هرولوا للتطبيع، فشتت الله شملهم، فليرحل الخليفيون
التطورات السلبية في العلاقات الخليجية تتواصل لتأخذ أبعادا خطيرة ستنعكس بمزيد من السلب ليس على تماسك مجلس التعاون الخليجي فحسب، بل على الصعدان الداخلية لدوله. فقد اتضحت صعوبة رأب الصدع بين العائلات الحاكمة حين تحدث. وكشفت التصدعات بين التحالف الثلاثي الشرير (السعودية، الامارات مع الخليفيين) وقطر مدى صعوبة عودة العلاقات. فبرغم المبادرة التي اتخذت العام الماضي لترطيب ا لعلاقة مع قطر، فقد اقتصرت “المصالحة” على تخفيف التوتر بين الرياض والدوحة، بينما بقيت متوترة بين كل من الامارات والخليفيين من جهة وقطر من جهة ثالثة. وما يزال الخليفيون يمارسون ضغوطا اقليمية ودولية لاقناع قطر بمد اليد اليهم، ولكن لا يبدو في الافق ما يشير الى تغير الوضع. وسعى ولي العهد الخليفي في زيارتيه الاخيرتين الى لندن لاقناع الحكومة البريطانية بالضغط على قطر ولكن بدون جدوى. اليوم تتصدع العلاقات بين السعودية والامارات، وهو ما تنبأت به الحركة منذ اعوام. فالقفز الاماراتي لتصدر المشهد العربي والامساك بزمام القيادة، وتجاهل السعودية ونفوذها، كان مؤشرا لحتمية انفجار الصراع بين الرياض وابوظبي. فلا يمكن ان تتعدد القيادات الخليجية مع وجود الريادة السعودية.
الخليفيون خسروا الصفقة هذه المرة. فقد حاولوا القفز على الواقع، واعتقدوا ان التحالف مع الامارات ومسايرتها في مشروع التطبيع مع الاحتلال، سيوفر لهم حماية امنية اضافية. فهرولوا بدون حدود. وبالغوا في ما اتخذوه من خطوات تطبيعية مع الاحتلال، واستقبلوا الوفود الصهيونية وتحدّوا بذلك مشاعر الشعب البحراني الرافضة للاحتلال، وافتتحوا سفارة لهم لدى الاحتلال، ويستعدون لفتح سفارة صهيونية في البحرين، وكلها تصرفات اجرامية بحق الله والامة وفلسطين والشعب. انهم ما يزالون يعتقدون بامكان حسم الازمة مع الشعب بطرق أمنية يستوردونها من “اسرائيل” التي فشلت هي الاخرى في كسر شوكة الشعب الفلسطيني. ما يزال الخليفيون مسكونين بمقولات عفا عليها الزمن، فلم يستوعبوا حتى الآن ان ميزان القوى الاقليمي تغير لغير صالح الاحتلال الذي بدأت هزائمه منذ 15 عاما ولم يكسب حربا واحدة خاضها ضد قوى المقاومة منذ العام 2006. كما اصبح واضحا ان إرادة الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال ازدادت صلابة وثباتا، اذا ما قورنت بما كانت عليه قبل ذلك. الخليفيون لا يعون تلك الحقائق، ويعتقدون ان الدعم البريطاني لهم سيوفر لهم أمنا دائما.
بعد تغير الرئاسة الامريكية في مطلع العام بسقوط دونالد ترامب وفوز جو بايدن، ثمة تغيرات نفسية وسياسية حدثت. واصبحت المؤسسة الامريكية تحت ضغوط كبيرة لوقف تداعي امريكا السياسي والنفسي، وذلك بشيء من العودة الى ما يسمونه “مباديء الآباء المؤسسين” ومنها الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية. ومع استحالة حدوث تغير جوهري في الاستراتيجية الامريكية الا ان الضغوط التي تمارسها اوساط عديدة من بينها الكونجرس ووسائل الاعلام والمنظمات الحقوقية والسياسية المستقلة، لا يمكن تجاهلها كما كان ترامب يفعل. واصبح جو بايدن مطالبا بدور أقل سلبا من سلفه. فطرح موضوعي حقوق الانسان والديمقراطية مجددا، وبعث وزير خارجيته، لينكن الى المنطقة لاستمزاج الآراء وقياس النبض. وثمة مؤشرات لرغبة امريكية في حلحلة حقوقية في المنطقة خصوصا في السعودية والبحرين، وشيء من الاصلاح السياسي. واصبح واضحا ان الخليفيين اصبحوا يرتجفون، فهرع ولي عهدهم الى لندن مرتين في غضون ثلاثة اسابيع. الهدف؟ ان تقوم حكومة جونسون بدور لثني ادارة بايدن عن ربط حقوق الانسان في البحرين بالاصلاح السياسي. ويخشى هذا المسؤول الخليفي من تبعات اي اصلاح سياسي يقلص نفوذ عصابته التي استحوذت على البلاد منذ احتلالها قبل اكثر من قرنين. وتبدو لندن هي الاخرى مضطربة إزاء هذه التطورات غير المحسوبة. فقد اصبح ا لملف الحقوقي – السياسي المرتبط بحليفيها في الرياض والمنامة مزعجا مرعبا لها. فمن جهة يبدو الشعب البحراني صامدا على مطالبه بعد مرور اكثر من عشرة اعوام على ثورته المظفرة، وتبدو قضية المعتقلين السياسيين نقطة سوداء كالحة في الملف الخليفي، الامر الذي دفع ولي العهد الخليفي لإحاطة زيارتيه الى لندن بسرية مطلقة خشية تحرك ضحاياه ضده قضائيا، واهتمام الاعلام والبرلمانيين والحقوقيين بتلك الزيارة.
وهكذا يبدو الوضع الخليجي غير مشجع للخليفيين، بعد ان اصبح ولاؤهم منقسما بين ابوظبي والرياض واصبح عليهم ان يحسموا خيارهم ويقرروا مع من يتحالفون. الرياض غاضبة منهم منذ ان هرولوا مع الامارات نحو الاحتلال، وتسببوا في إحراج كبير لهم ولمجلس التعاون الذي يزيد تصدعا وانقساما. ويبحث ولي العهد ا لخليفي الذي يعتبر مسؤولا عن الجرائم التي ترتكبها عصابته عن صيغة يستدرج بها بعض القطاعات البحرانية للقبول بحصر الآزمة في البلاد بالملف الحقوقي. وقد جاءت قضية الاستاذ حسن مشيمع الذي اتخذت في الاسابيع الاخيرة ابعادا دولية خطيرة، لتحاصر ولي العهد الخليفي المعروف بضعف شخصيته وعدم قدرته على اتخاذ قرارات كبيرة. فان أصيب الاستاذ مشيمع بمكروه وهو في السجن فسيحترق الخليفيون وينهار كيانهم الى الأبد. وان أطلقوا سراحه فعليهم ان يبيضوا كل السجون ويضمنوا صمت ضحايا التعذيب. وبعد فشل مشروعهم الذي اطلقوا عليه “العقوبات البديلة” ضاقت عليهم السبل وتقلصت خياراتهم كثيرا. ولم يبق أمامهم سوى الدعم البريطاني الذي سيبدأ في التأرجح بعد ان سلط البرلمانيون والحقوقيون أنظارهم على سياسات حكومة جونسون التي انفقت اكثر من 50 مليون جنيه استرليني في السنوات الخمس الماضية لبناء مؤسسات فشلت في تحقيق شيء للطغاة. واصبحت الاصابع موجهة لهذه المؤسسات بانتهاكات حقوقية ومعنوية، الامر الذي يخشى البريطانيون ان ينتشر في الاعلام البريطاني وتثيره الأحزاب الآخرى لإحراج حكومة المحافظين. وثمة رؤية ترى ان الخيار الافضل المتاح لجونسون التقاط الانفاس واتخاذ قرار تاريخي بتبني حقوق الانسان في البحرين، والدعوة لتغير سياسي كما يريد الشعب.
ان عشرة اعوام من الصمود الشعبي لم تكن متوقعة من قبل الخليفيين واعوانهم، فقد كانوا يتوقعون انتهاء كل شيء في غضون بضعة اعوام خصوصا مع القمع الرهيب الذي مارسه الخليفيون بمعونات خارجية من الامارات والسعودية وبريطانيا. نعم اصبحت حياة العديد من السجناء السياسيين خصوصا الرموز في خطر محدق، ولا يستبعد وفاة بعضهم نتيجة السياسات الخليفية الاجرامية. ولكن ذلك لن يفت في عضد الشعب الذي أصبح أكثر اقتناعا بان مستقبله ليس مع الخليفيين، وان العلاقة بين ا لطرفين يجب ان تنتهي بأسرع وقت. الزمن يدور ومعه حظوظ الطغاة من جهة وحتمية انتصار الشعوب من جهة اخرى. ويبدو ان ثورة الرابع عشر من فبراير قد قصمت ظهرالخليفيين وداعميهم، وان الله سخر الظروف لتمزيق صفوف اعداء الشعوب بالاختلافات من جهة وارتكاب الموبقات والجرائم من جهة اخرى. درس للثوار: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون
حركة احرار البحرين الاسلامية
9 يوليو 2021