الظروف الاقليمية والمحلية تساهم في التغيير
من المؤكد ان نتائج النضال الشعبي الداخلي من اجل التغيير في أي بلد لا يمكن ان تحدث بمعزل عن الواقع المحيط بذلك البلد. فديناميكية التغيير تمر عبر التفاعلات والتحولات المحلية والاقليمية. فمثلا كانت ثورات الربيع مترابطة من حيث التوقيت والأهداف، برغم تعدد أنماط الحكم في البلدان التي حدثت فيها. ولا يمكن عزل انجازات المقاومة ضد الاحتلال عن مشاعر المواطنين العرب والمسلمين، فما ان يحدث اختراق ضد العدو الصهيوني حتى تتردد أصداؤه في زوايا العالمين العربي والاسلامي ويتفاعل معه النشطاء الانسانيون في بقية ارجاء العالم. والأمر نفسه يحدث حين يجنح نظام نحو المزيد من الاستبداد والقمع، فانه يسعى للتأثير على الجوار الجغرافي. ولذلك فان التطورات الاقليمية ستبقى عاملا مؤثرا على الوضع البحراني. والسؤال: هل ان هذا التأثير حاسم وحتمي؟ ربما يصعب الاجابة على هذا التساؤل، ولكن الامر المؤكد ان إرادة الشعب قادرة على إحداث التغيير وإن لم تكن الاوضاع الاقليمية مؤاتية. فهناك نمط عام من التوجه السياسي في العالم يؤكد ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن وعدم السعي لخلخلته لكي لا يحدث ما ليس في الحسبان. وتقوم السياسات الغربية عموما على التعاطي مع الاوضاع والانظمة القائمة في العالم العربي، حتى لو لم تكن ديمقراطية او إنسانية. وهذا يؤكد حقيقة قد تغيب احيانا عن بال المناضلين: وهي ان المصالح تحتل موقعا لدى النظام السياسي العالمي اليوم يفوق كثيرا المباديء التي تنحصر بجوانبها النظرية وتبقى في أغلب الاحيان شعارات لا تجد طريقها للتنفيذ.
هذه الحقائق واضحة في آذهان الشعب البحراني الباحث عن الحرية والكرامة، والمصر على تحقيق التغيير في بلده. يعلم هذا الشعب ورموزه ان الانظمة الاقليمية، وليس حكامه الخليفيين فحسب، تقف ضد مبدأ التغيير خشية وصوله الى حدودها. ويعلم ايضا ان المال النفطي اصبح سلاحا في المعركة ضد التغيير، خصوصا بعد ان استخدمه حكام الخليج للتأثير على مواقف دول “العالم الحر”. ألم يستطع ذلك المال ان يمنع الشهر الماضي مشروع التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها جيوش السعودية والامارات والخليفيين في اليمن؟ كان المال النفطي حاضرا في جلسة التصويت على تمديد عمل لجنة الحكماء التي بدأت عملها قبل بضع سنوات. هذه المرة استطاع المال النفطي شراء مواقف عدد من الحكومات الآسيوية والأقريقية لكسب اصواتها بمجلس حقوق الانسان، ضد مشروع أوروبي كان مطروحا لتمديد عمل اللجنة المذكورة. هنا يبرز المال النفطي سلاحا ضد مبدأ العدالة ومرتكبي جرائم الحرب. هذا المال النفطي هو الذي وفر للامارات نفوذا سياسيا يفوق النفوذ السعودي، وقد يؤدي لحرب بين الطرفين في المستقبل غير البعيد. وهذا المال النفطي نفسه استخدم لمحاربة ما يسمى “الأسلام السياسي” الذي يشتمل مشروعه على التصدي للاستبداد والاحتلال والتبعية. وقد بقيت إيران، لكونها “راعية” مشروع “الإسلام السياسي” منذ انتصار ثورتها قبل اكثر من اربعين عاما، محاصرة طوال هذه الحقبة عقابا لها من جهة، ومحاولة لكسر معنويات المجموعات الإسلامية المعتدلة التي تحمل لواء التصدي للاستبداد والاحتلال.
شعب البحرين ينظر بوعي لما يجري حوله. ويعلم ان المتصدين له ولثورته وأهدافه عديدون. فهو مطلع على التعاون الامني الوثيق بين دول منظومة مجلس التعاون الخليجي، وكيف انها متفقة على مساعدة الخليفيين في سياساتهم القمعية واضطهادها الغالبية الساحقة من الشعب البحراني الراغبة في التغيير السياسي الجوهري. ويعرف مدى ما يمكن ان تقوم به هذه القوى من تدمير للبلاد من خلال تدخلاتها العسكرية والأمنية، وكان قد عاش تجربة مرة بعد الاجتياح السعودي الاماراتي للبحرين في منتصف مارس 2011 وكيف ادى ذلك لقتل العديد من المواطنين والقيام بأكبر جرائم انتهاك حقوق الانسان من اعتقالات جماعية تعسفية وإعدامات وقتل وتعذيب. بعد هذه التجارب الطويلة يواجه اليوم طاغوتا تحالف مع أعداء الأمة وضاعف جرائمه ضد البلد والشعب آملا ان يحسم الموقف بشكل نهائي لصالحه. غير ان كافة التطورات التي تمر بالإقليم لا تؤكد حصافته في تلك الحسابات.
فالعصابات الاسرائيلية لا تستطيع حماية نفسها فضلا عن حماية غيرها. والتحالف الشرير الذي اعتدى على اليمن لم يستطع حسم الحرب لصالحه، بل عزّز مواقف اليمنيين وتوجهاتهم، وما التواجد المليوني الشعبي في ذكرى المولد النبوي الشريف إلا صفعة قوية للعدوان وتأكيد لعودة اليمن بعد سنوات من الحرب الى حالة التعافي السياسي والعسكري من جهة والإصرار على العودة الى الجذور التي ميزت حضارة اليمن وشهدت تحوله الطوعي الى دين الله. لقد أصبح هناك تحول نفسي ومعنوي لدى اليمنيين بعد العدوان الذي بدأ في مارس 2015 وتعمق بشكل تدريجي في النفوس فأصبح أهلها أقوى شكيمة من المعتدين.
وعلى الصعيد الخليجي بدأ الخليفيون يحاصرون بالتوجهات التحررية لدى الشعوب المجاورة. فقد خاض العراقيون انتخاباتهم واختاروا ممثليهم في برلمانهم المؤسس على دستور شارك ممثلو الشعب في كتابته، وبدأ العراق يتعافى من آمراضه وآلامه، في ظل دور واسع للمرجعية يمنع البلاد من السقوط بأيدي العابثين والارهابيين والفاسدين. ألم يكن لشعب البحرين دور في دعم نضال شعب العراق لنيل حريته ويتخلص من الاستبداد؟ ألم يقدم عشرة من أبنائها شهداء على جبهة الصراع مع النظام الذي استضعف شعبه وقتل شبابه وعلماءه فسلط الله عليه من لا يرحمه، حتى خسر الحكم وابتلعت رموزه مزبلة التاريخ. وفي دول قطر المجاورة شارك المواطنون في اول انتخابات نيابية تمثل تجربة متميزة يتوقع لها النضج والتكامل بمرور الوقت. ولم يبق في خانة الاستبداد المطلق والظلم الشامل سوى المنضوين ضمن تحالف قوى الثورة المضادة التي تضم السعودية والامارات والخليفيين وعسكر مصر بالاضافة للكيان الاسرائيلي. في هذه الأجواء تحولت معاناة المناضلين والسجناء السياسيين في بلدان الثورات العربية مثل مصر والبحرين الى زخم ثوري مرابط على طريق التحرر، بينما رفض الخليفيون الاعتراف بالواقع الجديد للشعب حيث يندفع الى الامام بدون تراجع ويرابط في الساحات بلا خوف او تردد. في هذه الاثناء يطرأ تحول على التوازنات السياسية في الخليج بعد إعلان امريكا الانسحاب التدريجي من المنطقة، وظهرت فيها أصوات تتبنى بعض الاطروحات الحقوقية والسياسية التي تزعج حلفاء واشنطن التقليديين، اذ تضغط عليهم لتبييض السجون وإصلاح انظمتهم السياسية. انها واحدة من ساعات القدر الذي يفرض نفسه بإرادة ألهية حاسمة ليحاصر الطغيان والجبروت وليجعل دماء الشهداء حقا قوة دافعة للتغيير. فها هي إفادات معارضي هؤلاء الطغاة تضغط على اصدقائهم في الغرب لاتخاذ اجراءات ضد العناصر المتربعة على الحكم حتى تتوقف عن الممارسات غير الانسانية التي اصبحت سياسة ثابتة لها وهي تتصدى لدعوات التغيير بآنفة وكبرياء وإصرار.
ما المطلوب الآن؟ وإلى أين تسير الاوضاع في البحرين؟ هذا البلد المعذب الذي تعرض اهله للقمع والاضطهاد عقودا، اصبح على موعد محتوم مع ا لتغيير المرتقب. صحيح ان طغاته الخليفيين يستمرئون سياسة التذاكي والخداع، ولكن متى نجحت هذه السياسات ومتى حسمت الصراع لصالح الظلم؟ فأقصى ما تحققه تأجيل المنازلة الحاسمة، وهو تأجيل له ثمن باهض على الاطراف الرافضة للاصلاح والمصرة على الاضطهاد والتعسف والظلم. شعبنا البحراني يعيش حالة الأمل بدون خوف او تردد او شك. فهو يصر على تحرير أسراه من سجون الخليفيين، ويكرر التزامه بتحقيق التغيير الكامل الذي يسقط الحكم الخليفي الجائر، ويلغي سياسات التطبيع ويخطط للتحرر من الخطوات الخيانية التي تحاصر الانبطاحيين والمستسلمين وهم متجهون نحو العدو، بعد ان انقطعت علاقتهم مع السكان الأصليين شيعة وسنة) ودخلوا نفقا مظلما من الصراع مع إنسانية البحرانيين وانتمائهم العقيدي والتاريخي والثقافي. انها لحظة قد تكون حاسمة في تاريخ المنطقة، فقد تتأجل نتائجها ولكن الصراع ضد الباطل والظلم والاستبداد والخيانة متواصل بدون توقف. سوف يستمر الصمود وتتم محاصرة الظلم وسيكون النصر حليف الوطن والشعب، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا
حركة أحرار البحرين الاسلامية
28 اكتوبر 2021