يوم القدس العالمي ومحور الصمود ضد الاحتلال من البحرين الى فلسطين
اعتاد شعبنا البحراني البطل إحياء يوم القدس العالمي بأساليبه المتحضرة، ولم تنجح سياسات الخليفيين ضد ذلك في منعهم من أداء ما يعتقدونه واجبا شرعيا وإنسانيا. فالبحرانيون احتضنوا قضية فلسطين منذ ان دنست ارضها أقدام المحتلين. شاركوا في الدفاع عنها، قاطعوا المحتلين وبضائعه، وما يزالون يرفضون شراء المنتجات الاسرائيلية برغم فرضها في السوق من قبل الخليفيين، وأقاموا الندوات والمؤتمرات دعما للقضية، فألقوا الخطابات وجمعوا التبرعات. وخرجوا في المظاهرات ضد الاحتلال بدون توقف برغم رفض الخليفيين الذين كثيرا ما اعتدوا على تلك المظاهرات واعتقلوا المشاركين. البحرانيون قدموا الشهيد محمد جمعة الشاخوري في ابريل 2002 شهيدا من اجل فلسطين عندما احتجوا امام السفارة الامريكية ضد دعم امريكا غير المحدود للكيان الاسرائيلي، فكان نصيبهم طلقات الرصاص بأمر من الطاغية الحالي. فاذا بالشهيد مضرجا بدمائه. وساهموا في كسر الحصار الذي فرضه المحتلون على غزة، وشاركوا في الحملات التي توجهت الى مصر ولبنان بهدف الوصول الى غزة. اما يوم القدس العالمي فقد حظي باهتمام واسع وحضور ميداني كثيف، وفي كل مرة كان البحرانيون يدفعون ثمنا باهضا لذلك الا هتمام لان الخليفيين يرفضون ذلك. وما ان اعلن طاغيتهم ونجله التطبيع مع العدو حتى خرجت جحافل المحتجين في شوارع البحرين لاعلان موقف مشرف رافض للتطبيع والمطبّعين. بل قرر رموز القوى الثورية رفض اي حوار مع رموز الحكم الخليفي الذين خانوا الله ورسوله والانسانية والامة والوطن و الشعب بتطبيعهم مع قوات الاحتلال.
هذا العام يحل اليوم العالمي للقدس وسط ظروف صعبة وتطورات عديدة: اولها استمرار الوباء بمعدلات عالية في اغلب مناطق العالم، الامر الذي يحول دون تنظيم التظاهرات والاحتجاجات بهذا اليوم المقدس، ثانيها: تصاعد وتيرة خيانة التطبيع التي ارتكبها الخليفيون والاماراتيون ويسعون لاستخدامها لكسر ارادة الشعوب وضرب قضية فلسطين وحقوق شعبها. ثالثها: تصاعد الحماس للقضية لدى مجموعات محور المقاومة الذي يرفض الاستسلام للاحتلال ويسعى لتحرير فلسطين من الاحتلال. رابعها: حدوث تغيرات دولية واقليمية محدودة تقلص من وهج الاحتلال والمطبّعين معه، الامر الذي يساهم في تعميق الشعور الشعبي بحتمية انتصار إرادة التحرير، خصوصا مع تداعي محور الانبطاح الذي تقوده السعوديون والاماراتيون والخليفيون. يضاف الى ذلك ما يبدو من حماس متصاعد لدى الجهات المحسوبة على محور المقاومة لقضية فلسطين والإصرار على مبدأ تحرير القدس والتصدي لمحاولات التطبيع والانبطاح المدعومة بالدولار النفطي بشكل واضح. ثمة حماس يمكن ملاحظته في وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بالحديث عن القدس وفلسطين والاحتلال، وتسعى لتعميق الشعور بالواجب الديني والانسانية تجاه القضية. هذا برغم الحملات الاعلامية المضادة التي تمارس “حربا ناعمة” تستهدف عقول العرب والمسلمين ومشاعرهم لتبعدها عن فلسطين وقضيتها. وما اكثر البرامج التلفزيونية الرمضاية التي تسعى لإضعاف وهج القضية في الوجدان الشعبي العربي والاسلامي، وإلهائه ببرامج ترفيهية كثيرة تساهم في ذلك.
أيام كان الامر فستظل قضية فلسطين والقدس عنوانا لظلامة أمة واضطهاد شعب. والظلامات لا يمكن محوها ما لم يتم رد المظالم وحماية الحقوق. وقد ساهمت جهود المتحمسين لقضية القدس في توسيع دائرة الاهتمام بها، فأصبح هناك حضور لها في بلدان متباعدة من شرق العالم الى غربه، من ماليزيا واندونيسيا شرقا الى المغرب العربي وارووبا وامريكا غربا. انها طبيعة القضية وما تنطوي عليه من أبعاد إنسانية وحضارية، وما تمثله من اعتداء على الحق الديني لقطاعات واسعة من ابناء هذا العالم. فالظلامة لم تنحصر بالفلسطيني او العربي او المسلم فحسب، بل ان المسيحي يشعر بالاضطهاد والظلم لان مقدساته مهددة بالاحتلال بسبب حالة الطمع والجشع والتوسع لدى مجموعات الاحتلال. وقد أججت قضية حي الشي جرّاح في القدس مشاعر الكثيرين نظرا لما تمثله من عدوان وظلم واضحين وقبيحين. فقد قرر المحتلون توسيع دائرة الاستيطان لتشمل هذا الحي الذي يقطنه أبّا عن جد اكثر من 500 فلسطيني. الاحتلال الاسرائيلي يفرض على هؤلاء إخلاء منازلهم والخروج من المنطقة التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم. وتكشف مشاهد العدوان اليومي على السكان الرافضين لترك المنطقة توحش العدو وأساليبه، وحالة الإباء والصمود لدى السكان الاصليين. وفي مقابل هذا الصمود يغيب الموقف الدولي الرادع للمحتلين. فقد اصبح هؤلاء يمارسون جرائمهم بدون الخشية من ردود فعل مناسبة تضرب على أيديهم وتمنعهم من توسيع الاستيطان. ومن المؤكد ان الصمت الامريكي والاوروبي من اهم عوامل تشجيع المحتلين والمستوطنين. انه صمت مروّع لا يليق بالانسانية التي يفترض ان تتصدى للظلم وتمنع العدوان.
الشعب البحراني هذا العام أصبح أكثر حماسا لاحياء يوم القدس العالمي لانه اكتشف ان خطر الاحتلال ليس محصورا بفلسطين والقدس فحسب، بل اصبح يغزو المنطقة بتغول واستكبار وغرور. ومنذ ان قرر طغاتهم الخليفيون الخروج على إجماع الامة وشعوب المنطقة برفض الاحتلال ودعم فلسطين وأهلها، توسعت الهوة مع الشعب الذي ما برح وفيّا للقضية التي تعتبر من أوضح تجليات أزمة الامة وتراجعها. الخليفيون التحقوا بركب التطبيع بدون استشارة الشعب، معتقدين ان من حقهم اتخاذ القرارات المصيرية بالنيابة عن الوطن والشعب بدون الحاجة للمناقشة او الاستشارة. هذه العصابة التي تخلت عن السيادة الوطنية تتشبث بالادعاء بان التطبيع مع العدو قرار سيادي يختص بالعائلة الخليفية. وهذا الموقف يرتبط بشكل وثيق بحكمهم الذي أصبح اكثر استبدادا وظلما بعد وصول حمد بن عيسى الى الحكم، وازداد تعنتا بعد وفاة رئيس الوزراء السابق واستيلاء حمد وابنائه على الحكم بشكل مطلق. هؤلاء يعلمون ان الشعب يرفض التطبيع جملة وتفصيلا سواء في فلسطين ام البحرين. ولذلك لا يجشمون انفسهم عناء العودة الى الشعب لاستمزاج رأيه من التطبيع ومد الجسور مع العدو اللدود للامة. هذه القناعات الراسخة لدى الخليفيين ساهمت في حالة استقطاب غير مسبوقة، وستؤدي حتما لحالة مفاصلة أبدية بين البحرانيين الاصليين (شيعة وسنة) والخليفيين الظالمين. لذلك اصبح يوم القدس العالمي تجسيدا لحالة رفض شاملة لدى الشعب البحراني لكل ما هو مرتبط بالاحتلال كظاهرة معادية لحقوق الشعوب ومشروع استئصالي شيطاني يسعى لكسر شوكة الامة بترويج الخلاف والاختلاف بين مكوناتها. مع ذلك يمكن الادعاء بان ثمة حالة من الوعي تسري في جسد الامة، ترتبط بفلسطين أرضا وشعبا وتمتد لمواقف الدول العربية الاخرى المهرولة للتطبيع والاستسلام. شعبنا البحراني يشعر انه الاقوى اخلاقيا ومعنويا وقانونيا عندما يرفض سياسات التطبيع والانبطاح والاستسلام التي يتبناها الخليفيون. لذلك يتوقع استمرار هذه المناكفة الاخلاقية والسياسية والفكرية في المستقبل المنظور. الامر المؤكد ان المناضلين قد حسموا موقفهم ولملموا شتاتهم وأصبحوا اكثر انحيازا لمشروع تحرير القدس ورفضا لمشروع التطبيع الذي يعتبرونه خيانة وانبطاحا واستسلاما.
نبارك لشعبنا البطل احياءه يوم القدس العالمي، وعشقه فلسطين واهلها ورفضه الاحتلال والاستبداد والاحتلال، ونشد على ايدي شبابه وأبطاله وهم يهرعون في الشوارع هاتفين بحياة فلسطين وسقوط العمالة والاستبداد والانبطاح والاستسلام والتطبيع. لقد اصبحت صرخاتهم ترعب اعداء الله وفلسطين، وتحولت الى عنوان للشعور بالظلامة التاريخية من جهة وشعارا للحرية والاستقلال. فطوبى للثائرين الذين يرفعون شعارات الحرية والكرامة لفلسطين، ويدعون ربهم ان يمحق هذا الحكم الجائر الذي أهلك البلاد والعباد، واعتقد ان قوى الثورة المضادة ستنقذه من سقوطه المحتوم بعد ان فقد ثقة الجماهير الثائرة التي ما فتئت تهتف: الشعب يريد إسقاط النظام.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
7 مايو 2021