دروس من إضراب المعلمين، والحاجة لمشروع الوعي الوطني
لا بد من وقفة تأمل مع الاضراب الذي نظمه المعلمون للمطالبة بتحسين اوضاعهم وزيادة رواتبهم. والدرس الابلغ من ذلك الاضراب ان النظام الخليفي لا يفهم الا لغة التحدي، ولا يحترم الا من يرفع صوته ويهتف بمطالبه، ولا يقيم وزنا لمن يستعطيه ويسترحمه.
تلك هي عقلية الطغاة التي تمارس الاستعلاء والاستكبار والتجبر، ولا تمارس العدل على اي صعيد. كان بامكان المعلمين كتابة الرسائل والاستعطاف والاسترحام، ولو فعلوا ذلك لما حققوا شيئا. فالحكم الخليفي الجائر يفرض نفسه بالقوة، ولا يعترف بوجود طرف آخر يشاركه الحكم او الثروة الوطنية. فكل شيء في البلاد مسخر لهذه العائلة المحتلة التي تعمل بشكل حثيث لتغيير هوية البلاد على صعدان شتى: سكانية، وثقافية وتاريخية واجتماعية. فهناك مفاصلة كاملة بين الحكم والمجتمع في هذا البلد الصغير. ذلك هو جوهر الازمة الحقيقي، فالعائلة الخليفية لا تشعر بالانتماء الى هذه الارض او الشعب، وتتعامل معهما بعقلية الاحتلال الذي جاء ليمتص خيرات الارض ويستعبد أهلها. هذه هي لغة الواقع بدون مواربة او دبلوماسية او نفاق. وجاءت تجربة اضراب المعلمين لتؤكد اهمية مشروع المقاومة المدنية في تحقيق المطالب الشعبية، وان اية وسيلة اخرى غير مجدية في هذا الجانب. فالمقاومة المدنية هي الكفيلة بتمريغ أنوف رموز الحكم المتربعين على كرسي الحكم والجاثمين على صدور الشعب والمراهنين على تمزيق وحدته والقضاء على هويته، والغائه تماما من المعادلة السياسية.طرح مؤخرا مشروع “الوعي الوطني البحراني” كخريطة لطريق النضال المتواصل. انه مشروع يهدف لتعميق الشعور بالانتماء الى هذه الارض والارتباط بها تاريخا وثقافة وأخلاقا. بعيدا عما تسعى العائلة الخليفية لفرضه من تغييرات سكانية وثقافة مرتبطة بتاريخ الغزو والاحتلال، وتحريف لتاريخها الذي خطته أقلام العلماء والشعراء على مدى القرون التي سبقت الاحتلال الخليفي. انه مشروع يسعى لتحريك مشاعر المواطنين الاصليين (من الشيعة والسنة) الذين يشاهدون سياسات الاقصاء والاستئصال والتهميش ويشعرون بمرارة ازاء استمرار الوضع الراهن الذي، ان استمر على ما هو عليه، فلن يكون الا لصالح عقلية الاحتلال الخليفية ومشاريعها الظالمة. انهم يسعون لتذويب الهوية الوطنية بكل اساليبهم الخبيثة، ومن هذه الاساليب: أولا: تحديد تاريخ البلاد بعام الاحتلال الاسود في 1783، فلا ثقافة تسبق ذلك ولا تاريخ ولا عطاء ولا وجود. ثانيا: تغيير المعالم التاريخية للشعب والبلاد، فقد قضي على كافة التراث بعنوان تحديث المباني منذ الستينات حتى الآن، فلم يبق في قرى البحرين مبنى قديم يربط الاجيال بماضيها، ثالثا: تغيير اسماء القرى والمناطق التاريخية لقطع الوشائج مع التاريخ، وبرغم اعتراض المواطنين على ذلك فان مشروع التغيير متواصل، وان توقف بين الحين والآخر لتحاشي اثارة المشاعر. رابعا: تذويب هوية المناطق وعلاقاتها الاسرية والاجتماعية، وذلك بمشاريع تذويب خصوصيات القرى عن طريق تهجير مواطنيها الى مناطق اخرى، واستقدام آخرين ليحلوا مكانهم، وبالتالي فلن تبقى الهوية التاريخية لكل قرية ومنطقة اذا استمرت عمليات التهجير والتوطين بالنمط الحالي. خامسا: فرض مناهج تعليمية لا تراعي خصوصيات المواطنين وتاريخهم وثقافتهم واعتقاداتهم، برغم ارتفاع الاصوات المطالبة بذلك. سادسا: تبني سياسة التوطين الجديدة التي تتضمن استقدام عشرات الآلاف من الاجانب ليحلوا محل المواطنين الاصليين. سابعا: فتح المجال امام التجار الخليجيين لتملك الاراضي في بلد صغير مكتظ بسكانه بكثافة هي من بين اعلى الكثافات السكانية في العالم نظرا لصغر المساحة الجغرافية وتنامي عدد المواطنين. ادى ذلك الى صعود اسعار الاراضي بمعدلات جنونية لا يستطيع المواطنون تحملها، فيواجهون خيارات الهجرة. ثامنا: الاستمرار في استقدام العمالة الاجنبية وتشجيع المواطنين الاصليين على الهجرة الى بلدان الخليج الاخرى بحثا عن العمل والسكن، وعرض ذلك كانجاز في سوق العمل. امام هذه المشاريع الاجرامية التي تستهدف الهوية الوطنية، تم طرح مشروع “الوعي الوطني البحراني” على امل ان يتعمق في النفوس، فيبعث فيها القدرة على التمرد ضد هذا نظام الاحتلال الخليفي، وافشال خطة القضاء على الهوية الوطنية. اننا ندرك حجم التأمر الخليفي ضد ابناء البحرين (شيعة وسنة)، ونرصد أساليب التخدير المتواصلة التي تبدو في ظاهرها “انفتاحا” و “اصلاحا” بينما تستبطن اهدافا شريرة يجدر بكافة المواطنين على اختلاف مستوياتهم وانتماءاتهم استيعابها بشكل حقيقي ليدركوا الخطر المحدق بوجودهم البشري والفكري والديني. نطرح مشروع “الوعي الوطني البحراني” آملين ان يساهم النشطاء من مختلف مواقعهم في بلورة أطره ومعالمه، وتحويله الى ثقافة عامة تبعث في نفوس المواطنين، خصوصا الاجيال الجديدة، الشعور بالانتماء والقيمة الانسانية والهوية الدينية والثقافية، والتمرد على محاولات مسخ تلك الهوية بمشاريع التوطين وفرض انماط جديدة من الثقافات الدخيلة. وما تحفل به وسائل الاعلام اليوم من انماط للثقافات الدخيلة، والمفاهيم الهادفة للرضوخ للاحتلال والغزو والاستكبار، أمر يثير مشاعر الاحرار والشرفاء، والامل ان يكون ذلك حافزا لتبلور عدد من الامور: اولها تعمق ثقافة الانتماء والشعور الوطني على اسس تاريخية وثقافية ودينية مشتركة” وثانيها: تكريس الشعور بالمفاصلة مع العائلة الخليفية التي لم تستطع حتى الآن الانصهار في المجتمع بل بقيت منفصلة عنه في القصور الفاخرة بينما يعيش المواطنون أزمات العيش والمسكن والوظيفة والخدمات العامة. وثالثها: تحريك مشاعر الحرية في نفوس المواطنين، وتأصيل قيم العزة والكرامة، ورابعها: السعي لخلق توافق وطني يهدف للحفاظ على الوجود ويطالب بالحقوق، مع مقاومة اساليب التذويب السياسي والثقافي وتمييع المشاعر والمواقف، ورفض استمرار حكم الفرد الواحد الذي يمارس سياسة الهبات والمنح والمكرمات بديلا لحكم القانون. ان الصوم في هذا الشهر الكريم عامل ايجابي لتعميق الشعور بالحرية وتقوية ارادة مقاومة الشيطان ومن يمثله من شياطين الانس خصوصا الطغاة الذين يسعون لاستعباد البشر ويمارسون الظلم ويأكلون اموال الناس بالباطل.. فليكن صومنا كاملا باستيعاب اهدافه التي من اهمها تقوية الارادة والرغبة في التغيير ومواجهة الشياطين وافشال خططهم وعدم الانخداع بهم وبوعودهم، والاعتماد على الله سبحانه اولا وعلى المقاومة الذاتية ثانيا. تقبل الله من الجميع الصوم والصلاة والعبادة، ووفقنا جميعا للتعبد اليه سبحانه برفض حكم الشياطين ومقاومة الطواغيت والمحتلين.اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، يا رب العالمين.