سياسة “التذاكي” لن تحمي الخليفيين من غضب الله والشعب
من خلال تجارب البشر اتضح ان سياسات “التذاكي” تؤكد إفلاس الجهة التي تمارسها وانعدام انسانيتها، فهي تعتبر الآخرين أغبياء وساذجين ومغفلين، تستخف بعقولهم بلا حدود. والإمعان في هذا التذاكي يؤدي لتدمير الجهة التي تمارسه. ولذلك لم يفلح الخليفيون يوما في كسب ثقة أحد ولو كانوا حلفاءهم. فهذه السياسة تعبير عن خوائهم وفشلهم في احتواء الأزمات التي تواجههم. فقد توالت العقود على تلك الأزمات ولم يستطيعوا حلها، كما لم يفلحوا في القضاء على مناوئيهم. ونجم عن ذلك انغماسهم في الجريمة وحدوث شروخ في كيانهم المهتريء. فمثلا عندما مارسوا التذاكي على الشعب قبل عشرين عاما بفرض ميثاقهم المقبور، ودستورهم لاحقا، نجم عن ذلك وصول بعض مناوئيهم الى مجالسهم التي كانوا يتمنون حصرها بأبواقهم وعبيدهم. وأدت التفاعلات داخل تلك المجالس الى وضع نجم عنه لاحقا اندلاع أكبر ثورة ضد حكمهم. وبدلا من السعي لتقليل خسائرهم قاموا بقمعها باساليب وحشية حولت رموزهم الى مجرمين لن يفلتوا من العقاب القانوني بسببها. مع ذلك ما زالوا متشبثين بسياسة التذاكي هذه التي أعمت أبصارهم عن خيارات أخرى تمنع سقوطهم. بينما كان بامكانهم تقديم بعض التنازلات السياسية لاضعاف المعارضة ضدهم مع الاحتفاظ بكيانهم. كما كان بامكانهم تخفيف القبضة الامنية لنزع فتيل الغضب في نفوس المواطنين، والكف عن الممارسات الاجرامية كالتعذيب والاعتقال التعسفي والاضطهاد الطائفي. لم يفعلوا ذلك أبدا واعتقدوا ان كسب بعض الأفراد للترويج لمشاريعهم سوف يرجح كفتهم في الصراع المتواصل مع الشعب البحراني الاصلي (شيعة وسنة). وهناك امثلة عديدة على فشل سياساتهم في الجوانب الأمنية منها ما يلي:
اولا: كان بإمكان ولي عهدهم لدى استلامه رئاسة الوزراء بعد وفاة عم والده تدشين عهده بتبييض السجون بدون قيد او شرط. لو فعلوا ذلك لسجلوا نقاطا ضد المعارضة. وعندما فشلوا في ذلك صدرت لهم الأوامر من واشنطن باطلاق سراح السجناء السياسيين. مرة أخرى كان بإمكانهم شق المعارضة بفتح السجون واخلائها من آلاف السجناء الذين اكتظت بهم. ولكنهم، مرة أخرى، تشبثوا بسياسة التذاكي، فطرحوا مقولة “الإحكام البديلة” لتحقيق امرين: اولهما تنفيذ الاوامر التي صدرت من واشنطن، ثانيهما: كسر إرادة السجناء بإجبارهم بتوقيع اوراق يتنازلون بموجبها عن حقوقهم الطبيعية، معتقدين خطأ ان ذلك سيحول دون حدوث ثورة أخرى ضدهم. وتناسوا ان إخلاء السجون وحده سواء بشروط الاحكام البديلة ام بدونها لا يعني انتهاء الثورة ضدهم او الغاء المطالبة بالتغيير السياسي الذي كان شعار الثورة.
ثانيا: ان انتهاج سياسة كسر العظم في مواجهتهم شعب البحرين لم يحقق لهم شيئا، بل على العكس من ذلك، وفر للنشطاء السياسيين ذريعة ووقودا للاستمرار في الضغط من اجل التغيير. كان بامكانهم تفتيت صفوف المعارضة بتوريطها في حوار مثير للجدل يظهرهم امام العالم بانهم عازمون على الاصلاح، ويساهم في تشظي المعارضة التي ستختلف بشأن ذلك الحوار. وهنا تتجلى سياسات كسر العظم بأجلى صورها، فلا الخليفيون قادرين على كسر إرادة الشعب او إلقضاء على عنفوانه ومطالبه، ولا الشعب مستعد للتخلي عن ثورته وحقوقه. وهكذا دخل الخليفيون في مسلسل من ردود الفعل التي لا ترقى في مضمونها لمشروع إصلاحي يكسب الخليفيين دعما دوليا ويساهم في تشظي المعارضة من ا لداخل. وبدلا من ذلك ساهم الخليفيون بسياساتهم الفاشلة في تقريب فئات المعارضة الى بعضها، وتلاشت تدريجيا قضايا الخلاف الايديولوجي والسياسي. فبدلا من العودة الى الشعب والسعي لاسترضائه بسياسات عاقلة، قاموا بعدد من الإجراءات: أولها اللجوء الى الصهاينة للدعم الامني والتكنولوجي للمساعدة في حربهم الشاملة ضد البحرانيين الأصليين شيعة وسنة). ثانيها: دفعهم خبراؤهم من جهة وطبعهم الفاسد لانتهاج سياسة “التذاكي” على الشعب والمجتمع الدولي بمؤسساته السياسية والحقوقية. هذه السياسة تهدف لتكثيف المساحيق لاخفاء الوجه القبيح للحكم الخليفي. وبموجب هذه السياسة عمد الطاغية وعصابته لاستخدام المصطلحات والألفاظ الجذابة مع إفراغها من محتواها الحقيقي. فأصبحت لديه نسخ مزيّفة لعدد من مصاديق الدولة الحديثة: مملكة دستورية مزيفة، دستور مزيف، برلمان مزيف، انتخابات مزيفة، هيئات حقوقية مزيفة، قوانين مزيفة. ولتسويق هذه النسخ المزيفة عمدت لاستقدام “خبراء مزيفين، وعقدوا اتفاقات مع جهات دولية للامعان في التذاكي وفق مشروع التزييف. وآخر هذه الاتفاقات ما اعلنوا عنه من “تفاهم” مع مفوضية حقوق الانسان يقضي باستقدام بعض موظفيه للمساعدة في الجوانب المرتبطة بحقوق الانسان. ويعلم مسؤولو المفوضية الهدف النهائي من هذا التفاهم، وان ذلك سيستخدم سلاحا ضد المعارضين والنشطاء. ولذلك يؤكدون انهم لن يسمحوا للخليفيين باستغلال ذلك اذا استمروا في سياساتهم القمعية.
ثمة حقائق يجدر تأكيدها في هذا الجانب، منها ما يلي:
أولا: ان سياسة التذاكي قصيرة الأمد، فسرعان ما تنكشف حقيقتها وتتضاعف النقمة على من يمارسها، حتى لو كانت مدعومة بملايين الدولارات النفطية وحملات العلاقات العامة والدعاية الاعلامية المدفوعة الثمن في الداخل والخارج.
ثانيا: ان حقوق الانسان لا يمكن ان تحترم او تصان من قبل انظمة الاستبداد. فالنظام الديكتاتوري يستحيل ان يسمح بالحريات العامة لان تلك الحريات تؤدي في النهاية لإسقاطه لانها تبث الوعي وتعمق شعور الانسان بانسانيته وحقوقه، وتحميه من الخوف والاستسلام. ولذلك تنفق الجهود الكبيرة لحماية هذه ا لحقوق ولكنها لا تغير الطبيعة القمعية للديكتاتورية والاستبداد. فقد يؤدي الضغط الى الإفراج عن السجناء السياسيين ولكن سرعان ما يعتقلون كلهم او بعضهم من جديد. أليس هذا ما حدث لرموز الشعب خصوصا الاستاذ حسن مشيمع الذي اعتقل في الثمانينات والتسعينات وفي 2008 واخيرا في العام 2011. فالطبيعة الخليفية الاجرامية لا تتغير أبدا، وقد أدرك من كان يعول على ولي العهد الخليفي خطأه، فما ان استلم منصب رئاسة الوزراء حتى تفوق على سلفه في الإجرام، فمارس الخيانة بأبشع صورها، واعتقل الاطفال وسجن الأبرياء وسعى لحرمان المواطنين من حرياتهم الدينية، واخيرا طرح مشروع “العقوبات البديلة” الذي يعتبر من أقبح الخطوات في التاريخ الخليفي الأسود.
ثالثا: ان سياسة التذاكي تعبير آخر عن الالتفاف على المسؤوليات المنوطة بالحكم المدني الحديث. ومحاولة للتضليل والتدليس واخفاء الحقائق والخداع والمكر. وهي اساليب تقضي على الثقة المطلوبة لاقامة منظومة سياسية توافقية بين الحكم والشعب. فيوما بعد آخر يكتشف المواطنون سياسات الخداع والتضليل والتدليس التي تجمعها سمة “التذاكي” التي تؤكد حالة النفاق لدى العصابة الحاكمة.
رابعا: ان سياسة “التذاكي” لا تحسم المعركة بل قد تساهم في تأجيل المنازلة. فقضايا الشعوب لا يمكن إلغاؤها بهذه الاساليب، بل تقتضي تعاطيا الجد والصدق من قبل كافة الاطراف. اما العلاقة القائمة على اساس التضليل والغش والالتفاف فهي قصيرة الأمد سرعان ما تنقشع وتظهر الحقيقة. فكلما اوغل الخليفيون في هذه السياسة تأجل الحل واستمرت الأزمة. ولذلك تعتبر أزمة البحرين السياسية من بين أطول أزمات الشرق الأوسط، فهي سابقة على قضية فلسطين التي مضى عليها 73عاما، وتعود بجذورها الى الربع الأول من القرن الماضي. وتؤكد العقود اللاحقة أمورا عديدة: أولها استحالة التوصل الى صيغة للتعايش بين البحرانيين والخليفيين، وان القضية تستدعي حلا جذريا ينهي عقود الاستبداد والاحتلال، ثانيها: فشل الخليفيين في الانتماء الى الشعب وبقوا مكوّنا خاصا منفصلا عن السكان الاصليين (شيعة وسنة). ثالثها: فشل الخليفيين وداعميهم في كسر شوكة أهل البحرين أو إلغاء مشروع التغيير الذي حملوا لواءه طوال مائة عام. رابعها: ان من يهمه أمن المنطقة واستقرار البحرين مطالب بدعم جهود التحول السياسي القائم على حق تقرير المصير ودعم الشعب لاختيار نظام حكخه وكتابة دستوره، وإنهاء ما يعتبره الخليفيون “حقا أزليا” في الحكم والسيطرة.
ستستمر المعاناة والمخاض والتضحيات، وسيدفع الوطن والشعب ثمنا باهضا خلال ذلك، ولكن الأمر المؤكد ان إرادة الشعب ستنتصر بعون الله وسوف يهزم الله أعداء الحرية خصوصا بعد ارتكبوا جريمة الخيانة الكبرى لله ورسوله والانسانية والبحرين.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الإسلامية
8 اكتوبر 2021