التخلص من الظلم الخليفي هدف لن يتخلى الشعب عنه
ثمة ظاهرة ايجابية ملازمة للوضع البحراني تتمثل في الاستيعاب الشعبي لأولويات العمل الوطني برغم محاولات العائلة الخليفية المستمرة لحرف مسيرة النضال الشعبي. فما دامت المطالب الاساسية لهذا الشعب مرفوضة من قبل هذه العائلة المحتلة، فلن تستطيع يوما اجهاض النضال المتواصل برغم الاساليب غير الشريفة التي يمارسها الحكم، ابتداء بالاعتقال والتعذيب والتهديد مرورا بوسائل الاغراء وشراء المواقف والضمائر، وصولا الى حرب الوجود التي تشنها ضد اهل البحرين.
وقد تنشغل المقاومة الوطنية بقضايا هامشية كشراء “شهادة حسن السلوك” لرئيس الوزراء من الامم المتحدة، او قانون استلاب اموال المواطنين المسمى بـ “قانون التعطل”، ولكن سرعان ما تستعيد المقاومة المدنية توازنها وتتوجه لنظام الحكم الوراثي الاستبدادي الجاثم على صدور ابناء البحرين، بلا شرعية. نقول “شراء شهادة حسن السلوك” بعد ان تأكد ان الطاغية خليفة بن سلمان آل خليفة، قدم مليون دولار للجنة المستوطنات البشرية التابعة للامم المتحدة، التي أعطته “الجائزة”. ولم يعد أمرا خافيا ما تمارسه هذه العائلة السارقة من فساد مالي واداري في اطار سياسات التشويش والتضليل التي تمارسها. فما أكثر الجهات الاجنبية التي حظيت بـ “مكرمات” مالية من كبار رموزها، في مقابل وقوف تلك الجهات ضد شعب البحرين ونشطائه ومقاومته المدنية. ويتردد هذه الايام ان شخصا معروفا بدعمه للعائلة الخليفية، يرأس معهدا للدراسات في لندن، قد فر بمبالغ كبيرة من اموال الشعب البحريني المسروقة، بدون ان ينفذ ما اتفق عليه مع اعمدة النظام الخليفي. وتقول المعلومات ان شخصا آخر كان محسوبا على المعارضة قد قدم مشروعا بديلا للدفاع عن العائلة الخليفية في المحافل الدولية ليحل محله.
ان شعبنا يواجه نظاما استبداديا متخلفا، لا يتورع عن استخدام أبشع الاساليب وأسوئها وأكثرها سقوطا وانحطاطا لقمع ابناء هذا الوطن المظلومين. مستفيدا من حالة الصمت التي التزم بها الرموز الدينية الكبيرة خصوصا ازاء المشروع الاخطر الذي ينفذه على الارض، والمتمثل بتغيير التركيبة السكانية والقضاء على الهوية التاريخية للبلاد. هذا الشعب كان يناضل في العهد السابق من اجل حقوقه المغصوبة، اما الآن فهو يناضل من اجل الوجود، بالاضافة الى محاولة استرداد بعض حقوقه المشروعة. لقد استطاعت العائلة الخليفية المجرمة تحويل القضية مع شعب البحرين الى قضية وجود، ولذلك يلاحظ ان افرادها اصبحوا اكثر حماسا ونشاطا لدعم مشروعهم. وهذا واضح من نشاط سفيرهم في لندن، الذي اصبح ينطلق بعقلية حزبية، وليس كالسفراء السابقين الذين كانوا يتحركون ضمن اطرهم الوظيفية. السفير الخليفي في لندن اصبح يستدرج الطلبة باساليب ماكرة، بالترغيب المادي واللغة الماكرة، مدعوما بطاقم من الموظفين والمستشارين الذين أشاروا عليه اخيرا بالانفاق السخي من اجل كسب مواقف الطلبة. فمن يحضر اللقاءات التي ينظمها بعناوين براقة، يستلم مائة جنيه بعنوان تكاليف السفر. كما اصبح يمد الجسور والهيئات والمنظمات، مستغلا اموال الشعب المسروقة لشراء المواقف بها. وفي ظل القرار غير الموفق بكسر الحواجز النفسية والتاريخية بين اهل البحرين والعائلة الخليفية، فقد توفرت للعائلة المجرمة فرصة الانقضاض على عقول الشباب وقلوبهم، لابعادهم عن ساحة الصراع التي تبذل المحاولات والجهود لتحجيمها تدريجيا.
القضية اليوم ايها الاخوة والاخوات، ليست محصورة في مواقع محدودة، بل ممتدة على عرض شؤون البلاد وعرضها. فبالنسبة للعائلة الخليفية، فقد قررت قرارها التاريخي باستبدال شعب البحرين بشعب آخر يستقدم من اقاصي الارض. وكما ينقل احد المطلعين، فان هناك حالة استغراب في اوساط الحكم من المقاومة الخفيفة لمشروعها، وانها كانت تعتقد ان المقاومة ستكون شرسة، ولم تكن تتوقع ان تكون بهذا المستوى من الهامشية. مع ذلك يشعر آل خليفة بان مقاومة مشروع التغيير الديمغرافي من قبل النشطاء الذين قرروا العمل خارج الاطر الخليفية الرسمية، قد بدأ يحرجها في المحافل الدولية. وقد بدأت تسعى لمحاصرة تلك الجهود، بعدد من الاساليب: منها اولا تكثيف نشاط عملائها في الداخل والخارج لمحاصرة الطرح الوطني والدفاع المقدس عن اهل البلاد الاصليين (شيعة وسنة)، ثانيا: استهداف رموز هذا النشاط بشتى الاساليب. ولئن فشلت محاولة اعتقال الاستاذين حسن مشيمع وعبد الهادي الخواجة وسجنهما، فانها لم تتوقف عن مطاردة النشطاء، كما فعلت مع لجنة العاطلين مؤخرا، عندما استدعت بعض رموزها وهددتهم بالانتقام ان لم يكفوا عن نشاطهم. ثالثا: تكثيف ظاهرة “الارجاف” وذلك بدس عدد من العملاء في الاوساط الوطنية لبث الفرقة والبلبلة. وقد شوهد في الفترة الاخيرة ان الملتقيات الالكترونية اصبحت مخترقة بشكل واضح من قبل هؤلاء الذين يطرحون قضايا لتشويش الاذهان، ودعم المشروع الخليفي، باساليب مختلفة بهدف الفتنة والايقاع بين ابناء الوطن. رابعا: زيادة الميزانية التي رصدت للتأثير على مواقف الجهات الحقوقية والاعلامية والسياسية الاجنبية لمحاصرة انشطة المقاومة المدنية المتصاعدة ضد الاستبداد الوراثي. خامسا: ممارسة سياسة الجزرة لمن يريد ان يساير الحكم والعصا الغليظة لمن يقاومه، بشكل لم يسبق من قبل، وذلك واضح من الرواتب العالية للمسايرين، وتكسير عظام المتظاهرين والمعتصمين مثل أحمد خميس وعلي الخباز وغيرهما.
برغم ذلك، فان ما سجله شعب البحرين من قدرة على القفز فوق سياسات العائلة الخليفية المجرمة ورفض الانجرار لصراعات جانبية مع قطاعات الشعب ذات الاتجاه الفكري او الايديولوجي المتباين، يؤكد وعيا عميقا بان المعركة اليوم انما هي مع هذه العائلة المحتلة التي لم تراع في البحرين واهلها إلا ولا ذمة. وينطلق هذا الشعب وممثلوه في نضالهم على أسس ايمانية راسخة، فهم مؤمنون بربهم ودينهم وقرآنهم ونبيهم وائمتهم، بلا مجاملة او جفاء، واغلبهم اسلاميون في منطلقاتهم ووطنيون في مواقفهم واتجاهاتهم، ويعتبرون ان مواجهة الظالم هو أقصر الطرق لدفع الضرر، اما مسايرته فتكريس له، واضعاف للصادعين بالحق والناهين عن المنكر. ان صراع شعبنا مع هذه الطغمة الحاكمة متواصل بعون الله، ولن يتوقف حتى يآذن الله بنصر منه للمؤمنين والمظلومين، وما ذلك على الله بعزيز.
نتذكر هذه الايام مرور عشرة اعوام كاملة على استشهاد عدد من شبابنا الاشاوس، مثل عبد الزهراء ابراهيم عبد الله والشيخ علي النجاس. ولا ننسى تمزيق جسد الطفل آنذاك، زهير مهدي. ان دماء هؤلاء تستعصي على الموت، وتمد شعبنا بالحياة والحركة من اجل صنع مستقبل أفضل خال من الظلم الخليفي المقيت.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا، يا رب العالمين.