النضال البحراني متواصل حتى سقوط الطغيان الخليفي
يزداد الوضع البحراني تعقيدا مع استمرار سقوط ضحايا الوباء سواء داخل السجون ام خارجها، وتوجه اصابع الاتهام للعصابة الخليفية بسوء الإدارة والتخطيط. ويتضح بشكل أكبر دورها في التخطيط للتخلص من قادة الشعب الصامدين الذين قضوا اكثر من عشرة اعوام وراء القضبان. وجاء استشهاد المعتقل السياسي حسين بركات مؤخرا ليضيف لحالة الغضب المختزنة في النفوس والتي ستتفاقم تدريجيا حتى تنفجر في شكل ثورة أخرى لتسقط نظام البغي والاضطهاد. ولم يعد تردي أوضاع حقوق الانسان خافيا على أحد. فها هم خبراء الامم المتحدة التابعون لمجموعة العمل حول الاعتقال التعسفي يؤكدون للعالم الظلم الفاحش الذي ارتكبه الخليفيون بحق كل من محمد رمضان وحسين موسى المحكومَين بالإعدام ويطالبون بإطلاق سراحهما فورا. وهاهي ماري لولور، المقرّرة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان تستنكر تتحدث عن عبد الهادي الخواجة، الذي تمّ إعلان احتجازه تعسّفياً من قبل فريق الأمم المتّحدة العامل المعني بالإحتجاز التّعسفي، وعبد الجليل السنكيس، المحكوم ظلما بالسجن المؤبد بتهم تتعلّق بمزاعم الإرهاب عام 2011، ومدافع آخر يدعى ناجي فتيل، حكم عليه بالسجن 15 عامًا في 2013 بتهمة “تشكيل منظّمات غير مشروعة”. انها شهادات دولية تدين نظاما مارقا لم يحظ يوما بدعم شعبه، ولم يستطع حكامه ان ينافسوا نظراءهم الخليجيين في استقطاب الدعم الشعبي الذي يعتبر مصدر الشرعية الاول لأي حكم.
في هذه الظروف تتجلى حتمية التغيير في البحرين. ويوما بعد آخر تزداد هذه الحتمية رسوخا بعد أن أغلقت كافة المنافذ للولوج الى مجال للحل السياسي “المرضي” حسب ما جاء على لسان القائد السجين، الأستاذ عبد الوهاب حسين. هذا التغيير تؤكده ايضا حالة الشعور بالهلع لدى رموز الخليفيين. وهل هناك هلع أعمق من شعور رئيس وزرائهم بالخوف من إعلان زيارته الاخيرة الى بريطانيا؟ فقد أكدت مصادر من مجلس الوزراء للصحافة البريطانية ان الزيارة كانت “سرية لاعتبارات أمنية”. فما هذه الاعتبارات؟ وما هو التهديد الامني الذي كان ولي العهد الخليفي يخشاه وهو في ضيافة بريطانيا العظمى؟ الامر المؤكد انه يعلم ان الكشف عن الزيارة قبل حدوثها سيدفع الكثيرين للاحتجاج ضده الامر الذي سيحرجه امام مضيفيه وامام الاعلام والرأي العام. مع ذلك كانت بضعة اصوات من ضحايا التعذيب الخليفي عند مدخل مقر رئاسة الوزراء كافية لحدوث استنفار أمني كبير يعيد الطمأنينة للضيف المرتجف. وهكذا تضيق الدنيا على الظالم برغم ما يملكه من امكانات عسكرية وأمنية واستخباراتية. وهكذا يصبح المسؤول الخليفي مصداقا للآية الكريمة: لا يقاتلونكم الا في قرى محصنة او من وراء جدر”. وقد اعتاد شعب البحرين رؤية الفئران الخليفية وهي تلوذ بجحورها وتبعث مرتزقتها للانقضاض على المواطنين بدون رحمة. أهذه هي الشجاعة المطلوبة ممن يطمع في حكم بلد وشعب؟
الضعف والخور أصبحا سمة مميزة للعصابة الخليفية بعد ان فقدت شرعيتها بسبب ما ارتكبته من جرائم بحق ابناء البحرين. هذا الضعف يكشفه غيابهم الكامل عن المشهد السياسي، وعدم ظهورهم الفاعل على المستوى الشعبي، واضطرارهم للاتكاء على بعض البحرانيين لعل في ذلك استعادة لشيء من المصداقية. ألم يستدع الطاغية سماحة السيد عبد الله الغريفي ليتكيء عليه؟ ألم يقل له لحظة استقباله: سنعيد العلاقات مع ايران؟ فمن الذي طلب منهم اعادة تلك العلاقات او قطعها؟ في ذلك اليوم كان الطاغية يتوقع ردا ايجابيا من القيادة الأيرانية بعد ان بعث مسؤول امنه الوطني الى طهران مرتين ليطلب إعادة العلاقات. ولكن في الحالين قوبل هذا الجلاد برفض واضح من الايرانيين. فكيف يقبلون اعادة العلاقات مع عصابة استقدمت عدوهم اللدود الى المنطقة بعد ارتكابها الخيانة العظمى بحق الله والامة والوطن والشعب؟ لقد دفع الايرانيون ثمنا باهضا لذلك التطبيع، اذ تعرضت سفنهم ومنشآتهم للعدوان الاسرائيلي في بحر عمان والخليج. أليس من العوامل التي ادت الى ذلك استقدام الصهاينة الى مياه الخليج ليصبحوا على حدود ايران المباشرة؟ فهل هناك جريمة في نظر الإيرانيين أكبر من ذلك؟
يطرح البعض تساؤلات عن إمكان التوصل الى صيغة حل سياسي للآزمة في البحرين. وفي الشهرالماضي قدمت جمعية الوفاق ورقة في هذا الإطار اعتبرتها “خريطة طريق” لحل سياسي يقوم على أساس تحقيق قدر من مطالب الشعب. منها حكومة منتخبة ومجالس ذات صلاحية ودستور يكتبه الشعب. ويتساءل البعض عن مدى واقعية تلك المطالب والاهداف. في المجتمعات المتحضرة لا تبدوهذه المطالب عصية على التحقق، بل انها تمثل القدر الادنى مما هو معمول به، ليس في الدول الديمقراطية فحسب، بل حتى في دولة خليجية مثل الكويت. ألم تكن البحرين قبل خمسين عاما في وضع كهذا؟ لماذا انقلب الخليفيون على ذلك الوضع وأدخلوا انفسم في جحر ضب وسدّوا منافذه على انفسهم؟ لقد اصبحوا مصداقا للآية الكريمة: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار. لقد أنهى الخليفيون انفسهم في البحرين. هذه هي الحقيقة التي لا يجادل فيها الا المنافقون والانتهازيون والوصوليون. فمن يستطيع انفاذ الخليفيين من هذا المأزق؟ أليس مأزقا ان يكون رموز الحكم متهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية ومكروهين بلا حدود من قبل ابناء الشعب؟ أليس مأزقا ان يجد الخليفيون انفسهم حلفاء طبيعيين للصهاينة في الوقت الذي أبقى الشعب تحالفه التاريخي والمبدئي والاخلاقي مع اهل فلسطين؟ فكيف يتعايش هذا الطرفان وفق صيغة سياسية مقبولة؟ فإن أقر الخليفيون تحولا ديمقراطيا معقولا فسيؤدي ذلك حتما لصعود المخلصين من أبناء الوطن الى مواقع القوة ليفرضوا قطع العلاقات مع العدو. كما سيجدون ا نفسهم مطالبين قانونا بتسليم مرتكبي الجرائم ضد الانسانية الى الجهات الدولية ذات الاختصاص. فأي تعقيد أكبر من ذلك؟
الارجح ان الوضع لن يتجه نحو الحلحلة السياسية على هذا النحو، بل سيظل جامدا على الوضع الامني الذي يتفاقم باستمرار حتى ينفجر مجددا ليسقط النظام هذه المرة جملة وتفصيلا. هذا السيناريو يؤكده الشعور الوهمي لدى رموز العصابة الحاكمة الذين يشعرون ان اية حلحلة سياسية مقبولة هذه المرة ستختلف جملة وتفصيلا عن سابقاتها، ولن تتم بدون محاكمة الجلادين لما ارتكبوه من جرائم طبقا للقانون الدولي. وقد أكد النشطاء الحقوقيون والسياسيون خلال فعالياتهم بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا التعذيب ضرورة إلغاء سياسة الإفلات من العقاب التي حالت دون محاكمة مرتكبي جرائم التعذيب، فاستمر بدون توقف في كل المحطات التي انتفض الشعب فيها من اجل حقوقه. وما تزال هذه السياسة مستمرة، فهل حرمان السجناء من الرعاية الطبية خصوصا الرموز كالاستاذ حسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس والشيخ عبد الجليل المقداد سوى اضطهاد ممنهج وانتهاك لأبسط حقوق الانسان؟ الخليفيون لن يقبلوا يوما بأن يحاسبوا على جرائهم، برغم وجود أدلة موثقة على ضلوعهم في “التعذيب الممنهج” الذي لم يتوقف حتى بعد صدور تقرير بسيوني قبل عشرة اعوام. والشعب لن يقبل بأية صيغة سياسية تعيد الخليفيين الى الحكم المطلق الذي يمارسه الطاغية الحالي وعصابته. وفي الوقت الذي تتكثف فيه الدعوات للافراج عن السجناء السياسيين فان ذلك لا يرتبط بصفقة سياسية أبدا. فليس هناك صفقة مقبولة لدى الطرفين. فالشعب يريد نظاما سياسيا محكوما بدستور جديد يكتبه بيديه، ويفضي الى وضع سياسي ديمقراطي بحكومة منتخبة ومجالس منتخبة ذات صلاحيات كاملة. وفي أحسن الأحوال قد يوافق قطاع من الشعب على إبقاء الخليفيين كوجود رمزي، بينما يطالب الكثيرون بإنهاء وجودهم السياسي كاملا بعد ان فشلوا في بناء دولة عصرية حديثة. هذا الموقف الشعبي ليس تطرفا او تشددا بل يمثل إيمانا راسخا بالحرية وتطوير الأداء السياسي وإقامة منظومة سياسية على أساس “لكل مواطن صوت”. اما الدعم البريطاني والاسرائيلي ومعه الاماراتي والسعودي فلن يستطيع منع حدوث التغيير الذي تأخر طويلا. وليس من مصلحة الاقليم او العالم بقاء البحرين في أزمة متواصلة لان ذلك سينعكس على أمن الخليج وحكومات دوله. فالثورة عادة تخترق الحدود وتؤثر على الدول المجاورة. ومن مصلحة حكومات دول مجلس التعاون الوقوف بجانب شعب البحرين لانه هو الذي يملك مقومات البقاء. اما الظلم والاستبداد فإلى زوال وان طال الزمن. وسواء اتخذت تلك الدول هذا الموقف ام أصرت على دعم العصابة الخليفية، فسيواصل الشعب حراكه السياسي حتى ينتهي هذا الكابوس الأسود الذي جثم على الصدور طويلا وأبقى المواطنين في أزمات متواصلة عبر العقود.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
25 يونيو 2021