مات ايان سميث، فليرحل العنصريون عن بلدنا
قبل ثلاثة ايام توفي ايان سميث، آخر رئيس أبيض لروديسيا، عن عمر بلغ 88 عاما. وبوفاته طويت صفحة أخرى من صفحات التمييز العنصري المقيت. وثمة أوجه تشابه عديدة بين النظام الذي تربع المقبور على عرشه، والنظام الجاثم على صدورنا في البحرين. أهم هذه المشتركات ان النظامين يمثلان حكم الأقلية.
ففي روديسيا آنذاك (زيمبابوي حاليا) كانت الأقلية البيضاء التي لم يكن عددها يتجاوز ربع المليون تحكم الأكثرية السوداء التي يتجاوز عددها خمسة ملايين. وفي البحرين تتحكم عائلة آل خليفة التي لا يتجاوز عدد أفرادها ألفي شخص (والتي احتلت البلاد بالقوة) بشعب البحرين الذي يتجاوز عدد سكانه الأصليين (شيعة وسنة) نصف المليون. وفي روديسيا كان الحكم العنصري مدعوما من قبل بريطانيا بشكل أساس، ونظام الحكم البحريني دعمته بريطانيا منذ ان وقعت مع العائلة الخليفية اتفاقية منع القرصنة في 1820. ولم يتوقف دعمها بعد انسحاب قواتها في 1971، بل استمر الدعم السياسي والأمني الذي تجسدت أبشع صوره في شخص السفاح ايان هندرسون، ودونالد برايان. ويقال ان هندرسون عمل فترة وجيزة في نظام ايان سميث بعد طرده من كينيا في 1964، قبل ان تدنس قدماه أرض البحرين في ابريل 1966. وفي روديسيا كانت الأقلية البيضاء تستحوذ على أكثر من نصف أراضي البلاد، وفي البحرين تحتل العائلة الخليفية أكثر من نصف جزيرة المنامة الاساسية، وعلى اغلب الجزر الاخرى واهمها ام النعسان وام الصبان وجدة وحوار. وفي روديسيا كانت الاقلية البيضاء تسعى لسحق ثقافة السود، وتروج لثقافتها غير المرتبطة تاريخيا بتراب تلك الأرض، وتوحي بتخلف الأغلبية السوداء، وتمارس العائلة الخليفية في البحرين سياسات مشابهة، فتصر على تغييب تاريخ البحرين الذي سبق احتلالها البلاد، وتمارس كافة اشكال التمييز الثقافي ضد غالبية شعب البحرين. بوفاة ايان سميث، غاب عن الانظار شخصان من أهم رموز حكم الأقلية و التمييز العنصري، اذ سبقه العام الماضي الى الموت بيك بوثا، رئيس جنوب أفريقيا السابق. ونتمنى ان يغيب عن الانظار كل من يمارس التمييز والظلم والاحتلال في ارضنا الحبيبة، وما ذلك على الله بعزيز.
ان الرغبة بحدوث تغير جوهري في النظام السياسي البحراني أمل ساور الكثيرين من ابناء البحرين خلال القرن الماضي، ابتداء بشخصيات الثلاثينات المرموقة مثل محسن التاجر وسعد الشملان ومنصور العريض، مرورا بشخصيات الخمسينات وفي مقدمتهم عبد الرحمن الباكر وعبد علي العليوات والسيد علي السيد ابراهيم وابراهيم فخرو، ووصولا الى التسعينات وشخصياتها الوطنية المعروفة. كان لكل اولئك رغبة واحدة، وهي ايصال البلاد الى حكم دستوري يشارك في تشكيله شعب البحرين والعائلة الخليفية. لقد كانت المشكلة دائما مع الحكم (ممثلا بالعائلة الخليفية) وليست محصورة مع الحكومة (أي مجلس الوزراء). ولم يكن المناضلون الذين دخلوا السجون خلال العقود السابقة يتحركون ضد الحكومة الا بما هي أداة لتلك العائلة الظالمة. ولذلك بقيت المعارضة خارج النظام لعلمها انها لن تستطيع تحقيق شيء من داخله، خصوصا بعد ان اثبتت التجارب ان من دخل ذلك تغير هو ولم يغير عقلية الحكم المنطلقة على اساس الاحتلال وملك الأرض ومن عليها. وقد استمر هذا الواقع حتى اليوم، ولذلك تواصلت المعارضة التي تسعى لتغيير الحكم من خارجه. نقول ان المعارضة تسعى لتغيير نظام الحكم بدون ان نخشى بطش النظام الاستبدادي، لانه نظام توارثي استبدادي يرفض الاعتراف بوجود شعب البحرين، ويسعى لاستعباده من خلال دستور فرضه على الشعب بالقوة، ومن خلال تغيير التركيبة السكانية بشكل جوهري ودائم. فما دام حكم القانون مغيبا، وكل حل وربط معقود بيد الحاكم، وما دام ديوان الحاكم هو الذي يحكم البلاد ويغير تركيبته السكانية ويحمي مرتكبي الجرائم ضد اهل البحرين ويرعى التنظيم البندري ويدعمه بالمال وكافة اسباب القوة، فلا مناص من تأصيل المقاومة الوطنية الجادة القائمة على اساس “الوعي الوطني البحراني”، ولا مجال للتعايش مع النظام الخليفي في صورته الحالية التي هي الأبشع منذ الاحتلال المشؤوم في 1783. ان هناك الآن مفاصلة تزداد رسوخا مع العائلة الخليفية لانها تصر على حكم البلاد والشعب بعقلية الاحتلال. هذه المفاصلة لا يضعفها ما يدور في مجالس الشيخ حمد الصورية أو وزاراته الخاضعة للأوامر التي يصدرها الطائفي المقيت، خالد بن أحمد آل خليفة. وما حالة الغضب الشعبي المتعددة الاشكال والمواقع الا تأكيد على حقيقة واحدة: وهي ان المقاومة المدنية هي الكفيلة باحداث التغيير وهزيمة عقلية الاحتلال الخليفية. فما حدث في الدراز الاسبوع الماضي عندما تصدى أهلها للمعلمة التي تجاوزت حدودها أكد بشكل قاطع ان الحق لا يسترجع الا بتحدي النظام علنا. وهذا ما أكده اعتصام المواطنين الثلاثة المطالبين بالعمل، حيث تشير الدلائل الى ان العائلة الخليفية سوف ترغم على توظيفهم كما فعلت مع عدد من الذين اعتصموا سابقا مطالبين بحق التوظيف. ان هذا يؤكد ضعف النظام الخليفي، وخشيته من تفجر الغضب الشعبي على نطاق أوسع، خصوصا انه يواجه محاكمة دولية لسجله الحقوقي بعد بضعة شهور.
ومع اقتراب شهر ديسمبر، وهو الموسم الذي اعتادت العائلة الخليفية فيه على توجيه التهم لأهل البحرين بالتآمر ضدها و “الانتماء لتنظيمات سرية تهدف الى اسقاط نظام الحكم” نهيب بالنشطاء والأحرار الاعداد لاحياء عيد الشهداء في 17 ديسمبر، وهو اليوم الذي أصدرت العائلة الخليفية فيه في 1994 قرار قتل المتظاهرين، فسقط أول شهيدين في الانتفاضة وهما هاني خميس وهاني الوسطي. لقد دخل هذا اليوم تاريخ النضال الوطني من اوسع ابوابه، وسجل استعداد اهل البحرين للتضحية من اجل الحرية واستعادة الحقوق ومواجهة الظلم الخليفي، وإفشال مخططات الطغاة وتحدي عبيدهم في شوارع البلاد. لقد هزمت دماء الأحرار أكبر القوى، وأصبح انتصار الدم على السيف شعارا للمظلومين، ولم يعد التنكيل بالاحرار سلاحا فاعلا لدى القتلة والسفاحين. ان احياء عيد الشهداء مسؤولية يفرضها شعور الانتماء للوطن والرغبة في تحريره من المحتلين الذين وضعوا ايديهم على البر والبحر، واستحوذوا على نصف الجزيرة الرئيسية وأغلب الجزر الاخرى، وحرموا المواطنين من السكن والوظيفة وسرقوا اموال النفط، واستغلوا ذلك لشراء الضمائر والمواقف واضعاف الصف الوطني. فليكن ديسمبر مناسبة لاعادة القوة لذلك الصف وتوجيه صفعة موجعة للمشروع الخليفي الظالم الذي حول البلاد الى مبغى يستقدم لها شذاذ الآفاق، ويستضعف أهلها ويهمشهم ويقضي على هويتهم. ان شعب ا لبحرين يعيش صراعا من اجل البقاء والوجود، فهو لا يريد ان يموت، لانه يعشق الحياة الكريمة، ويرفض الاستسلام للظالمين والمستبدين والطغاة والمحتلين. فليتم تجديد العهد مع الشهداء الذين سبقونا بالايمان، ولتتوحد الصفوف لمواجهة هذا العدوان الغاشم على الوجود والحقوق، والله هو الناصر والمعين.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
23 نوفمبر 2007