابعة من حقائق التاريخ الحديث الذي بدأت دماء الشهيدين، هاني خميس وهاني الوسطي، كتابة صفحاته، وهيهات يمحى ما كتب بالدم. ونقول لمن يسعى لطمس ذلك التاريخ: اننا لم نحدد ذلك التاريخ، بل ان الطاغية خليفة بن سلمان هو الذي حدده عندما أصدر اوامره لفرق الموت باطلاق النار على شبابنا فقتل العديد منهم. ان الشعور الوطني الحقيقي يقتضي المطالبة بمحاكمة هذا الجلاد المجرم، بدلا من نعته بما لا يستحقه من الاطراء والتعظيم. فاية كلمة اطراء له تقويه على الظلم والاستبداد. لقد اصبح خليفة بن سلمان تاريخا اسود في طريقه الى الزوال من ذاكرة الشعب والوطن، وعلى الجميع التكاتف من اجل التعجيل بانهاء حقبته السوداء التي أثكلت نساءنا وحولت ايامنا الى حزن وعزاء وثكل. فتبا له ولما يمثله من قيم الظلم والقمع والظلم والتخلف والاستبداد، وندعو الله سبحانه ان يزيله عن صدور ابناء الشعب، ويريح البلاد والعباد منه ومن نظام حكمه العفن.ثانيا: ان حلول “عيد الشهداء” مناسبة لعدد من الامور. اولها تجديد العهد مع الذين سقطوا ضحايا في ميدان الحرية، وذلك عن طريق التمسك بمبدأ مقاومة الظلم عملا بالآية الكريمة: “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وان الله على نصرهم قدير”. ثانيها: المطالبة بتفعيل توصيات اللجنة المعنية باتفاقية مناهضة التعذيب التي صدرت في 2005، والتي تطالب باعادة صياغة القانون 56 السيء الصيت الذي اصدره الشيخ حمد في 2002 لكي لا يمنح الحصانة لمرتكبي جرائم التعذيب، ثالثها: الاصرار على حل عادل لضحايا التعذيب يتضمن محاكمة القتلة والجلادين، وذلك لمنع تكرر الجرائم التي ارتكبت بحق شباب البحرين طوال العقود الماضية. ان محاولات البعض لاجبار الضحايا على القبول بتعويضات مادية في مقابل تخليهم عن ا لمطالبة بمحاكمة المعذبين هو الذي شجع جهاز ا لتعذيب الخليفي على مواصلة تعذيب شبابنا، وآخرهم الشباب الذين اعتقلوا عشية ذكرى رحيل الشيخ المجاهد الجمري الاسبوع الماضي. لقد تعرض هؤلاء الى معاملة تندى لها الجبين على ايدي سفاحي آل خليفة المجرمين، فهل يجوز السكوت على هذا الظلم الشنيع؟ثالثا: ان ظلامة شعب البحرين متواصلة، يشعر بها المسحوقون المحرومون من حق الوظيفة والسكن المناسب والعيش الكريم. فهذه الاعتصامات المتواصلة تعبير صادق عن الظلامة، ومؤشر لعمق الشعور بها، وكثرة المتضررين منها. فاعتصام امام مبنى السكرتارية، وآخر امام وزارة الاسكان بالمنطقة الدبلوماسية، وثالث امام مبنى الزراعة بمنطقة البديع، ورابع ينظمه عمال شركة المراعي المفصولين ظلما من وظائفهم. فهل هناك دولة خليجية اخرى يعتصم مواطنوها بهذا الشكل؟ أليس ذلك دليلا على الظلم الخليفي الذي يزداد عمقا بمرور الزمن؟ ان المفارقة في مستويات العيش بين فئة صغيرة تملك الملايين لانها تسرق وتنهب وتنافق الطغاة، وغالبية مسحوقة تعاني شظف العيش لانها أبت الانحناء امام الاستبداد والظلم والطغيان، عامل أساس في استمرار التوتر السياسي الذي تعاني منه البلاد، وستظل كذلك ما دام حكم الاحتلال الخليفي جاثما على الصدور.رابعا: ان الحكم الخليفي يصر بوقاحة على تأميم كافة الفعاليات المدنية، باجبارها على الانضواء تحت دستوره المفروض جملة وتفصيلا. وتأتي المحاكمة الجائرة للمواطن الشاب، محمد المسقطي تأكيدا على النوايا الخليفية الخبيثة التي تستهدف ابناء البحرين ظلما وعدوانا. فالمسقطي لم يرتكب جرما،وفق الاعراف الدولية، عندما عمد لنشر ثقافة حقوق الانسان وأنشأ منظمة شبابية لذلك باسم “جمعية شباب البحرين لحقوق الانسان”. فالحكم الذي يتزعمه الشيخ حمد وعصابته ترفض السماح بأي نشاط سلمي متحضر اذا كان خارجا عن ارادتهم. وربما حققوا شيئا من ذلك في بعض المواقع، ولكن شعب البحرين يرفض الانصياع لهم ولاوامرهم، خصوصا بعد ان اكتشف ان العمل وفق دستورهم وقوانينهم لا يؤدي الا الى زيادة سيطرتهم على شؤون البلاد. فمجلس الشورى، بشقيه المعين والمنتخب، فشل في التحول الى برلمان عصري حقيقي، واصبح فاقدا لأبسط مقومات العمل التشريعي الحر، وتحول الى اداة لتمجيد الاحتلال الخليفي وتعظيم رموزه وتبجيلهم، والاعلام الرسمي تحول الى الحزبية للنيل من الاحرار والشرفاء من ابناء الوطن، والمؤسسات الرسمية التي سجلت ضمن الأطر الخليفية المفروضة اصبحت مقيدة بشكل يمنعها من عمل اي شيء خارج الارادة الخليفية، واصبحت تحت طائلة القضاء الخليفي الجائر. ولذلك وقف احرار العالم مع المواطن البطل، محمد المسقطي، ونددوا بالحكم الخليفي، واعلنوا تضامنهم مع شعب البحرين في نضاله ضد الاحتلال الخليفي.خامسا: ان نضال الشعب متواصل باذن الله في الداخل والخارج، وان الاعتصامين اللذين نظما في واشنطن ولندن ضد الظلم الخليفي كشفا للرأي العام عمق الهوة بين أهل البحرين والاحتلال الخليفي الغاشم. وكان تعاطف المارة ملموسا وهم يقرأون حقائق الوضع في هذا البلد المعذب، ويعلنون عن تضامنهم معه. لقد وقف اصدقاء البحرين من المواطنين الامريكيين، مرة أخرى، وقفة مشرفة، وقطعوا المسافات الشاسعة من اجل المشاركة في الاعتصام امام سفارة البحرين في واشنطن، ولذلك فهم يستحقون الشكر والتقدير والاحترام.مرة اخرى نجدد عهدنا مع الشهداء الخالدين، بالصمود امام الطغيان الخليفي بارادة حديدية لا ينال منها ارهابهم وتعذيبهم، ونقول لهم: قروا عينا وانتم تعيشون في جنان الخلد، بان طريق الجهاد الذي سلكتموه ما يزال سالكا، وان زرافات الابطال والمجاهدين سائرون على ذلك الطريق، حتى يفتح الله بيننا وبين القوم الظالمين. نبارك للحجاج طوافهم وسعيهم، ولشعب البحرين حلول عيد الاضحى المبارك، عيد التضحية والجهاد ضد الشيطان ومن يسير على دربه من الطواغيت والديكتاتوريين والمستبدين. اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك يا رب العالمين.