قضايا راهنة تستدعي اهتمام النشطاء ورواد التغيير
مع استمرار معاناة السجناء السياسيين سواء بسبب الوباء ام ظروف السجن السيئة ام غياب الرعاية الصحية المناسبة، تتعمق الرغبة الشعبية في التغيير الجذري الذي ينهي العهد الخليفي الاسود. هذه الرغبة لا تقلل منها رغبة البعض في استعجال النتائج غير الناضحة او إرجاف البعض الآخر للنيل من عزيمة النضال الشعبي أو سعي البعض لإسدال الستار على الملف الخليفي الأسود الذي يحتوي صفحات سوداء كالحة من الاضطهاد والظلم والتعذيب والقتل وهدم المساجد وسجن العلماء وإبعاد الأحرار. والأمل ان يعي الجميع خطر استمرار الحكم الخليفي الذي ناضل الشعب لانهائه منذ عقود، وان يعملوا بشكل متواصل لتحقيق هذا الهدف المقدس لانه تحرير للبلاد والعباد. وهناك قضايا أربع ضمن هذا الإطار تجدر الإشارة اليها:
الاولى: جاء بيان سماحة الشيخ عيسى احمد قاسم الاسبوع الماضي الرافض للدستور الخليفي المقيت الذي فرض على الشعب في فبراير 2002 ليؤكد استمرار التصدي للاستبداد الخليفي المدعوم بما يعتبره الطغاة “دستورا”. وطرح سماحة الشيخ ضرورة كتابة الشعب دستوره بأيدي أبنائه لينظم الحياة البرلمانية من اجل تفعيل مبدأ ان الشعب مصدر السلطات والشرعية والحكم، وان الحكم الخليفي الاستبدادي لن يسمح له بالاستمرار. فجوهر المشكلة البحرانية ان الشعب تحكمه عصابة تمارس الاجرام والخيانة بلا حدود، وان البحرين بحاجة لنظام سياسي دستوري يؤكد حاكمية الشعب من خلال برلمان منتخب بإرادة حرة يتمخض عنه حكومة تمثل الشعب. هذا الدستور الذي أشار إليه سماحة الشيخ ينص على فصل السلطات ويصبح اداة قانونية تمنع استبداد العصابة الخليفية، وترجع للشعب حقوقه. فاذا حدث ذلك فسيكون بالامكان تحقيق عدد من الامور: انهاء الحقبة السوداء من الحكم الخليفي، وقف الاضطهاد الذي يمارسه بحق الشعب، منع الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون بدون توقف، وتجريم ممارسات التعذيب والاعتقال التعسفي والقتل خارج القانون. وبذلك تنتهي ثقافة الإفلات من العقاب التي يحتمي بها الخليفيون لحماية الجلادين. ان ما طرحه سماحة الشيخ يمثل إحدى الدعامات الاساسية لبحرين المستقبل، التي يعيش أهلها آمين على انفسهم وحقوقهم وحرياتهم. فاذا تحقق ذلك فسيكون ضربة قاضية لمشروع الطاغية الذي سعى لفرضه بالقوة والإكراه طوال العقدين الاخيرين، اي منذ ان فرض ميثاقه على الشعب وألحقه بدستوره الفاشل الذي رفضه الشعب وناضل لإسقاطه وقام بأكبر ثورة في تاريخه لتحقيق ذلك.
الثانية: ربما خالج البعض شيء من الخلط عندما اعتبر كلام سماحة الشيخ عيسى بوابة للعودة الى الوضع السياسي المقيت الذي سبق ثورة 14 فبراير. فألمح البعض الى المشاركة “المشروطة” في الانتخابات الخليفية في العام المقبل. ويعتبر ذلك التفسير خارج سياق مطالبة الشيخ قاسم بدستور جديد يكتبه الشعب، التي تدفع لتساؤلات عديدة: فهل سيقبل الخليفيون بحق الشعب في كتابة دستوره؟ وهل سيكون هذا الدستور “ديمقراطيا” ليفتح الباب لانتخابات برلمانية حرة تفضي الى حكومة منتخبة كما طالبت بها الجمعيات؟ وهل سيتحقق ذلك خلال الاثني عشر شهرا المقبلة قبل حلول موعد انتخاب أعضاء مجلس عبيد الطاغية؟ وماذا عن السجناء السياسيين الذين نالوا من التعذيب والتنكيل ما لا تحتمله الجبال؟ وماذا عن الشهداء الذين مزق الخليفيون أجسادهم بوحشية غير مسبوقة؟ ان من الخطأ الفادح تجاهل مشاعر عائلات الشهداء التي ما يزال رجالها يتعرضون للسجن والاعتقال والاستدعاء بدون توقف؟ ماذا عن زوجات الشهداء اللاتي رأين اجساد احبتهن الممزقة برصاص الحقد الخليفي ومباضع جلاديهم؟ من يستطيع إقناع عائلة الشهيد فخراوي او الشهيد علي صقر او زكريا العشيري او عبد الرسول الحجيري بان الوقت قد حان لغض الطرف عما ارتكبه الطاغية وعصابته؟ فهل هناك مسؤول عن الجرائم التي ارتكبت بحق البحرانيين سوى الطاغية وعصابته؟ لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن هؤلاء بشكل واضح: “ان الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم”. فما الذي فعله أولئك الشهداء ليجعلهم مذنبين يستحقون التعذيب حتى الموت؟
الثالثة: تمر هذه الايام الذكرى الثانية لإعدام الشابين علي العرب وأحمد الملالي في 27 يوليو 2019. كانت جريمة بشعة ارتكبها الطاغية الحالي وعصابته عن سبق إصرار وترصد، ولم تنفع كافة محاولات وقف تنفيذ تلك الجريمة، برغم تدخل المنظمات الحقوقية الدولية والبرلمانيين الدوليين، والمناشدات التي صدرت من شتى الاطراف. فبعد 24 شهرا على تنفيذ تلك الجريمة، ما المبرر الأخلاقي والديني للحديث بلغة الاحترام للرموز التي ارتكبت الجريمة؟ أين هي لغة الإباء والكرامة والعزة التي نضحت بها كلمات أمهات الشهداء مثل والدة علي مشيمع وعلي المؤمن وعلي الشيخ وعلي بداح؟ من يملك الجرأة لتخطي مشاعر عائلات هؤلاء ومصافحة قاتليهم. وقبل هؤلاء الشهيدين ألم يوقّع الطاغية حمد الخليفة على إعدام سامي مشيمع وعباس السميع وعلي السنكيس؟ أليس ذلك قتلا عمدا وإزهاقا لأرواح بريئة؟ فما جزاء القتلة؟ وأين هي روح ثورة 14 فبراير التي دفعت عشرات الآلاف من المواطنين للخروج في الشوارع مطالبين بانهاء الحقبة الخليفية السوداء؟ فمن يتعب من النضال فليس عليه جناح ان يتنحى، ومن يخشى تبعات الموقف السياسي المطالب بالتغيير فليس مطالبا بتحميل نفسه ما لا يطيق. اما التبرع بحماية الجلادين والقتلة والسفاحين وهادمي المساجد تحت مسميات “العقلانية” و “الواقعية السياسية” ومقولة “عفا الله عما سلف” فهو انحياز للظالم ضد المظلوم، ووقوف مع القاتل ضد الضحية. وهذا ليس من شيم المؤمنين والأحرار خصوصا أهل البحرين الذين عرفوا بشكيمتهم وولائهم للإسلام ورموزه خصوصا الشهداء وعلى رأسهم الامام الحسين بن علي الذي يسعى الخليفيون لطمس ذكره والتنكيل بمن يسعى للاحتذاء بسيرته. رحم الله الشهيدين علي العرب وأحمد الملالي، والشهداء الثلاثة قبلهم سامي مشيمع وعلي السنكيس وعباس السميع الذين مزقت جسد كل منهم أربع رصاصات خليفية حاقدة ثم سلمت ملابسهم الملطخة بدمائهم الزاكية الى أمهاتهم إمعانا في الظلم والاضطهاد والتنكيل والشماتة.
الرابعة: جاء الكشف الاسبوع الماضي عن مشروع بيغاسوس الذي يتضمن برمجيات التجسس التي ابتكرتها مجموعة “إن إس أو” الاسرائيلية الذي استخدم لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق هائل في مختلف أنحاء العالم. ومن بين المستهدفين لهذا التجسس رؤساء دول، ونشطاء، وصحفيون، بما في ذلك عائلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي.هذا المشروع يكشف للعيان كيف وجدت الحكومات القمعية في برمجية التجسس لمجموعة إن إس أو السلاح المفضل في مسعاها لتكميم أفواه الصحفيين، والاعتداء على النشطاء، وسحق أي معارضة، الأمر الذي يهدد ما لا يُحصى من الأرواح. وقد استهدف البرنامج هواتف العديد من النشطاء البحرانيين ومن بينهم الحقوقي السيد أحمد الوداعي. هذه الاساليب تكشف خطر التعاون بين حكام الامارات والبحرين من جهة والكيان الاسرائيلي من جهة اخرى، على كرامة البشر وحقوقهم. وقد سبق للخليفيين استخدام برنامج “فين فيشر” لاختراق اجهزة الكومبيوتر لعدد من المعارضين البحرانيين. والأمل ان تؤدي الجهود التي قامت بها المنظمات الحقوقية لمواجهة هذا التعاون الشرير في مجالات التجسس الالكتروني بين هذه الجهات الشريرة لاتخاذ اجراءات رادعة لتلقينها دروسا تمنعها من تكرار جرائمها مستقبلا.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
23 يوليو 2021