دروس من عاشوراء وأفغانستان: الاضطهاد والدعم الاجنبي لا يحميان نظاما
قضيتان شغلتا بال النشطاء البحرانيين وعددا كبيرا من المواطنين في الأيام القليلة الماضية: الاضطهاد الديني الممنهج الذي كانت له مصاديق كثيرة منذ بداية موسم عاشوراء الحالي. اما الثانية فهي ما حدث في أفغانستان مؤخرا واستيلاء حركة طالبان على الحكم. ولكل من هاتين القضيتين ارتداداته على الوضع البحراني المضطرب في ظل حكم العصابة الخليفية. ومن الضرورة بمكان التوقف عند هاتين القضيتين، مع الاستمرار في تأكيد أهمية الذكرى الخمسين للاستقلال التي مرت في الرابع عشر من هذا الشهر. وبرغم محاولات الحكم طمس المناسبة بكافة الأساليب كالتجاهل الإعلامي والسياسي والتنكيل بمن يسعى لاحيائها، الا ان الوعي الوطني افشل تلك المحاولات اليائسة وأظهر الخليفيين معزولين تماما عن السكان الأصليين (شيعة وسنة). ومن أهم ثمرات الاحتفاء بالذكرى تعمق الوعي بضرورة تصعيد العمل السياسي للضغط على القوى الداعمة للخليفيين، خصوصا البريطانيين، لتغيير سياستهم التقليدية التي أصبحت وبالا على مصالح الشعب البريطاني نفسه. وليس مستبعدا ان يعود البريطانيون الى رشدهم بعد فشل سياستهم في أفغانستان التي قتل فيها اكثر من 450 من الجنود البريطانيين على مدى عشرين عاما، أثبتت تطورات الأيام الأخيرة فشلها. واذا كان هناك من ينظّر للسياسة الخارجية البريطانية فسوف يرى ان مصلحة الشعب البريطاني لن تتحقق بالعودة لأساليب التدخل القديمة، وان بناء القواعد العسكرية كما حدث في البحرين لن يجدي نفعا. سيرى هؤلاء المنظّرون ان ترويج الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان في هذه البلدان سيكون أقل كلفة وأكثر نفعا.
في الأسبوعين الماضيين تصاعد التوتر داخل البلاد مجددا بسبب السياسة الخليفية المعادية للشعب البحراني وهويته وانتمائه الديني والمذهبي. هذا التوتر يحدث كل عام بسبب عداء الخليفيين للنهضة الحسينية وإصرارهم على تعميق انتمائهم للمشروع الاموي الذي وقف الحسين ضده وأسقطه بدمائه الزكية. هذا العداء اتخذ، كما في الأعوام السابقة، اشكالا عديدة منها: أولا: تحريك الأبواق الرسمية للتعدي على معتقدات الغالبية الساحقة من السكان الأصليين، تارة بتزوير التاريخ، وأخرى بحرف النقاش عن هوية الثورة الحسينية وثالثة باستهداف العقائد والقيم الدينية لدى هذا القطاع السكاني الواسع. ثانيا: التصدي للمظاهر المرتبطة بموسم عاشوراء، وتسليط مرتزقة العصابة الخليفية للتعدي عليها بشكل سافر. فقد تعرضت الرايات والاعلام واللافتات في مناطق عديدة لحملة منظمة قادها ديوان الطاغية. وقد تم توثيق تلك الاعتداءات بلقطات مرئية في مناطق عديدة مثل النويدرات والسنابس والدراز وسواها. ثالثا: استدعاء رؤساء المآتم والخطباء وتحذيرهم من رفع الشعارات التي تظهر هوية الثورة وأهدافها ومنها التصدي للظلم ومقاومة الاستبداد والحكم القبلي الذي كان يزيد بن معاوية يمثله والذي يعتبر مسؤولا عن إراقة دماء آل بيت رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام. وقد تكررت الاستدعاءات هذا العام قبل بدء الموسم وخلاله، الامر الذي ساهم في تعميق المفاصلة بين البحرانيين والخليفيين. رابعا: اعتقال الخطباء والرواديد الذين تطرقوا للحقائق المرتبطة بالثورة الحسينية ومضامينها الأيديولوجية والثقافية والسياسية. كما تطرق بعضهم للفساد الأموي خصوصا المتجسد في شخص الحاكم آنذاك، يزيد بن معاوية، الذي أمر بقتل آل بيت رسول الله وعلى رأسهم الامام الحسين بن علي عليه السلام. وما يزال بعض هؤلاء أسيرا بطوامير التعذيب الخليفية. هذه الحقائق ضرورة لفهم احد جوانب الأزمة السياسية والإنسانية في البحرين المستمرة منذ الانسحاب البريطاني في مثل هذه الأيام قبل نصف قرن. ويشعر النشطاء والخطباء والرواديد بضرورة ترسيخ مفاهيم الثورة الحسينية كالحرية والكرامة والحقوق كمنطلقات لأي حراك شعبي يسعى لإصلاح البلاد ونظامها السياسي. وستظل المناسبات الدينية نقاط تماس ساخنة بين الطرفين.
اما القضية الثانية فهي ما حدث في أفغانستان في الأسبوع الأخير. فقد جاء انتصار حركة طالبان على الحكومة المدعومة من التحالف الغربي بقيادة أمريكا ليطوي صفحة استمرت عشرين عاما من الاضطراب والحرب الداخلية. فما ان اعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قراره سحب القوات الامريكية من ذلك البلد حتى هرعت الحركة لتعبئة طاقاتها وتصعيد الهجمات على كافة الأقاليم حتى استطاعت السيطرة على كابول بعد إجبار الرئيس أشرف غني على الهرب الى طاجيكستان المجاورة. هذا التحول السريع أحدث خللا كبيرا في التوازنات السياسية في المنطقة والاقليم. فقد رحبت بالتغيير اغلب قوى محور المقاومة (وكذلك رسويا والصين وتركيا) بينما اعتبر هزيمة كبيرة للمحور المتحالف مع أمريكا والكيان الإسرائيلي. هذا التغير من شأنه ان ينعكس سلبا على قوى الثورة المضادة برغم الصورة السلبية لحركة طالبان في اذهان الكثيرين بسبب تشددها في مجال التطبيقات الدينية. وكان من نتيجة ذلك التغيير اصطفاف المجموعات الإسلامية في اغلب البلدان العربية مع التغيير، واعتباره هزيمة للسياسة المحور الانجلو-امريكي المتحالف مع قوى الثورة المضادة. كما اعتبر صفقة قوية للامارات التي كانت تعتقد ان جهودها في التصدي لمشروع الإسلام السياسي قد تكللت بالنجاح بعد ان دفعت بعض تجلياته للحاق بمشروع التطبيع مع قوات الاحتلال الإسرائيلية. ومع ان من السابق لأوانه إعلان سحق التحالف الاماراتي-الخليفي- الإسرائيلي بشكل كامل الا ان المؤشرات تكشف حالة الهلع في ذلك المحور الشرير. وبعيدا عن أداء حركة طالبان في شكلها الحالي فقد أعاد التغيير شيئا من التوازن السياسي للصراع المحتدم بين المحورين المذكورين، وكذلك بين دعاة الإصلاح السياسي وقوى الاستبداد والديكتاتورية. ومن المتوقع ان تشهد الحقبة المقبلة مراجعة جادة للسياسات الخارجية الامريكية والبريطانية بعد ان شعر الغربيون بهزيمة سياساتهم الخارجية التي لم تعد بالفائدة عليهم. هذا اذا نظروا بواقعية وتجرّد واكتشفوا ان روسيا والصين هرعتا لاحتضان التغيير في أفغانستان.
ان مراجعة السياسة ضرورة لكل من يمارسها، سواء في أوساط المعارضة ام الحكم ام الدول الداعمة للحكم. ولعل من أولى الثوابت التي يجب ان يستوعبها داعمو أنظمة الاستبداد خصوصا النظام الخليفي في البحرين، ان الشعوب هي التي تبقى، بينما الطغاة يزولون، وان الدعم غير المحدود من قبل التحالف الانجلو – امريكي لهؤلاء الطغاة لن تضمن بقاءهم. فقد دعمت واشنطن ولندن حكومة أفغانستان بالمال والرجال والموقف، ومع ذلك لم تستطع الصمود أسبوعا واحدا بعد ان قررت أمريكا سحب ذلك الدعم. انهم يدعمون نمورا من ورق لا تستطيع الاعتماد على قدراتها للبقاء. وهذا يعيد الى الذاكرة ما قاله عبد الرحمن الباكر للمقيم السياسي البريطاني في العام 1956، حسب ما جاء في الوثائق البريطانية: ارفعوا ايديكم عن نظام البحرين يوما واحدا، وسوف نسقطه خلال 24 ساعة. فالشعوب اقوى من الطغاة وان تفرعن الطغاة، حسب ما قاله الشهيد السيد محمد باقر الصدر رحمه الله. بهذا الصمود يواصل شعب البحرين فعالياته الدينية والسياسية بدون خوف او قلق، واثقا بان الله سيحقق النصر له على الخليفيين الذين خانوا الله ورسوله والأمة وفلسطين والشعب. هذا الايمان بحتمية النصر نابع من القرآن الكريم أولا، ومن حقائق التاريخ ثانيا، ونفاذ القانون الإلهي ثالثا، ومن القراءة الواعية للواقع. هذا الايمان يدفع المواطنين للثبات والصمود بوجه المحن والاضطهاد، وهذا ما تحقق طوال مائة عام. فبرغم الدعم البريطاني غير المحدود للعصابة الخليفية فانها لم تستطع ان تغير قواعد اللعبة، فاستمر بقاؤها مرهونا بالدعم البريطاني والامريكي، وهو دعم له حدود ونهاية، ولن تكون نهايتهم افضل من نهاية حكام أفغانستان الذين دعمتهم أمريكا وبريطانيا.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
20 أغسطس 2021