نحو معارضة بحرانية متراصّة لإنهاء العهد الخليفي الأسود
برغم القمع والاضطهاد الذي مارسته الطغمة الخليفية الحاقدة بحق ابناء البحرين خصوصا علماءهم ورموزهم، فما يزال ارتباط الجماهير بالقادة قويا وفاعلا ومحوريا في حركة الصراع بين البحرانيين والخليفيين. وقد جاءت بيانات سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم والأستاذين حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين صفعة بوجه الطغيان والاستبداد، وتأكيدا على ثوابت الوطن والشعب والثورة. فاذا كان الطاغية وعصابته ومرجفوه يظنون انهم سينالون من كرامة الشعب وإرادته ومواقفه فما أبعدهم عن الحقيقة. وتكفي الإشارة الى ما فعله الخليفيون لترويج مشروعهم الفاشل الذي أرادوا به حفظ ماء وجههم تحت مسمى “العقوبات البديلة” ليتضح كيف تم إسقاطه ببيانات من رموز الوطن وقادته. فقد رفض الشيخ عيسى والاستاذان الكريمان إهانة المعتقلين السياسيين بالشروط المهينة التي جعلها شرطا للإفراج عنهم، ودعا للإصرار على المطالب السياسية ورفض حصر الأزمة البحرانية بالجانب الحقوقي والأمني. وأصدر الاستاذ حسن مشيمع من وراء القضبان بيانه الذي رفض فيه اية شروط للخروج من السجن مختتما قوله بالآية الكريمة “رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه”. وفجأة انقلب المزاج العام وعادت مشاعر الكرامة والعزة للنفوس، فأصدر العديد من السجناء مواقف رافضة للمشروع الخليفي، الامر الذي اعتبر صفعة مدمرة للطاغية وولي عهده وعصابته ومرجفيه.
لقد من الله على الشعب بوجود هؤلاء العمالقة، الذين نكل بهم بدون رحمة. فالأستاذان قضيا حتى الآن عشر سنوات ونصفا أسرى لدى الطغمة المجرمة. أم سماحة الشيخ عيسى قاسم فقد أبعد الى خارج البلاد، ويسعى الآن لدفع الحراك السياسي والحفاظ على قضية الشعب ومطالبه، ومنع المحاولات الدنيئة لحرف مسار الثورة او حرف أهدافها. ولا يقدّر هذه النعمة إلا من يتعمق في النظر في التاريخ الطويل لمحنة الشعب سواء في نصف القرن الذي أعقب الاستقلال امن نصف القرن الذي سبقه والذي تميز بحراكات شعبية متواصلة منذ العام 1922. فالرجل نذر نفسه لله وخدمة الدين ورأى ان ذلك لا يتحقق الا بالوقوف مع المظلومين والمستضعفين امتثالا لأمر الله تعالى: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (النساء 75).
ويمكن تسليط الضوء على عدد من الأمور التي ميزات خطابات سماحة القائد الشيخ عيسى قاسم، ومنها ما يلي:
اولا: انها إيمانية ترسخ قيم السماء وتربط الحراك السياسي بالموقف الشرعي، ليصبح النضال عبادة يتقرب الإنسان بها الى الله سبحانه. فالمناضلون ليسوا طلاب سلطة او مال او جاه، بل ينطلقون على أساس أداء التكليف الشرعي بوجوب التصدي للظلم والوقوف بوجه الظالمين. هذا البعد الإيماني حوّل النضال الى عبادة لا يستطيع الانسان التخلي عنها، امتثالا لقوله تعالى: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم”. فالإيمان يُشعر الانسان بانتصاره وفوزه سواء حقق هدفه السياسي ام استشهد دونه. ان من الضرورة بمكان الاستمرار في التزود بالشحنات الإيمانية لانها المعين الضروري لمواصلة الجهاد من أجل الحق، وبدونها قد تؤثر الضغوط التي يمارسها الخليفيون بتوجيه من الاجانب خصوصا الصهاينة على المعنويات والمواقف.
ثانيا: انها تسعى لإعادة الحيوية والتوازن للحراك السياسي والميداني، ومنع ركود الوضع بما يضر بالوطن والشعب والقضية. ولذلك ما فتيء يركز على ضرورة الاستمرار في العمل السلمي، ويمنع الميل للتطرف او العنف. وقد عرفت ثورات البحرانيين منذ مائة عام بطبيعتها السلمية، فلم يعرف عنها ممارسة العنف، برغم محاولات الخليفيين وصمها بذلك والإفراط في الحديث عن الإرهاب ووصم آلاف السجناء السياسيين بالعنف، الامر الذي لم يستطع إقناع العالم به. هذه المقاومة المدنية المتوارثة عبر الأجيال، ساهمت في بقاء شعلة الثورة ضد الخليفيين متقدة بين المواطنين على تعدد انتماءاتهم المذهبية والأيديولوجية.
ثالثا: ان خطابات سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم تناغمت مع مشاعر الشعب وتطلعاته وأهدافه وآلامه. وبقي هذا الخطاب ثابتا على مرور السنوات. فهو يدرك معنى تحقق تغيرات سياسية حقيقية تمنع الطغاة الخليفيين من التنمر على الشعب والاستبداد الذي دفعهم لإلغاء التجربة البرلمانية قبل 46 عاما بجرة قلم واحدة. يدرك سماحة الشيخ ان لدى الشعب ثوابت واهدافا وتطلعات، وانه يريد العيش بكرامة على ارضه، ويرفض تحويل البحرين الى لقمة سائغة للمحتل الخليفي الذي يتصرف وكأنها ملك للعصابة وحدها. الشيخ عيسى ملتزم بثوابت الأمة كذلك، ويرفض جريمة التطبيع مع محتلي فلسطين، الذي مارسوه باسم البلاد والشعب، ويؤكد للتاريخ الرفض المطلق لأي شكل من أشكال الاحتلال سواء احتلال الصهاينة أرض فلسطين ام احتلال الخليفيين أرض البحرين.
رابعا: ان ما يميز الشيخ عيسى انه جمع بين العلم الديني والتجربة السياسية، فقد كان له دور ريادي في كتابة دستور البلاد الذي ألغاه الخليفيون، والذي كان يفترض ان يساهم في بناء دولة حديثة بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية قبل خمسين عاما. حدث ذلك من خلال عضوبة الشيخ في المجلس التأسيسي بعد انتخابه بأكبر عدد من الأصوات التي حظي بها الاعضاء المنتخبون. ثم كان له دور قيادي بالمجلس الوطني ما بين 1973 و 1975، وقاد الكتلة الدينية في موقفها المتحالف مع الكتلة الوطنية لرفض قانون امن الدولة السيء الصيت الذي حاول الخليفيون تمريره من خلال المجلس بعد عرضه في اكتوبر 1974. هذه التجربة السياسية ازدادت نضجا في العقود اللاحقة لتجعل من الشيخ عيسى قائدا دينيا وسياسيا متميزا وقادرا على العطاء حتى بعد تقدمه في العمر.
خامسا: ان كلمات الشيخ قاسم نابعة من معاناة وتجربة ووعي والتزام. فمنذ ان خاض انتخابات المجلس التأسيسي قبل حوالي نصف قرن، ما برح صامدا في الميدان، تارة داخل البلاد وأخرى خارجها. وفي كل الأحوال لم ينفصل لحظة عن الجماهير، فقد قضى عمره المديد بينها، كعضو منتخب بالمجلس التأسيسي ثم الوطني، وكإمام جماعة بمساجد الدراز والمنامة، ورئيسا لجمعية التوعية الإسلامية حتى إغلاقها الأول في مطلع العام 1984، وكإمام جمعة في المراحل اللاحقة، وكقائد عملاق استهدفه الحكم الخليفي بوقاحة وحاصر منزله قرابة العشرين شهرا، وقتل ستة من المواطنين على أعتاب منزله. لقد فقد الشيخ عيسى في حياته من الأحبة والمجاهدين عددا كبيرا، وترك ذلك في نفسه لوعة سعى لإخفائها وهو يواجه المحنة تلو الأخرى، رغبة في الحفاظ على معنويات الجماهير ورغبة بعدم منح النظام فرصة للغبطة والفرح والشعور بالنصر.
سادسا: انه أدرك في الفترة الأخيرة ضرورة توحيد الموقف الوطني من خلال رص صفوف المعارضة لتستطيع تقديم مشروع سياسي متكامل ومتوافق عليه لمنع الخليفيين من استغلال الفراغ السياسي لتمرير رؤاهم الاستبدادية الرافضة للإصلاح السياسي. ادرك الشيخ عيسى ان هناك قدرا أدنى متوافقا عليه من قبل البحرانيين، يتمثل بكتابة دستور جديد يضمن حقوق الشعب ويحفظ سيادة الوطن وينهي عقود الاستغلال والاحتلال والاستبداد. وقد جاءت دعوة سماحته مؤخرا للمعارضة لتوحيد صفوفها والتوافق على طرح سياسي في مقابل المشروع الخليفي، دفعة جديدة للنشطاء داخل البلاد وخارجها. هذه الدفعة تشجع النشطاء لكي يلموا صفوفهم ويجمعوا أمرهم وينطلقوا في مضمار النضال بالتآزر مع الجماهير الباسلة التي أظهرت عزلة الخليفيين. والأمل ان يتعامل الجميع مع هذه الدعوة بشكل جاد ونوايا صادقة لإظهار صف وطني متراص يحاصر الطاغية وعصابته ويمنع التشرذم ويحرم الحكم من القدرة على التوغل باصطياد الأفراد الضعفاء واستغلالهم لممارسة الإرجاف بهدف إضعاف معنويات الشعب.
هذه الإطلالة السريعة على اطروحات سماحة الشيخ عيسى قاسم تهدف لتوضيح الموقف وتشجيع الجماهير على ترسيخ الإيمان والثقة بحتمية النصر على الاستبداد والفساد. انها وقفة مختصرة امام طود شامخ، وتاريخ مفعم بالحيوية والعطاء، وواقع لم تزده المحنة الا ثباتا. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
24 سبتمبر 2021