بعد فشل العدوان على غزة: الشعوب تتطلع لمرحلة ما بعد الاحتلال والاستبداد
يوما بعد آخر يزداد وضوح تواطؤ الانظمة الخائنة التي انتهجت سياسة التطبيع مع العدو الصهيوني المجرم. وما يتعرض له الشعب الفلسطيني هذه الايام من اعتداءات متواصلة مدعوم من قوى الثورة المضادة التي رفضت حتى الآن ممارسة اي ضغط على المعتدين. ورفض الاماراتيون والخليفيون الدعوات الشعبية المتواصل لطرد سفير الاحتلال من ابوظبي والرفاع. وبينما اصبحت مشاهد الضحايا الفلسطينيين التي تقطع القلوب دافعا لأحرار العالم للانخراط في فعاليات كثيرة ضد العدوان، لم تتحرك القلوب الميتة لدى طغاة قوى الثورة المضادة التي تشمل بالاضافة للكيان الاسرائيلي كلا من السعودية والامارات ومصر وحكام البحرين الخليفيين. شعوبنا البطلة تحركت فقوبلت بالقمع والتهديد بالسجن والتعذيب. وهنا تميز الموقف الشعبي بظاهرتين: الاولى إصرار القوى الثورية على التظاهر والاحتجاج بدون محاولة الحصول على ترخيص من الخليفيين الخونة، لان هذه القوى سحبت اعترافها بالحكم الخليفي وتعل جاهدة لإسقاطه، وتحاول ما استطاعت، ممارسة العصيان المدني الذي يدفعها للتمرد على قراراته وقوانينه. وهناك التجمعات التي تسعى لحماية نفسها بطلب الترخيص للوقفات الاحتجاجية. هذه التجمعات اصبحت مرتهنة لدى الخليفيين الخونة، ولا يستطيعون التحرك الا ضمن ما يسمح به اعداء فلسطين. والمعروف ان الخليفيين يستلمون اوامرهم من خارج الحدود بعد ان انفصلوا تماما عن البحرين وشعبها واصبحوا اكثر اعتمادا على القوى الخارجية لبقائهم في الحكم.
في هذه ا لمعمعة جاء صمود سكان غزة والمناضلين الفلسطينيين في كافة الاراض المحتلة شوكة في عيون الاحتلال وداعميه من قوى الثورة المضادة. واصبح الموقف العربي اكثر ا ستقطابا مما كان عليه. فهناك مسؤولون اماراتيون (من بينهم ضاحي خلفان) يتمنى هزيمة المقاومة الفلسطينية وانتصار العدو الاسرائيلي. هؤلاء المسؤولون خصوصا يمنعون الجماهير من التعبير عن غضبها والتضامن مع اهل فلسطين. وقد منعت التظاهرات في اغلب دول مجلس التعاون ومنها الكويت والبحرين والامارات. ورفضت طلبات بعض الجهات لتنظيم تظاهرات او وقفات احتجاجية، واصبح الاحتجاج ضد العدوان “تهديدا للامن القومي” من وجهة نظر الاطراف التي خانت الله ورسوله والامة وفلسطين. ولم تستطيع المنظمات المناهضة للتطبيع ممارسة انشطة داعمة لاهل فلسطين سواء التظاهر او اقامة الندوات او جمع التبرعات. هذا في الوقت الذي تنزف فيه دماء أهل فلسطين بغزارة. يعتقد هؤلاء الخونة ان بامكانهم وقف مسار التاريخ، متجاهلين حقيقة تفرض نفسها العالم، مفادها ان ثلاثة ارباع القرن من الاحتلال الصهيوني لارض المعراج لم تحقق له الامن والاستقرار، ولم يستطع كسب شرعية البقاء. وتأكد للعالم ايضا ان التقادم لا يلغي سمة الاحتلال. ينطبق هذا على ارض فلسطين التي ترفض الشعوب العربية الاعتراف بمحتليها برغم كافة المؤامرات الداخلية والخارجية التي تهدف لكسر روح المقاومة ورفض الاحتلال والظلم والاستبداد.
حرب غزة هذه المرة ستكون مفصلية بشكل واضح. فقد اصبحت مدن الاحتلال في مرمى صواريخ المقاومة، وانكشف التواطؤ الغربي في جرائمه، وكشف الستار عن هوية الانظمة التي هرعت للتطبيع مع العدو. كما تأكد تزعزعت ثقة الصهاينة بانفسهم بعد ان اخترقت صواريخ المقاومة ما اسموه “القبة الحديدية” ووصلت الى أعمق نقطة في فلسطين. وحالة الهلع في شوارع المدن الواقعة تحت الاحتلال اصبحت مقلقة جدا ليس للحكومة الاسرائيلية فحسب بل لحكام امريكا والغرب وحكام الامارات والسعودية ومصر والخليفيين. هذه المرة اصبحت المنطقة اما تحول تاريخي سيؤدي الى تقوية قوى المقاومة وترسخ إرادة الشعوب من ا جل التغيير. ومرة اخرى يصبح الاحتلال وبالا ليس على اهل فلسطين بل على الانظمة الخائنة نفسها. وتبدو العصابة الخليفية التي تحكم البحرين واهلها بدعم انجلو-امريكي-صهيوني من أكثر الانظمة هشاشة وضعفا من النواحي السياسية والنفسية والاخلاقية. فهي مرفوضة بشكل قاطع من الشعب الذي تحكمه بدعم الاجانب، وهي الاضعف اقتصاديا، والأكثر غربة من الارض التي تحكمها وتاريخها وثقافتها. وبعد ان ارتكبت جريمة التطبيع مع الصهاينة فقدت اي مبرر للبقاء في الحكم لان الشعب اعتبرها خائنة بالاضافة لاجرامها بحق الشعب. ويدعو البحرانيون ربهم ليلا ونهارا ان ينصر المظلومين في غزة وبقية انحاء فلسطين، لانهم يعتبرون ذلك انتصارا لقيم التحرر والاستقلال وهزيمة لسياسات الاحتلال والاضطهاد. البحرانيون يؤمنون كذلك بان القوة المادية لا توفر لمن يتوفر عليها شرعية أو أمنا او استقرارا، وان الجماهير وحدها هي التي تقرر مصيرها وتختار نظام الحكم الذي ترتضيه.
لقد خرج رجال البحرين ونساؤها في مسيرات متواصلة لدعم فلسطين، وتمزق العدو الخليفي غيظا وهو يرى حيوية الشعب الذي استعان بالاجانب لقمعه واضطهاده، واعتقد واهما انه كسر إرادته. وقد جاءت خطابات رموز المعارضة لتؤكد عنفوان الشعب وأنفته وشموخه. فسماحة الشيخ عيسى قاسم يرى حرمة التوقف عن الحراك اذا كان ذلك الحراك متاحا، ويصر على تحقق مطالب الشعب كشرط للاستقرار. اما الاستاذ عبد الوهاب حسين فقد صرح من وراء القضبان بانه لا يستعجل الخروج من السجن، وانه صامد على مطالبه ومواقفه ووصف من يعتقد بانه أصيب بالتعب والانهاك من ذلك الصمود بانه “واهم”. هؤلاء الابطال الصامدون وراء القضبان اصبحوا مصدر أمل كبير بالنصر، ومعهم الجماهير التي تجوب شوارع البلاد هاتفة بالمطالب المشروعة تارة وداعمة لشعب فلسطين ثانية، ومطالبة بسقوط انظمة الاحتلال والاستبداد ثالثة.
تاريخ جديد يبدأ في المنطقة تسطر كلماته دماء شهداء فلسطين وضحايا انظمة القمع والمتواطئة مع الاحتلال الصهيوني. هذا التاريخ له ملامحه المستقبلية التي تؤكد حتمية استعادة المظلومين حقوقهم، واستحالة كسر شوكة المناضلين الصامدين الذين اتخذوا من فلسطين بوصلة لتحديد وجهة النضال. هؤلاء لا يعولون على الدعم الانجلو – امريكي ولا يعتبرون النضال والصمود الا تكليفا، ولا يتطلعون لمكاسب مادية بل يتعبدون بنضالهم وصمودهم الى الله سبحانه وتعالى. هذا التاريخ الجديد له جذور إيمانية عميقة، تمتد الى أيام الاسلام الاولى عندما دمر المسلمون الاوائل انظمة الكفر والظلم والانحراف والنهب، واستبدلوا ذلك بحكم الله المقتدر الجبار. الصراع بين القوى الاجنبية الطامعة في الهيمنة على بلدان العرب والمسلمين واضطهاد شعوبها لاجبارها على الاستسلام للقوى الشيطانية سوف يستمر. الامر المؤكد ان صمود أهل غزة امام العدوان الاسرائيلي الجائر الذي لا يعرف الانسانية او الرحمة، اصبح عاملا مرجحا للقوى الشعبية الهادفة للتغيير، وكسر شوكة العدوان وداعميه. فلم تعد “إسرائيل” تتمتع بحصانة ذاتية ضد نضال شعب فلسطين برغم اضطهاده ثلاثة أرباع القرن. ولم يعد تحالف قوى الثورة الشرير مصدر تخويف للقوى العربية والاسلامية الناهضة التي تصر على التشبث بقضية فلسطين في كل الظروف. والأمل ان ينتصر شعب فلسطين ويهزم تحالف الأشرار وفي مقدمته “إسرائيل”. انها حالة مخاض واعدة بولادة فجر جديد يزيل ظلم الاحتلال وانظمة الحكم القبلي التي عاثت في الارض فسادا وتخريبا وتدميرا.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
21 مايو 2021