الشعب العملاق سيهزم أقزام الاحتلال والخيانة
يتعمق الغضب الشعبي يوما بعد آخر كلما تسارعت هرولة الخليفيين على طريق الخيانة والعار والتطبيع. وبكى الكثيرون في صمت وهم يرون الطاغية التي ارتكب الموبقات بحق البحرانيين يلتقي سفيره لدى كيان الاحتلال ويوجه له ما يريد من “نصائح” لتعميق العلاقة مع محتلي فلسطين. انها واحدة من الحقب التاريخية المفصلية في تاريخ العلاقة المفروضة على شعب البحرين سواء مع نظامي الاحتلال في فلسطين والبحرين. وكان واضحا ان الطاغية يسعى جاهدا لتنفيذ اوامر حكام أبوظبي الذين يقودون قطار التطبيع ويطأون مشاعر الأمة ويصادرون حق الشعب في اختيار اصدقائه. الامر المؤكد ان البحرانيين لن يروا في المحتلين أصدقاء لهم، بل يرون فيهم أعداء لأمة العرب والمسلمين. كما يرون ان محاولات محمد بن زايد تزعم قطار التطبيع وإجبار الحكام الآخرين للحاق به مصيبة كبرى تحل بالعرب. فليس لدى هذا الطاغية من قوة سوى المال الذي اشترى به ذوي الضمائر الضعيفة التي لم تتعمق فيها الانسانية او قيم الحرية. وان من مهازل الأيام ان تصبح أبوظبي قائدة للامة العربية، وان يكون حاكمها هو الذي يقرر مآلاتها، فيغزو البحرين بمرتزقته، ويحاول السيطرة على اليمن واحتلال اراضيها، وإقامة القواعد العسكرية على جزرها، ويشارك في حرب إجرامية استمرت اكثر من ستة اعوام، وأسست لتمزق البلاد بين شمال وجنوب. ومن تلك المهازل ايضا سعيه لإعادة رسم خريطة ليبيا بتمويل مجموعات تدين بالولاء لمن يدفع. انها محنة هذه الامة التي يقودها أمثال هؤلاء الذين كشفوا حقيقتهم بوضوح عندما هرعوا للتطبيع مع العدو والتخلي عن أرض فلسطين وشعبها.
في مقابل سياسات اللين والتراخي امام محتلي فلسطين، يصر الخليفيون على استخدام العصا الغليظة مع سكان البحرين الاصليين (شيعة وسنة). فما معنى هذه القبضة الحديدية التي تسجن اطفالا وتزج بهم في السجن عاما كاملا؟ ما جريمتهم؟ وما قياس ما فعلوه من مشاركة في مسيرة سلمية بسياسات القتل والتصفية والاحتلال التي يمارسها الصهاينة؟ فلماذا القسوة مع البحرانيين والرأفة مع المحتلين؟ الامر المؤكد ان الخليفيين يرون في الوجود البحراني الاصلي على أرض أوال تهديدا لاطماعهم بمصادرة الارض ومن عليها واحتلال جزرها والهيمنة على ثرواتها. كما يسعون لفرض مقولة سخيفة بان علاقة شعب البحرين معهم “أزلية”، أي ان بقاءهم كمحتلين للبلاد دائم بلا نهاية. فمن قال ذلك؟ وهل تحتوي كتب التاريخ على علاقة أزلية بين عائلة حاكمة وشعب؟ فأين هم الأمويون؟ وأين هم العباسيون والعثمانيون؟ هذه العائلات تحكم حقبة ثم تزول، فالشعوب هي التي تبقى، ومن سواهم من ا لدخلاء يتلاشى وينتهي. هذه حقيقة لا يستطيع الخليفيون تجاوزها يوما مهما ارتكبوا من جرائم بحق السكان الاصليين (شيعة وسنة). وقد يمهل الله الظالم ولكنها لا يهمله. والخليفيون امتد بهم الحكم اكثر من مائتي عام، وتقترب تدريجيا ساعة سقوطهم وانتهاء دولتهم. وجاءت ثورة 14 فبراير لترفع شعار التخلص من حكم هذه العائلة المارقة. فاذا كان ظلمها السابق لم يسقطها، فان ممارساتها الاخيرة ومنها ارتكاب الخيانة الكبرى بحق الله والامة وفلسطين قد وفرت السبب الأقوى لنفاذ سنة الله في أخذ الامم: “وكذلك أخذ ربك أذا أخذ القرى وهي ظالمة، أن أخذه أليم شديد”.
لقد رفض الخليفيون حتى الآن ان يتحولوا الى “مواطنين” كبقية البحرانيين. واصروا على الاعتقاد بتميزهم وان لهم حقوقا تفوق كثيرا ما للبحرانيين. فالقانون الذي يفرضونه انما ينطبق على “العامة” وليس عليهم. فلكل مولود منهم الحق في راتب مدى الحياة، ولا يتقاضون امام المحاكم العادية، ولا يدفعون فواتير الكهرباء والماء، ولا يعيشون بين المواطنين، ولا يتزوجون منهم او يزوجونهم. إنهم “شعب الله المختار”. أليس ذلك الخيال ما يشدهم لمحتلي أرض فلسطين؟ أليست فكرة التميز والاصطفاء الإلهي والحق المطلق في الحكم هو ما يدفع طغاتهم لارتكاب الموبقات من اجل البقاء في مراتبهم العليا؟ أليس عيشهم في بروجهم العاجية مصداقل للشعور بهذا التميز؟ أليس توحشهم مع السكان الاصليين دليلا على خلو قلوبهم من الرحمة او التعاطف او الشعور بالمواطنة المتساوية مع بقية ابناء البحرين؟ أليس استيلاؤهم بيد من حديد على مفاصل السلطة والدولة واستحواذهم على المناصب العليا في المؤسسات الرسمية تأكيدا لعقلية التميز التي تحول دون الشعوب بالمواطنة المتساوية مع الآخرين؟ فأي شعب متحضر يقبل بهذا الاستعباد والاضطهاد والقمع؟ لقد عرف شعبنا بوطنيته والتزامه بقضاياه الاسلامية والانسانية، وخاض غمار المعارك السياسية منذ عقود، ولم ينفصل أبدا عن محيطه العربي الاسلامي. هذا الشعب يستحق الحرية بعد ان دفع ثمنها غاليا، ولذلك فهو مستمر في نضاله بدون توقف. فهو يعلم ان الطغاة الخليفيين لا يستطيعون الصمود امام ارادة الشعب، ولكن وجودهم مدعوم بالاجانب. هذا الدعم منع سقوطهم حتى الآن، ولكنه لن يدوم إلى الأبد. فالحكم العائلي محكوم بالزمن وظروفه ولا يستطيع البقاء الى الأبد. وقد تبقى العائلات التي تحول بلدانها الى ممالك دستورية يمارس الشعب فيها سيادته الكاملة بما فيها كتابة دستوره وتشكيل مجالسه البرلمانية وانتخاباته، وتعيين حكومته. هذا النمط من الحكم قد يطول أمده قليلا، اما الحكم العائلي القبلي المطلق فلا يستطيع البقاء طويلا.
في هذه العتمة المظلمة من تاريخ البلاد يفرض على الشعب منحى سياسي خطير، ويطلب منه ان يتعايش ليس مع المحتل ا لخليفي فحسب، بل مع المحتل الاسرائيلي أيضا. ويتسابق هؤلاء المحتلون في اضطهاد السكان الاصليين، ويبدو الخليفيون أشد قمعا واضطهادا. وكما يتمتع الصهاينة بدعم الغرب لاحتلالهم، فكذلك الخليفيون الذين يمارسون أبشع أساليب القمع. فقد يستطيع الفلسطيني ان يتظاهر او يصرّح لوسائل الاعلام عن ظلامته، وينتقد الاحتلال، ولكن البحراني ممنوع من ذلك كله، فحياته مرهونة بأيد المحتل الخليفي الذي لم يكتف باحتلال الارض، بل سعي لاستبدال شعبها بشعب آخر، كما يفعل الاسرائيلي، ويزيد عليه بخنق الحريات الاساسية كالتعبير والتجمع والانتماء. وكما ان هوية فلسطين تحدّت الغزاة والمحتلين أكثر من سبعة عقود، فكذلك ستبقى هوية البحرين التاريخية تتحدى المحتلين برغم محاولاتهم الحثيثة لاقتلاع جذور السكان الاصليين وثقافتهم وانتمائهم. وقد اصبح ا لصراع في البحرين متشعبا، فهو صراع من اجل البقاء من جهة، ومن اجل الحفاظ على الهوية والانتماء من جهة أخرى، ومن أجل استعادة الانسانية التي يسعى الخليفيون لسلبها من البحرانيين. ويكفي لاعتقال المواطن البحراني ان يتحدث عن ظلامته الشخصية فضلا عن ظلامة شعبه ووطنه، ليعتقل ويتعرض للتنكيل والاضطهاد. فكانت استغاثة المواطن علي مهنا لانقاذ نجله المعتقل في غياهب السجون الخليفية كافية لسجنه اسبوعا. وكذلك آباء الشهداء الذين تكرر دخولهم الى السجن بسبب الحديث عن فجائعهم بأبنائهم الذين مزقت أشلاءهم مباضع الحقد الخليفية.
انها قصة طويلة من معاناة شعب يناضل منذ عقود من اجل استرداد ارضه وحريته، ويدفع أغلى الأثمان من أجل ذلك. فما أطول قوائم الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الله والحق والوطن والحرية. وما أحلك الليالي التي عاشها تحت الحكم الخليفي الأسود، وما أشد تطلعه للتحرر والانعتاق والبناء. ندعو الله ان يوفق هذا الشعب البطل لمواصلة صموده والتشبث بوعيه ومبادئه وقيمه، والاستمرار على خط الانبياء والصالحين. وان غدا لناظره قريب
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
2 يوليو 2021