ويتكرر المشهد، ويعاد بث الفيلم الدرامي لمعاناة شعب البحرين المتواصلة منذ الاحتلال الخليفي لأرضنا الطاهرة، وتدنيسهم ترابها واستعبادهم أهلها، واستباحتهم أرضها وسمائها ومائها وهوائها. ومرة أخرى، وفي ظروف مختلفة، وحاكم “جديد”، تنفجر انتفاضة الجياع مرة اخرى، ويسقط ضحاياها مخضبين بدمائهم على ارض اوال الصامدة. الدماء التي سالت من اجساد هؤلاء الطاهرين في الايام القليلة الماضية على ايدي الاوغاد والمرتزقة والدخلاء والمحتلين، تواصلت مع دماء شهداء الانتفاضة الاولى، فكونت سيلا لا يتوقف عن النزف الاحمر الذي يتحول، يوما بعد آخر، الى وقود يحرق القتلة والسفاحين ومرتكبي جرائم التعذيب، ومحاربي قيم الحرية والدين والاخلاق والانسانية. وتزداد فظاعة الحكم الحالي، بتحويله التعذيب الى ممارسة في الشوارع، بعد ان كان محصورا بالزنزانات الخليفية. فما حدث للمواطن البطل، موسى عبد علي ، هذا الاسبوع، كان أقسى أنواع التعذيب الذي يمارسه أي نظام، مهما كانت وحشيته وشراسته. فالاعتداء الجنسي ليس تعذيبا عاديا، بل هو أشد اشكال التعذيب حيوانية وهبوطا، ولكن النظام الخليفي يمارسه بدون استحياء او خجل. فقد مورس خلال الانتفاضة المباركة في التسعينات، ورفض الشيخ حمد معاقبة مرتكبيه، واليوم يمارس في الشوارع بلا رادع من ضمير او انسانية. لقد وقف موسى عبد علي مطالبا بحقه، مع بقية الجياع المحرومين من العمل، وبدلا من الاستماع الى قضيته، والتعاطي معها بايجابية، استهدفه قتلة آل خليفة وجلادوهم، بالتعذيب الوحشي، ضربا وركلا قبل الاعتداء غير الانساني على شرفه. انه فصل جديد من قصة طويلة من معاناة شعب البحرين مع هذه العائلة المجرمة التي لا ترعوي عن ارتكاب المحرمات وانتهاك الاعراض وهتك الحرمات. فالشيخ حمد قرر ان يحمي مرتكبي جرائم التعذيب الجنسي ضمن قانونه السيء الصيت، رقم 56 لعام 2002، الذين اعتدوا على الشهيد سعيد الاسكافي، والذين هتكوا اعراض السجينات البحرينيات، وفق ما هو موثق بالأدلة.
اليوم، ينتفض ابناء البحرين مجددا ضد نظام الاستبداد الخليفي، بعد ان يئسوا من امكان اصلاحه، وأيقنوا بعدم جدوى وعوده التي لم يف رموزه بأي منها، بل عمدوا لتكريس ظلمهم واستبدادهم واختلاساتهم ومصادرة اراضي الشعب وثرواته النفطية. والأخطر من ذلك ان مشروع الشيخ حمد قام على اساس خطير يقضي بتغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد، وتهميش غالبية سكانه، واحتكار الحكم للعائلة الخليفية، ورفض اية مشاركة شعبية في القرار السياسي او الاصلاح الاداري. وقد تعمق الفساد في اوصال الدولة، فأصبحت المحسوبية والرشوة والوساطات هي التي تحكم التوظيفات والعطايا، وانتهى حكم القانون تماما، وجمد عمل القضاء، وسعى النظام لتأميم كل شيء في اطر “المجالس العليا” التي شملت قضايا المرأة والشؤون الاسلامية والشباب والرياضة، ونصب على كل من هذه المجالس واحدا من أبناء العائلة الخليفية، وعمد لتفريغ المعارضة من محتواها بفرض قانون الجمعيات. مع ذلك، كان المواطنون لهذه العائلة الجائرة وقراراتها بالمرصاد، فواجهوا قمعها واستبدادها بارادات حديدية، ولم يخافوا بطش الجلاوزة وقمعهم، ولم تؤثر فيهم سياسات التحبيط والتضليل التي تمارسها أبواق الحكم. وقفوا جميعا متراصين، يجمعهم الشعور بالظلامة، ويلم شملهم انتماؤهم للاسلام وتوجههم بتعليمات القرآن الرافضة لمسايرة الظلم او السكوت عليه. انهم ثلة آمنوا بربهم فزادهم هدى وآتاهم تقواهم. فاذا بأدوات التعذيب والتنكيل الخليفية تكل عن النيل من ارادتهم وصلابتهم، واذا العالم يستمع من جديد لاستغاثاتهم، فتصدر أوضح وثيقة دولية تؤكد ان اوضاع الحريات والديمقراطية في البحرين قد تراجعت عما كانت عليه حتى قبل ان يطرح الشيخ حمد مشروعه.
تواصل القمع الخليفي خلال العام المنصرم، ولم يتوقف يوما، وسعت العائلة الظالمة لتقنين هذا القمع بكافة الوسائل، وحاولت ايهام العالم بشرعية قوانينها القمعية من خلال مجالسها الصورية التي تقدم لها شهادات الزور كلما احتاجت لها. وقد فشلت تلك المجالس في تضليل الجماهير بعد ان اكتشفت خواءها وفقدانها اية صلاحية تذكر، وشعر الصامدون بالغبطة لعدم مشاركتهم في تلك المجالس التي اقتصرت مهماتها على تقديم شهادات الزور للنظام الخليفي الارهابي. واستمر القمع بمحاربة الناس في ارزاقهم عبر سياسات جديدة استحدثها الشيخ حمد وجلاوزته تحت شعار غير معلن يقضي ب “بحرنة الأجانب”، والاستغناء عن العقول البحرينية المفكرة والخلاقة بمرتزقة من كافة الاصقاع. فعمد في الاسبوع الماضي لتوقيف المهندس المعروف، جلال فيروز، عن عمله بشركة البحرين للغاز، بعد ان انتقد رئيس الوزراء لفساده واختلاساته المتواصلة لاموال اهل البحرين، وهي خطوة هابطة تؤكد هبوط نظام الحكم وسقوطه اخلاقيا ومهنيا وانسانيا. وكان رأس الحكم قد أمر في وقت سابق من هذا العام بمعاقبة الاكاديمي المعروف، الدكتور عبد الجليل السنكيس، بسبب حمله قضية اهل البحرين الى الخارج. وسياسة الشيخ حمد هذه ليست الا امتداد لسياسة والده وعمه في التسعينات عندما تم الانتقام من ثلاث نساء وقعن على عريضة نسائية ضد الارهاب الخليفي، بعزلهن من وظائفهن، وهن الدكتورة منيرة فخرو وحصة الخميري و عزيزة البسام (رحمها الله). سياسة محاربة الناس في ارزاقهم تؤكد العقلية الفرعونية لهذه العائلة الجائرة وبعدها عن الانسانية، وتصرفها خارج الاطر الاخلاقية المعتادة. وكما فشلت تلك السياسة في تركيع المناضلين والمناضلات في السابق، فانها لن تجدي الظالمين شيئا في الحاضر، بل سترتد الى نحورهم، وتحاصرهم في الداخل والخارج.
نجدد موقفنا الداعم للجياع الابطال الذين صمدوا امام الارهاب الخليفي المقيت، ونشد على ايديهم وهم يمارسون حقهم المشروع، في اطار المقاومة المدنية المتصاعدة، لمواجهة الذئاب واللصوص ومصاصي دماء الشعب، بقبضات ايديهم التي ترتفع مع هتافاتهم بسقوط النظام الاستبدادي المتخلف. انها لحظات تاريخية، يسجل ابناء البحرين فيها مجددا، مجدا مؤثلا لهذه الارض، يكشفون عورات النظام وسوءاته للعالم، مؤكدين حقهم المشروع في ثروة بلادهم المنهوية، ومطالبين رموز العائلة بوقف الاختلاسات والتجويع والانتقام من المناضلين بهذه الاساليب الهابطة. فسيروا وعين الله ترعاكم، ولتعلموا انكم تصنعون بدمائكم التي يسفكها سفاحو آل خليفة يوميا، تاريخا مجيدا لأمتكم الثائرة ضد الاستبداد والنظام الفرعوني الظالم. لقد رفض آباؤكم هذا النظام وقدموا أغلى التضحيات على طريق النضال ضده، وأنتم على خطاهم سائرون. هداكم الله لما فيه خيركم وخير أمتكم، وأصلح الله حالكم، ورفع الظلم والحيف عنكم، فهو غياث المستغيثين وقاصم الجبارين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك
حركة احرار البحرين الاسلامية
1 ديسمبر 2005