خيارات الشعب المحدودة لمواجهة الحرب الخليفية الشاملة
لم تبد البحرين عبر تاريخها الطويل اكثر استقطابا مما اصبحت عليه الآن. فقد دخلت العائلة الخليفية على خط التآمر والتراشق من اوسع الابواب، ووجهت اجهزة استخباراتها لمواجهة اهل البحرين في حرب مفتوحة على كافة الصعدان. وبهذا دخلت البلاد مرحلة خطيرة تنذر بظواهر مدمرة في المستقبل غير البعيد.
فلم يعد الصراع اليوم بين الطرفين محصورا بدائرة الحقوق والتوافق الدستوري، بل توسعت الدائرة ليدخل الطرفان حرب وجود ماحقة. معالم هذه الحرب تتضح من عدد من الشواهد: اولها إقدام الشيخ حمد بخطوته المدمرة في 14 فبراير 2002 بالغاء شعب البحرين من المعادلة الدستورية. ومن الضروري استيعاب ما أعلن عنه في ذلك اليوم الاسود بقدر من التمعن، وادراك ان تلك الخطوة ليست محصورة بالجوانب الفنية لكتابة الدستور بل تعني فك الارتباط القانوني بين العائلة الحاكمة وشعب البحرين، ذلك الارتباط الذي لم يقنن رسميا الا بعد الاستقلال عندما توافق الطرفان من خلال دستور 1973. كانت خطوة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة تعني انه لم يعد ملتزما بما اتفق عليه الطرفان، وان الطرف الآخر في المعادلة (شعب البحرين) لم يعد شريكا متساويا في الحكم او القرار السياسي. ولتحقيق الظروف التي توفر له ذلك أقدم على مشروع التوطين والتجنيس السياسي بوتيرة غير مسبوقة، وهيأ الاوضاع لما آلت اليه الآن. ويستمر المخطط الخليفي الذي يعتبر تطهيرا عرقيا، وان كان يمارس بأساليب غير عنيفة. ومن خلال اساليب الحكم التي اعتمدت أساليب الاحتواء والاسكات واخماد اصوات المعارضين وشراء المواقف والذمم، جاءت ردة الفعل على هذه الجريمة الكبرى محدودة وغير ذات شأن.
اما الشاهد الثاني على الحرب الماحقة فيتمثل بتأسيس مجموعات سرية على نمط ما فعله اليهود قبل قيام الكيان الصهيوني، عندما عمدوا لتشكيل المجموعات الارهابية التي عملت بأساليب شتى. تلك المجموعات كانت تهدف لاحداث تغيير جذري في تركيبة فلسطين تمهيدا لقيام الكيان الغاصب، فشجعت الفلسطينيين، بأساليب ملتوية، على بيع الاراضي لليهود، وفي الوقت نفسه حولت الاوضاع الداخلية الى حالة مأساوية شجعت الكثير على الهجرة، وبموازاة ذلك مارست الارهاب كوسيلة لتشجيع ذلك وادخال الرعب في القلوب، وتدخلت ايضا لشق صفوف الفلسطينيين بشراء الذمم وتوظيف العملاء. ولا يستبعد ان يكون مشروع الخلايا البندرية قد جاء بمشورات اسرائيلية، اذ يعتقد ان العائلة الخليفية بدأت اتصالات سرية وتعاونا وثيقا مع جهات اسرائيلية عديدة من بينها “الموساد”. وهناك اتصالات وثيقة بين الجانبين، بدأها علنا ولي العهد بلقائه مع شمعون بيريز في دافوس في العام 2001. الخلايا البندرية اليوم تعمل بنشاط محموم، يرأسها احمد عطية الله آل خليفة الذي يستلم اوامره من خالد بن أحمد آل خليفة، وزير ديوان الشيخ حمد، وهو معروف بطائفيته وحقده ضد اهل البحرين وكل من يعارض الاستبداد الخليفي. تقوم هذه الخلايا باعمال قذرة من بينها تشجيع التوجه الطائفي في البلاد، على اساس ان اي توافق بين اهل البحرين، شيعة وسنة، يضر بمصالح العائلة الخليفية المحتلة، وابتزاز الافراد بالتجسس عليهم ثم مساومتهم، وتوجيه الاعلام بما يكرس التشطير العرقي والطائفي، و التشويش في المنتديات الالكترونية بشكل بذيء جدا، وهذا واضح من التعليقات التي تكتب في تلك المواقع. والواضح ان نجاح تلك الخلايات كان محدودا، فعمدت مؤخرا لأسلوب آخر، يتمثل بتدشين مواقع الكترونية خاصة بتلك الخلايا تمارس السب والشتم والتزوير من اجل ايقاع الفتنة وتكريس الاستقطاب الطائفي، وشن الحملات ضد المناضلين والتصدي لكل من يعارض الاحتلال الخليفي.
اما الشاهد الثالث فيتمثل بما اصبح يعرف بـ “فرق الموت” وهي فرق خاصة تخضع اداريا لديوان الشيخ حمد، وتمارس القتل والتعذيب بأساليب جديدة. فبدلا من الاعتقالات الطويلة والتعذيب في الزنزانات، اصبحت هذه الفرق تواجه المواطنين في الشوارع، فتقتل وتعذب بشكل فوري وبدون مراعاة للقيم والاخلاق. وقد استشهد حتى الآن عدد من المواطنين على ايدي هذه الفرق. كان الشهيد نوح خليل آل نوح، في 1998 اول شهداء فرق الموت وكانت جريمة قتله باكورة عمل هذه الفرق. وبعد استرخاء محدود عادت هذه الفرق لتمارس ارهابها ضد اهل البحرين، فقتل في العام 2001 الشهيد محمد جمعة الشاخوري، وفي الصيف الماضي قتلت المواطن الشاب مهدي عبد الرحمن، وقبل بضعة شهور ارتكبت جريمة قتل المواطن الشاب عباس الشاخوري. وكان دور فرق الموت واضحا في تلك الجرائم، اذ لم يتم القاء القبض على مرتكبيها ولم يحاكم اي شخص بتهم القتل العمد. وتوسعت دائرة الارهاب الذي تمارسه تلك الفرق، فأصبحت تتصدى للمتظاهرين والمعتصمين بشكل استفزازي وارهابي. واصبحت تعتمد اسلوب العقاب الفوري المباشر، اذ يتم تعذيب المشاركين في هذه الفعاليات علنا، فتكسر ارجلهم وايديهم وتجلد ظهورهم بوحشية متناهية، وينكل بهم أيما تنكيل، ولكن بطرق لا تترك أثرا. فرق الموت هذه تعمل بسرية وحذر، وتمارس جرائمها بحرفية لم تتوفر الا لدى فرق الموت الصهيونية التي تمارس تصفية نشطاء المقاومة الفلسطينية. ويمكن القول ان هذه الفرق تشكل جانبا مهما من سياسة الدفاع الاستباقي لدى العائلة الخليفية المحتلة، ويحظى افرادها برعاية خاصة من ديوان الشيخ حمد، ولا يتوقع حصول تغيير في حالة الدعم هذه ما لم ينشط المواطنون في كشف هذه الخلايا وانشطتها وتقديم الشكاوى للجهات الدولية الحقوقية والسياسية ضد النظام الخليفي باعتباره نظاما محتلا لا ينتمى للارض واهلها.
والشاهد الرابع يتمثل بالتطهير العرقي الذي تمارسه العائلة الخليفية. فمنذ ان صعد الشيخ حمد الى الحكم اتخذ قرارا استراتيجيا مهما يقضي بتغيير تركيبة سكان البحرين لتحاشي التهمة التاريخية التي وجهت لهذا الحكم والتي مفادها انه يمثل حكم الاقلية، على غرار النظام العنصري في روديسيا سابقا، وجنوب افريقيا. هذه التهمة ما تزال توجه للعائلة الخليفية، ولذلك يسعى الشيخ حمد لتجاوز هذه الاشكالية عبر مشروع التجنيس السياسي الذي يهدف لاحداث تغيير جذري في التوازن السكاني في هذه الجزر المبتلاة. وبرغم محاولاته عرض القضية ضمن اطر مذهبية فان هناك ما يشبه الاجماع ضد هذه السياسة. كما ان المعارضة الحقيقية لنظام الاحتلال الخليفي متواصلة وتتألف من عناصر تمثل كا فة طوائف المجتمع ا لبحريني وفئاته الايديولوجية والسياسية. صحيح ان الشيخ حمد نجح في بداية مشروعه في تشطير المجتمع وفق خطوط عرقية ومذهبية، وشجع تشكيل الجمعيات لتمثل تلك الخطوط، ولكن ثلة من المواطنين الاحرار وعت تلك الخطة الاجرامية، فواجهتها برص الصف في تشكيل سياسي واحد، أطلق عليه “حركة حق” وهي أول تأسيس سياسي شامل يتجاوز الحدود المذهبية والعرقية المصطنعة، وينطلق على ارضية توافق اهل البحرين وتماسكهم ورغبتهم في اصلاح اوضاعهم السياسية ضمن اواصر الحب والاحترام والاعتراف المتبادل بعيدا عن اساليب التصفية والاستهداف. وقد عكست اجواء النشاط المعارض في الاسابيع الاخيرة خارج البلاد حالة التوتر التي تشوب العلاقة بين العائلة الخليفية وعملائها من جهة والمناضلين الشرفاء من جهة اخرى. فقد شنت الخلايا البندرية واعلام السلطة هجوما كاسحا على الندوة السنوية التي تنظمها المعارضة البحرينية في لندن في ذكرى الاستقلال وحل المجلس الوطني، في محاولة يائسة للنيل من عزائم النشطاء. ولكنها باءت بفشل كامل، وانعقدت الندوة في وقتها وبمشاركة النشطاء الذين نذروا انفسهم لقضايا شعبهم، ورفضوا المشاركة في ظلم العائلة الخليفية بأي شكل من الاشكال. لقد كان النشاط ناجحا، برغم وجود الخلايا البندرية التي انفقت اموال الشعب لتحمل نقفات سفرها الى بريطانيا والاقامة فيها. وبرغم تصدي تلك الخلايا للمعارضين في الهايد بارك، فقد كان وجودهم عاملا ايجابيا لايصال الفكرة التي سعى المعارضون لايصالها للعالم.
في هذه الحرب الماحقة، فان امام شعب البحرين واحدا من خيارين: فاما الصمود والتصدي للاحتلال الخليفي الجائر، او الاستسلام له والذوبان في مشروعه، والتخلي عن الهوية التاريخية للبحرين وشعبها. وقد آلى الاحرار ان لا يتخلوا عن ثوابت النضال مهما كانت التضحيات، وقرروا التصدي لهذا النظام الشيطاني الجائر، حتى يتحقق لشعب البحرين ما يريد من حرية وأمن واستقرار في حياة برلمانية محمية بدستور شرعي توافقي بين ابنائه