زينب خالدة كالحسين، فلا ثورة حسينية بدون دور زينبي
برغم المحاولات الخليفية الهائلة لمنع الشعائر الدينية خصوصا الحسينية منها فقد وجه البحرانيون صفعة موجعة للعدو الخليفي، وأحيا شعائره بصدق وحماس. فجاءت مواكب الأربعين أقوى مما كانت عليه من حيث الحماس وعدد المشاركين والشعارات المرفوعة. وبرغم منع الخليفيين سفر البحرانيين الى العراق للمشاركة في مراسم الأربعين، فقد استطاع عدد كبير الإفلات من التضييق والحصار وشاركوا إخوتهم من البلدان الأخرى مراسم الإحياء بجوار سيد الشهداء الذي رسم بدمائه طريق الحرية وخط موسوعة الإباء والتحدي ورفض الاستبداد والإنحراف. كان المعزون على موعد مع السيدة زينب بنت علي، بطلة كربلاء، وحاملة لواء الثورة بعد استشهاد أهلها. فعلى مدى أربعين يوما مارست دورا تربويا خالدا استطاعت من خلاله قلب الرأي العام ضد الحكم الأموي القبلي الظالم، ووجهت الأنظار الى دين الإسلام بنقائه وأصالته ودور جدها محمد بن عبد الله في هزيمة التحالف القبلي الشرير الذي ما يزال يفرض نفسه بقوة السلاح والبطش والتضليل حتى اليوم. كانت مسيرة السبايا من كربلاء الى الشام، مرورا بالكوفة ومدن عديدة في شمال العراق وسوريا ولبنان قبل وصول الموكب الى دمشق، تظاهرة تاريخية ضد البغي الأموي، فما وجد يزيد نفسه إلا وقد وصلت الثورة إلى باحة قصره، فقرر فورا أنهاء جريمة سبي النساء وإعادتهن الى المدينة.
ليس جديدا القول ان الطغاة يعتبرون المرأة الجانب الرخو في المعادلة السياسية، فيحاولون القيام بأمور عديدة: اولها اضطهادها بدون حدود لكسر شوكتها وتحييد دورها في النضال من أجل الحرية والحقوق. ثانيها: استخدامها وسيلة للضغط على الرجل بابتزازه والتهديد بانتهاك عرضه. ثالثها: استغلالها لبث رسائل الخنوع والضعف والاستسلام، خصوصا اذا كان لديها ما تخشى عليه من عائلة وأولاد يستطيع الطغاة إيذاهم. رابعا: الاعتداء على شرف المرأة تارة لإشباع غراز المتوحشين من الجلاوزة وأخرى لكسر كرامتها لتبتعد عن الشأن العام. وتحتوي قصة السبايا العديد من هذه المحاولات التي استخدمها الأمويون لتضليل الرأي العام او حرفه او تقليص زخم الثورة ومنع انتشار رسالتها للرأي العام. هذه الأساليب القديمة تتجدد مع الزمن، وينفق المستبدون أموالا هائلة لتطويرها والتفنن في استخدامها لزيادة فاعليتها. وقد تعرض المرأة البحرانية لهذه الأساليب الحاطة بالكرامة الإنسانية، ولكنها صمدت في أغلب الحالات. ولا بد من الاعتراف بوجود فشل ذريع لدى الجانب الرسمي الذي ما برح يضطهد المرأة ويتذاكى في أساليب ذلك التذاكي. ومع الأسف فهناك من النساء من لديهن استعداد للرضوخ للاستضعاف والاستغلال. وتسجل وقائع التاريخ الحديث سقوط نساء عديدات في ذلك المستنقع، فتقبل بالمناصب العليا التي تشرعن ثقافة الاستعباد والاستغلال بدون حدود. فحين تصبح “سفيرة” الخليفيين أداة لتبرير اضطهاد المناضلات اللاتي يرزحن في السجون ويتعرضن لأبشع أساليب التنكيل والاعتداءات الجنسية وراء ا لقضبان، فان ذك يعكس سقوطا أخلاقيا وقيميا وخيانة لقضية المرأة، أليس كذلك؟ وحين تقبل “الكاتبة” ان تتمادى في الدفاع عن اجهزة التعذيب التي مارست أبشع الأساليب لإسكات المرأة وإخضاعها أليس ذلك مؤشرا لبشاعة بعض المحسوبين على “الرجال” في استخدام النفوذ للإمعان في اضطهاد المرأة؟ وعندما تهرع “الإعلامية” و “الحقوقية” بالاضافة لـ “السياسية” و “النائبة البرلمانية” لبث رسالة “شكر” من إحدى ضحايا الطاغية موجهة لمن عذبها وحطم إنسانيتها واعتدى على شرفها، أليس ذلك شراكة عملية في اضطهاد المرأة وحرمانها من حقوقها الطبيعية التي منحها الله إياها؟
مسيرة السبايا محطة سنوية توفر للباحثين عن الحقيقة مادة دسمة في الكرامة والنضال والصمود والتحدي، ولكن ما أقل من يسعى لاستيعاب ذلك بهدف الفهم والاستفادة والتزود بالمعين النقي من تجارب السالفين! انها مشكلة ثقافية وأخلاقية تعصف بمجتمعاتنا وأمتنا لتبعد النشء عن تاريخه المشرف. فسيظل للمرأة دورها الذي لا يمكن الاستغناء عنه في مسيرة الإصلاح التي بدأها الحسين عليه السلام. فاذا كان أبوالشهداء قد ضحى بنفسه وأهله وأصحابه من أجل الله والدين والحق والإنسان، فان ذلك يؤكد قداسة مشروع الإصلاح الذي أكده القرآن الكريم كثيرا: إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت. ان الإصلاح شعار الصالحين، أما الفساد فهو طبيعة الكثيرين. وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون. وتؤكد هذه الآية مشكلة كبرى يواجهها من لم يتمكن الإيمان من قلبه، فهو لا يميز بين الإفساد والإصلاح. فمثلا البعض يسكت على الفساد والمفسدين وقد يتحالف معهم او يميل إليهم، بدعوى انه سيصلح فسادهم، ويتجاهل قول الله سبحانه وتعالى: ان الله لا يصلح عمل المفسدين. فما دام مشروعهم مؤسسا على الفساد فيستحيل إصلاحه. وما أكثر الذين سعوا لثني الحسين عليه السلام عن الخروج ضد الفساد وأن يسعى للإصلاح عن بعد، ولكنه أبى ذلك، وأصر على ان يقوم بثورة تاريخية كتب فصولها بدمه ودماء أهله وأصحابه. فكان ذلك بداية وعي انتشر في اوساط الامة ببطء، وأدى لحدوث ثورات لاحقة استهدفت الفساد والمفسدين من الذين استولوا على حكم المسلمين بالقوة والمكر. وكان لمسيرة السبايا دور كبير في توضيح الموقف والحد من تأثير الدعاية السلطوية القائمة على الكذب والدجل والتلفيق. ان ثقافة التدليس والتزوير والتصفيق مشروع مرتبط بالفساد والمفسدين ماضيا وحاضرا.
المصلحون لا يتوقفون عن مقارعة الظلم والفساد. فاذا استشهد الرجل على ذلك الطريق نهضت المرأة وهتفت ضد الظالمين والفاسدين. إنها مسيرة الإصلاح الخالدة التي جسد الحسين عليه السلام ذروتها، ونفخ فيها من دمه الطاهر، فأصبحت نهجا ثوريا يتواصل عبر الأجيال. ولم يستطع أعتى القوى وقف المسار التاريخي المضاد للظلم والفساد، برغم ما لديه من سلاح وعتاد ومال. فما معنى استمرار الثورات ضد الحكم الجائر، ابتداء بالحكم الأموي وعلى رأسه معاوية مرورا بيزيد وصولا الى المشيخات التي تحكم عالمنا اليوم. وقفت السيدة زينب بوجه الديكتاتور الذي سعى لفصل الدين عن مشروع الحكم واعتبر الصراع بين الحق الذي حمل محمد بن عبد الله لواءه والباطل الذي تصدّره معاوية بن أبي سفيان ثم ورثه ابنه يزيد في ذلك، ليس تاريخيا فحسب بل أزليا. انه حتمية تاريخية لا يستطيع الطغاة منع حدوثها او وأدها مهما أوتوا من قوة. فالمؤمن يرى في انتمائه لمشروع الإصلاح الحسيني فخرا وعزا وهوية، ويعتبر المشروع الأموي لعنة على الدنيا والتاريخ. صحيح انه ما يزال يحكم اليوم، ولكن من قال ان حركة الإصلاح ستتوقف يوما؟ من قال ان الدهر أصبح عقيما فتوقف عن إنجاب الأبطال من الرجال والنساء؟ ان شهداء الأمة الذين ما برحوا يتهافتون على الموت ضمن المشروع الحسيني لا تعقم أبدا لان الله جعلها مصدرا للخير والعطاء والتصدي للظلم: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون). ان مسيرة السبايا مشروع ثوري يضيف لما قام به الحسين عناصر ضرورية: نفسية وإعلامية ومبدئية تحول دون إخفائه او تشويهه. فما أعظم دورك يا زينب، أيتها الثائرة الواعية، والمتحسبة الصابرة، فطوبى لك في الخالدين.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الإسلامية
1 أكتوبر 2021