شعوب الخليج تدفع فواتير فشل المجلس على صعيد الوباء والعلاقات البينية والتطبيع
مع التصاعد المروّع لحالات الاصابة بوباء كورونا في البحرين يتساءل الكثيرون عن مدى صلاحية الخليفيين لحكم البلاد وهم الذين نكلوا بالطواقم الطبية وعاقبوهم لقيامهم بواجبهم المهني والانساني. فقد اصبحت البحرين هذه الأيام ثاني دولة في العالم على مستوى انتشار الوباء. فقد تجاوزت الحالات اليومية 3000، وبلغ عدد الوقيات البومية الثلاثين. صحيح ان الوباء يستطيع اختراق الحواجز والوصول الى البشر، ولكن الحكومات التي اعتبرت سلامة شعوبها اولوية قصوى استطاعت احتواء الوباء وخففت آثاره بقدر كبير. ولم تسمح اية دولة اخرى بان تفتح حدودها للمصابين من البلدان الاخرى وتوفير الحجر الصحي للبلدان المجاورة. كما لم تسمح بدخول المسافرين من البلدان الموبوءة كالهند. في العام الماضي نكل الخليفيون بالزوار البحرانيين الذين انقطعت بهم الاسباب في مدينة مشهد الايرانية فانتشر الوباء بينهم وتوفي بعضهم. يومها ادّعى الخليفيون ان منع المواطنين من العودة الى البلاد كان بدافع الحرص على منع انتشار الوباء، لكن هذا “الحرص” لم يمنعهم من إبقاء الحدود مفتوحة امام الآخرين من غير البحرانيين، حتى من البلدان الموبوءة. اهؤلاء الخليفيون هم الذين فتحوا البلاد في الشهور الاخيرة للوباء ولم يغلقوا الحدود امام المسافرين من الهند مثلا. لقد قدموا مثالا سيئا للحكم الفاشل الذي يتلاعب بحياة المواطنين ولا يهمه ان عاشوا او ماتوا. وهل هناك نظام حكم أكثر استخفافا بحياة السكان من الخليفيين الذين يصرون على رفض كافة المناشدات من الجهات الدولية العديدة لاطلاق سراح السجناء السياسيين؟ لو كان لدى هذه الطغمة شيء من الانسانية لبيّضت السجون التي أصبحت عارا عليهم ونقطة سوداء كالحة في تاريخهم.
في الاسبوع الماضي رشحت معلومات كثيرة من وراء القضبان، لتكشف الابعاد الخطيرة للسياسات الخليفية على اوضاع المعتقلين السياسيين. وتؤكد الانباء تداعي صحة رموز الشعب والوطن، خصوصا الاستاذين حسن مشيمع وعبد الجليل السنكيس. وفي الايام الاخيرة تطرق سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم عن استمرار سجنهما واضطهادهما قائلا: “الإصرار على إهمالهما الطبي استخفاف واستهتار وجريمة قتل يتحمّل مسؤوليتها الجانب الرسمي.” بعد عشرة اعوام من الاضطهاد والتنكيل والتعذيب بدأت اجسام هؤلاء الابطال تضعف عن مقاومة الامراض خصوصا في غياب الرعاية الصحية المناسبة.
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ
ووفقا للقوانين الدولية فان على الحكومات توفير هذه الرعاية للسجناء بالقدر نفسه الذي توفره للمواطنين خارج السجن. وهذا ما يرفضه الخليفيون جملة وتفصيلا. فهم يستخدمون كافة الحقوق الطبيعية سلاحا ضد المواطنين، للمساومة والتنكيل لضمان استسلامهم وانصياعهم لسياساتها. وهذا امر مستحيل على ابناء البحرين الذين يعتبرون الخليفيين محتلين وقراصنة ولصوصا. وفي العام الاخير اصبح الخليفيون خونة في نظر الشعوب العربية قاطبة بعد ان تصرفوا باسم البحرين للتطبيع مع محتلي فلسطين. لقد ارتكبوا الخيانة العظمى بزجّ اسم بلدنا الطاهر في وحل الخيانة والعمالة في الوقت الذي يتعرض فيها أهلنا في فلسطين للاضطهاد المتواصل والإبادة الإجرامية.
الحديث عن اضطهاد البحرانيين ليسي عابرا ولا يحتوي شيئا من المبالغة. هذا الاضطهاد ناجم عن طبيعة ا لعلاقة بين الطرفين. هذه العلاقة المضطربة تساهم في تباعدهما تدريجيا لتصل العلاقة بينهما الى مرحلة العداء المطلق. ولا يقلل من شأن هذا العداء تشبث البعض بمقولة “الحوار” الذي لم يحدث يوما وليس له مجال للحدوث او النجاح مستقبلا. وقد اتضح الآن ان تقادم الاحتلال الخليفي لم يؤثر على موقف البحرانيين تجاهه. فهناك تنافر متواصل يزداد اتساعا، ويغذي ذلك سياسات الخليفييين التي تأسست على رفض كل ما هو بحراني، والاعتماد المطلق على الاجنبي لضمان أمن العصابة الحاكمة ومصالحها. ولم يختلف اي حاكم خليفي عن سابقيه، بل انتهجوا جميعا سياسات متشابهة تقوم على استهداف السكان الاصليين (شيعة وسنة) والسعي لاستبدالهم بغيرهم من الاجانب، والتنكيل بهم كلما سمح الوضع بذلك. وبذلك اصبح الوضع البحراني لغزا للكثيرين، فهو يختلف تماما عن اوضاع ا لبلدان الاخرى كالكويت وقطر مثلا. فحكام هذه البلدان منسجمون مع سكانها، يشعرون بالانتماء للارض واهلها، ويعتبرون المواطنين مكوّنا أساسيا للدولة، ولا يسعون لاستبدالهم بالاجانب، وذلك مضاد تماما لممارسات الحكم الخليفي.
ربما راهن البعض على مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس في مثل هذه الايام قبل اربعين عاما. ربما اعتقد البعض ان عضوية البحرين بهذا المجلس سيضغط على حكامها لانتهاج سياسات مختلفة تؤسس لعلاقات ايجابية مع السكان الاصليين. لكن تجربة العقود الاربعة الاخيرة اثبتت استحالة ذلك واكدت العلاقة المعقدة بين طرفين يرفض كل منهما الآخر، ويسعى للقضاء عليه او على الاقل ازالته من المشهد السياسي المباشر. في البداية كان هناك شيء من التعويل على هذا المجلس، وان حكامه سيمارسون قدرا من الرقابة والمحاسبة المتبادلة لمنع تطرف أي منهم خصوصا في العلاقة مع مواطنيه. ولكن شعب البحرين لم يلحظ شيئا من ذلك، خصوصا بعد الاجتياح العسكري من قبل القوات السعودية والاماراتية في منتصف مارس 2011. ذلك الا جتياح أكد غياب الاستيعاب الحقيقي لأزمة البحرين التي هي الأطول والأقدم في المنطقة. حكام دول مجلس التعاون لم يقرأوا التاريخ المعاصر ليعرفوا عمق معاناة البحرانيين المتواصلة منذ مائة عام. فبدلا من الضغط على ا لخليفيين للتوقف عن الاضطهاد والتنكيل والتجنيس، هرعوا لمنح الخليفيين عشرة مليارات دولار لانفاقها على الشعب. ولكن الذي حدث ان الخليفيين استحوذوا على تلك الاموال ونهبوها ولم ينفقوها لتنمية الوطن والشعب. وبعد فترة قصيرة من نهب ذلك الدعم رفعوا الدعم عن السلع الاساسية فقفزت الاسعار واصبح المواطنون في ضائقة معيشية تتواصل حتى الآن.
كان بإمكان مجلس التعاون لدول الخليج العربية ان يكون مؤسسة رائدة في مجال التحول الديمقراطي واحترام حقوق الانسان والتنمية الاقتصادية المشتركة. ولكن حكامه كانوا أضعف من هذه المهمة التي تحتاج رجالا ذوي حكمة وبصيرة وإرادة وتواضع. فضاعت الفرصة وعادت الاوضاع في البحرين الى مستوياتها السيئة من الاضطهاد السياسي والفقر والتوتر. بعد اربعة عقود من التجربة المشتركة اتضح وجود خلافات حقيقية بين حكام دول المجلس، فلم يستطيعوا الاتفاق على القضايا الاساسية: الاستراتيجية العسكرية، والعملة الموحدة والعلاقات الخارجية، والمنظومة السياسية الداخلية. وقد ساهمت الوفرة المالية في التعتيم على الحقائق من جهة وشراء مواقف الشعوب من جهة اخرى. وما حدث في الاعوام الاربعة الاخيرة من تباين واضح في اولويات كل من دول المجلس كاد يعصف به ويدمره تماما. وسيظل مجلس التعاون الخليجي بؤرة للمشاكل البينية نتيجة الطموحات غير الواقعية لبعض حكامه، وهيمنة شعوره بوهم العظمة. سيحتدم الصراع على النفوذ بين السعودية والامارات، ولن تتحسن العلاقات كثيرا بين سلطنة عمان والامارات، ولا بين قطر والبحرين. كما ان اولويات دول المجلس على صعيد العلاقات الخارجية من بين اسباب التصدع الداخلي. فبينما تتطور علاقات عمان وقطر والكويت مع ايران وتركيا، تتقارب حكومتا الامارات والبحرين مع الاحتلال الاسرائيلي بشكل مقزز. هذه الصراعات لا تترك مجالا واسعا للتفاؤل بمستقبل هذا التحالف الاقليمي الذي ما يزال قائما بعد 40 عاما على قيامه، ولكنه بدأ يعاني من امراض الشيخوخة التي ستعصف به تدريجيا. ولا يستبعد ان يعجّل الوباء وتيرة انتهائه بعد ان تصدعت مبررات وجوده بعد استقدام كيان الاحتلال الى منطقة الخليج. مع ذلك ستتواصل نضالات شعوبنا خصوصا في البحرين من اجل التحول الديمقراطي وانهاء الاستبداد والاحتلال والتطبيع، وقد يكون فشل حكومات المجلس في التعاطي الفاعل مع الوباء من اسباب تصدع التحالف الخليجي الهرم.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
4 يونيو 2021