الصراع الأزلي بين الحسينيين واليزيديين، والذكرى الخمسون للاستقلال
نزل الحسينيون الى الشوارع هاتفين بالحرية ومرتدين لباس الشهادة، متوكلين على الله، غير آبئين بيزيد وعصابته، يحدوهم النصر ويدفعهم للحراك شعورهم العميق بالكرامة وحب الخير والإيمان بان الإعمار بيد الله، وأن المجد لا يتحقق الا بالصمود والتضحية والفداء. الكل منهم يسأل نفسه: كيف أكون حسينيا إن لم أتمثل طريقه وأحذوه حذوه؟ كان جلاوزة يزيد يملاون الأرض، يتربصون بالمؤمنين، وقد عقدوا العزم على ان لا يبقوا لأهل بيت الرسالة باقية. وضعوا نصب أعينهم أرواح الآدميين ليزهقوها، مبتغين بذلك عطايا الطاغية. لم يدخل الإيمان في قلوبهم يوما وإن أعلن بعضهم إسلامه. وما جدوى ذلك ان لم يتحرروا من الطاغوت؟ فلا مكان للدعوى بالتمسك بالإيمان الا بالكفر بالطاغوت: “فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها” الحسينيون تحرروا من عقدة الخوف من الطغاة، فأصبحوا أبطال الميادين، تكل أيدي الجلادين ولا تكل سواعدهم التي تهتز في الهواء مع كل هتاف. يعجز القتلة لكثرة من يقتلون ويعذبون، ولا يعجزون. أنهم من سلالة الطيبين الذين واسوا الحسين بأنفسهم وفدوه بأرواحهم “ذرية بعضها من بعض”. أولئك هم ورثة الانبياء والصديقيين والصالحين والمصلحين. اما الطغاة فهم أحفاد الممسوخين الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم. انه صراع الإرادات بين الحسيينين واليزيديين، وهو صراع أبدي لا يتوقف ولن ينتهي الا بقيام دولة العدل على أيدي أولياء الله الذين اصطفاهم لبث النور في عالم الظلام الذي يفرضه أعداء الانسانية.
في شوارع البحرين ثمة شعب مظلوم يتحرك بدون توقف، بعد ان عاهد ربه على الثبات والصمود وعدم الاستسلام لمن نصّبوا انفسهم وكلاء عن الله، وراحوا ينشرون الفساد في الارض ويعبثون بامن المؤمنين والأحرار. فما ان اقترب حلول شهر محرم حتى هرع الجميع لوضع خطط النزول الى الشوارع ملبين دعوة الحسين: أما من ناصر ينصرنا؟ تلك الدعوة اخترقت الحجب وعبرت العصور حتى صكت أسماع البحرانيين الذين ابتلاهم الله بأحفاد يزيد. وسرعان ما هبّوا يتهافتون لاعتناق الشهادة. خرج الشاب البحراني من منزله مشمّرا عن ساعديه، ملبّيا النداء ا لحسيني الخالد، ولم يشعر لحظة بالخوف او التردد. فهو ينتمي الى جحافل الحق ويرفض بأقل من أن يكون حسينيا في وجوده، لانه يرى في حسينيته تحقيق مآرب نفسه وطريقه الى الخلود والعظمة. فلم يعد ما لدى الطرف الآخر ما يغريه، إذ كيف يقبل لنفسه ان يأكل اموال السحت المنهوبة من بطون الفقراء والمعدمين واليتامى والأرامل؟ انه خليفة الله في الأرض فلا يقوم بشيء يبعده عن ذلك الموقع الذي ارتضاه لنفسه وشجع الآخرين للتشبث به. في بطن الليل حيث الناس نيام وقد غرقوا في بحر لجي من التردد والخوف والقلق، كان الحسينيون يقظين، يناجون ربهم بقلوب مطمئنة ونفوس بلغت مستوى اليقين من الإيمان. كانوا يتلون آيات الله آناء الليل مستمدين من ربهم أسباب القوة والثبات، يدعونه خوفا منه وطمعا في استحصال دعمه ونصرته.
على مدى اربعة عشر قرنا بقي النهج الحسيني واضح المعالم، يهتدي به من أراد التصدي للمنكر والظلم والاستبداد والطغيان. فرأى التوابون فيه تكفيرا عن خطيئة التقصير في نصرة أبي عبد الله فهتفوا “يا لثارات الحسين”، واعتبره الزيديون طريق النجاه والخلاص، وامتطى العلويون صهوته هاتفين “هيهات منا الذلة”. واستمر الثائرون ينهلون منه معينا ثوريا صافيا لا تشوبه شائبة ولا يصاب من انتهجه بالظمأ. كتب المؤرخون عنه حيثياته، واستحضر الخطباء تفصيلاته، كل ذلك في نسق جميل كان استمرارا لخط الرسالة المحمدية التي حملت لواء التغيير في العالم، وانطلقت من الجزيرة العربية لتواجه العقلية الصنمية والتراث القبلي المؤسس على عبادة الأوثان واضطهاد المرأة وتقديس أصحاب الثروة والسلطان. صنمية الموروث كانت معوقا امام تطور تلك المجموعات البشرية، فكان محمد وعلي أول المتصدين لها ورافعي راية الثورة ضدها. ولم يشد عن ذلك النهج من جاء بعدهما. فكان للإمام الحسين صولاته وجولاته في الحروب التي خاضها ضد ذلك الموروث، وتبعه الإمام الحسين عليه السلام ليتوج مشروعه الإصلاحي بالشهادة التي ليس فوقها شيء: فوق كل ذي بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فليس فوقه بر. هذه الثقافة التي أسسها رسول الله كان الحمزة بن الحسن من تقمص الشهادة في بدايتها حتى قال رسول الله : سيد الشهداء حمزة ورجل رد على حاكم جائر فقتله.
ثقافة عاشوراء من اهم تراث البحرانيين، توارثوه أبا عن جد، فأقاموا المجالس وشاركوا في المواكب، وتوجهوا لزيارة الامام الحسين وشهداء الطف حتى في أحلك الظروف. وطوال المائة عام الماضية تحدّى البحرانيون اليزيديين الذين يحاربون دين محمد بن عبد الله، ونزلوا الى الميادين في مواكب العزاء العملاقة التي ساهمت في تقزيم العصابة الخليفية المجرمة وتهميشها امام الآخرين. ولطالما استهدف هؤلاء المحتلون الشعائر الدينية بكافة أشكالها، ولكنها باؤوا بالخيبة دائما. فالحسينيون لا يتراجعون أبدا، بل يتصدون لليزيديين بدون وجل او خوف. فقد يستشهدون، او يسجنون او يعذبون او ينفون من بلدهم، ولكن ما أن تحط أقدامهم مكانا حتى يشرعوا بإقامة مجالس العزاء ويستذكروا الحسين عليه السلام ويستحضروا معاني الشهادة والتضحية والإباء. وما أكثر محاولات الطغاة تركيع الحسينيين بالتهديد والتنكيل ولكن انتشار ظاهرة إحياء العزاء تؤكد فشلهم الذريع. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون”. فلا خوف على الحسين وذكره ومواكب العزاء من أجله، فاليزيديون مهزومون دائما: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. لن يتوقف الصراع بين السائرين على نهج رسول الله وأهل بيته وعشاق الحسين من جهة والحزب اليزيدي الذي لا يهمه الا الوصول الى الحكم والإمعان في الاضطهاد. وما أكثر تخبطه وتشوش سياساته، فتارة يسعى لاسترضاء الحسينيين بتوزيع اللحم على المآتم، وأخرى يمارس الاضطهاد فيستدعي رؤساء المآتم وخبطاءها وشعراءها ليهددهم بأقسى العقوبات ان إصروا على إقامة المجالس او وصف يزيد بالقتل والجريمة. وثالثة بهدم المساجد والمآتم، ورابعة بالتظاهر باحترام الحريات الدينية بتقريب بعض الاقليات الدينية وبناء مراكزها الدينية. انه نظام مفلس دفعه إفلاسه لارتكاب الجرائم بحق الوطن والشعب وأعلن حربه على الإسلام والأمة وفلسطين، وتحالف مع العدو ونكل بالحسينيين أيما تنكيل.
في موسم عاشوراء نكرر ضرورة تحدي اليزيديين والصمود بوجههم وتوضيح انحرافهم وظلمهم ورفع راية الحسين وشعاراته: هيهات منا الذلة. انه موسم الشهادة والشرف والإباء، فلنستحضر ثقافة عاشوراء التي أوضحت معالمها أقوال الحسين وأنصاره في العاشر من محرم من العام 61 بعد الهجرة. فتلك النصوص التاريخية رسمت مسارا للاحرار والمناضلين، وساهمت في إسقاط هيبة الطغاة والمتسلطين والقتلة والسفاحين. فلا مكان ليزيد واتباعه في قاموس الحرية والكرامة والدين، فقد سقط في مزبلة التاريخ، ولحقه من سار على خطه، وسيلحق به طغاة العصر في البحرين والمنطقة، فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. مرحى لكم أيها الحسينيون وأنتم تتحدون بمواكبكم حكم الطغمة الفاسدة من أحفاد الامويين، وترفعون راية الحسين عالية خفاقة، سيكون النصر حليفكم، اما الطغاة فمصيرهم السقوط الى الهاوية كما سقط يزيد وسفاحوه.
ولا يفوتنا هنا حث المواطنين على الاحتفاء بيوم الاستقلال (14 اغسطس) الذي يؤكد حتمية انتصار الشعب على المحتلين والغزاة. خصوصا انها الذكرى الخمسون لهذا الاستقلال والانسحاب البريطاني من المنطقة. فاذا حالت اجواء عاشوراء دون إقامة الفعاليات المرتبطة بالمناسبة، فان ذلك لا يحول دون استحضار نضال الاجيال البحرانية التي رفعت راية الحرية ورفض الاستعمار، ونتمنى ان تحظى المناسبة باهتمام واسع بعد انتهاء موسم عاشوراء.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
13 اغسطس 2021