شعب صامد في سجونه، وأنظمة سياسية تنتقم من شعوبها بالقتل
ساهموا في وفاة الشهيد حسين بركات، وقبله عباس مال الله، ويخططون للتخلص من رموز كبار الذين قاموا بأسرهم قبل اكثر من عشرة اعوام. وحين يعترض أحد على هذه السياسة يتعرض للتنكيل بلا حدود. وعندما يشارك مواطنون في تشييع شهدائهم او يطالبون بمحاسبة القتلة والمعذبين والسفاحين، فان مصيرهم السجن والتعذيب. في القانون الخليفي لا صوت يعلو فوق صوت القراصنة الذين تسللوا في غفلة من الزمن واحتلوا أراضي الآخرين، وأمعنوا في التنكيل بهم عقودا. فكيف تحقق لهم ذلك؟ في عالم التناقضات القيمية والاخلاقية انبرت حكومات أخرى لديها مطامع توسعية واقتصادية لحماية القراصنة في مقابل حصولها على ما تريد. انه تحالف الأشرار الذين لا يحتكمون لشرعة سماوية او قانون دولي ملزم. هذه التحالفات الشيطانية تمارس قدرا كبيرا من التشويش والتضليل والخداع والنفاق، فتوقّع بعض المواثيق الدولية وتعلن مصادقتها على الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وهي تعلم ان أحدا لن يستطيع مراقبة مدى التزامها بمضامين تلك العهود والمواثيق. انها واحدة من الحقب التاريخية المظلمة التي تُمتهن فيها كرامة الانسان في وضح النهار، وتُمنح شهادات السلوك للقراصنة وقطاع الطرق واصحاب المطامع وناهبي خيرات الشعوب. هذا العالم يجتمع زعماؤه خلسة، بعيدا عن عدسات المصورين، ليتوافقوا على تقاسم النفوذ، وذلك بدعم الطغاة والمستبدين والظالمين وقطّاع الطرق والقراصنة. يتم هذا في القرن الحادي والعشرين باساليب اكثر تطورا عما كان سائدا في الزمان القديم. فما الذي قدمه اجتماع مجموعة الدول السبع الأسبوع في مقاطعة كورنوول البريطانية للإنسانية من قيم او مباديء او سياسات او مشاريع تنموية او حضارية؟ وما الذي ناقشه بايدن في لقائه مع بوتين مؤخرا العاصمة السويسرية، جنيف؟ هل من خريطة طريق لشعوب العالم المضطهدة خصوصا القابعة تحت الاستبداد للخروج من أزماتها السياسية والانسانية؟ انه واقع مرير تعيشه المجموعة البشرية في غياب قيادة فاعلة او عمل جماعي ناجع.
ومن مصاديق هذا الواقع المر في منطقتنا ما يلي:
اولا: إصرار طغاة البحرين على تصفية معارضيهم بأساليب شيطاانية تتظاهر بالاصلاح وتمارس الاستبداد والتصفية والإبادة. في الاسبوع الماضي سمع العالم استغاثات ضحايا التعذيب من وراء القضبان، ومن بينهم رموز الشعب الذين قادوا الثورة ضد الطغيان الخليفي ولم تأخذهم في الله لومة لائم. هؤلاء الرموز يتعرضون لسياسات تصفية هادئة، تبدأ بالحرمان من العلاج والدواء وتمر بالحرمان من الزيارات العائلية وتصل حد التعريض للاوبئة. وقد بدأ الضحايا يتساقطون، فاستشهد الشهرالماضي عباس مال الله، واستشهد هذا الشهر حسين بركات. وبرغم اهتمام نشطاء حقوق الانسان باوضاع كبار السجن المرتهنين لدى الخليفيين ومنهم الاستاذ حسن مشيمع والشيخ عبد الجليل المقداد والدكتور عبد الجليل السنكيس يصر الخليفيون على مواصلة سياسة التصفية “المتذاكية” معتقدين ان خططهم لا يعرفها احد. هذه الاستغاثات الانسانية ستتواصل، وقد يفقد بعض المناضلين حياتهم نتيجة انتشار الوباء بدون رحمة في دهاليز غرف بالمواطنين الاصليين. ويخطيء الطغاة ان اعتقدوا ان هذه الاساليب ستؤدي الى كسر شوكة الحراك الشعبي وإرادة ا لتغيير لدى قطاعات واسعة من الامة. والحقيقة ان ذلك انما يطيل معاناة البحرانيين ولكنه لن يؤدي الى التخلص منهم تماما.
ثانيا: ان حالة من الاستبداد تسيطر على المنطقة بشكل غير مسبوق، فكافة الحريات مصادرة وفي مقدمتها التعبير والتجمهر والاحتجاج وانتخاب الحكومة. فمن يخاطر بنفسه ويبدي شيئا من التململ إزاء الاوضاع المزرية في بلاده فسرعان من يعتقل ويتعرض لأبشع التنكيل. فحين احتج بعض البحرانيين على قتل الشهيد حسين بركات تم استدعاؤهم واضطهاده بتوحش وسادية وحقد. ومن هؤلاء سماحة السيد مجيد المشعل، رئيس المجلس العلمائي الذي أمر الطاغية قبل بضع سنوات بحلّه. وقد اعتقل سبعة مواطنين على الاقل بعد مشاركتهم في مراسم تشييع الشهيد ومجلس العزاء الذي أقيم على روحه الطاهرة. في مملكة الصمت لا مجال للكلام، سواء بالكلام او الهتاف او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. انها حالة من القمع غير مسبوقة، بل تصاعدت بوضوح بعد ان استلم ولي العهد الخليفي السلطة كاملة بعد وفاة خليفة بن سلمان، عم والده. فمنذ شهر نوفمبر الماضي تكثفت سياسات القمع والاضطهاد والتهميش والتنكيل بالسجناء السياسيين، في الوقت الذي هرع بعض داعمي الخليفيين لترويج صورة مزيفة من “الانفتاح” لرئيس الوزراء الذي هو نجل الحاكم أيضا. في غياب أدوات الضغط الدولية لمكافحة الاستبداد والظلم، تصبح سياسات القمع والاضطهاد أكثر ترسخا. انه عالم اختلت فيه الموازين وتبدلت فيه الاولويات، وتلاشت فيه القيم. مع ذلك فالتعويل على الشعوب لتحقيق التغيير هو الموقف الأقرب للصواب، لانه يمنح الشعوب القدرة على التحرك وان دفعت ثمن ذلك غاليا.
ثالثا: ان الطغاة يتضامنون في ما بينهم لاظهار سياسات ومواقف توافقية تجمعهم مع اختلاف في التنفيذ والأداء. انها واحدة من دهاليز السياسة التصفوية لدى العصابة الحاكمة في البحرين. فتضامن هذه الانظمة في الذكرى الاربعين لقيام مجلس التعالون الخليجي لايكفي لحمايتهم من غضب الشعوب المحرومة من الحقوق، بل يساهم في تأصيل المعارضة ضدهم من ابناء البلد الذين ضاقوا ذرعا بما فعله الطغاة. بالامس قتل السعوديون شابا في مقتبل العمر بدعاوى فارغة. وجاء إعدام الشاب مصطفى هاشم الدرويش، 26، من القطيف بالمنطقة الشرقية، بعد ان قدم السعوديون تعهدا بوقف ممارسات القتل خارج القانون. ان قتل هذا الشاب جريمة مع سبق الإصرار والترصد من قبل نظام عرف بتوحشه في التعامل مع معارضيه. الجريمة الوحيدة التي ارتكبها هذا الشاب مشاركته في مسيرات احتجاجية سلمية تطالب بتغيير سياسي في الجزيرة العربية ووضع حد لسياسات محمد بن سلمان التصفوية والقمعية. وقد مارست الجهات الحقوقية ضغوطا على السلطات السعودية لعدم تنفيذ حكم الاعدام، وطُلب من وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، طرح الموضوع مع محمد بن سلمان الذي حضر قمة الدول الصناعية في مطلع الاسبوع، ولكن وزير الخارجية البريطاني لم يشر في تصريحاته لهذه القضية، بينما كان بإمكانه إنقاذ حياة الشهيد مصطفى درويش، خصوصا ان راب كان محاميا مختصا بقضايا حقوق الانسان قبل استلام حقيبته الوزارية الحالية. فما جدوى العلاقات الثنائية مع انظمة الاستبداد والقمع اذا كانت لا تتيح المجال للضغط على الدول المعنية خصوصا في مجال حقوق الانسان وقداسة نفس الانسان.
رابعا: ان غياب التوافق العربي على المستوى الرسمي بخصوص قضية فلسطين ادى لتصدع الجبهة السياسية العربية الرسمية، ودفع بها إلى الخلف، فحرم الأمة من أداء دور الشهادة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدفاع عن المقدسات الاسلامية والانسانية. هذا يعني ان الشعوب هي التي ستدفع دائما ثمن التراجعات السياسية الرسمية وغياب تضامن الانظمة العربية. فهذه الشعوب لن تقبل بالتخلي عن اهل فلسطين خصوصا مع تصاعد جرائم القتل والاحتلال ومصادرة الاراضي والممتلكات. وفي مقابل ذلك فان إصرار الحكومات التي خانت القضية وهرولت للتطبيع مع الاحتلال مثل حكام الامارات والخليفيين على مواصلة تلك السياسة القذرة قد أسس لحالة جديدة من التمرد على هذه الحكومات والمطالبة باسقاطها بتهم الخيانة العظمى والتحالف مع العدو الأول للأمتين العربية والاسلامية. ستظل قضية فلسطين مصدر إلهام لقطاعات واسعة من شباب الأمة الذي اكتشف ضرورة التشبث بالمباديء والقيم والتخلي عن مشروع التطبيع. وعلى مستوى البحرين ازداد الوضع تعقيدا امام من كان يعوّل على الرموز الخليفيين خصوصا ولي العهد الذي اصبح مؤخرا رئيسا للوزراء. فقد ارتكب هؤلاء خيانة عظمى بحق الله والامة وفلسطين والوطن واصبح التحاور معهم شراكة في الجرم، الامر الذي ترفضه كافة القطاعات المجتمعية التي تفتخر بولائها لفلسطين.
هذه النقاط الاربع توضح المسار المتوقع للتطورات في دولنا خصوصا البحرين، ويتوقع توسع الفجوة بين السكان الاصليين (شيعة وسنة) والرموز الخليفية بعد ان تحالفوا مع الشيطان وتصالحوا مع اعداء فلسطين والامة. سيظل شعبنا البحراني صامدا على طريق تحرير فلسطين ويدعم اهلها ويتضامن معهم في نضالهم لاسترجاع وطنهم، فلا تعبٌ، ولا خوفً ولا تراجع، فالنصر عند الله العزيز الحكيم
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
18 يونيو 2021